مفهوم التنوّع الأحيائي مركَّبٌ غاية التركيب. وقد يُفهم، أحيانًا، أنه معنيٌّ بالنبات والحيوان. بيد أنه أوسع بكثير من ذلك. في شقّه النباتي يشمل التنوّع الأحيائي الغابات والمراعي والأشجار والشُجيرات والأعشاب..
وفي شقّه الحيواني يشمل البري والبحري والمستوطن والمهاجر..
وفي شقّه المجهري؛ يشمل الكائنات الدقيقة والطفيليات..
القصة لا تتوقف هنا بالطبع؛ فهناك أنماط ارتباط كلّ هذه الأحياء بالمجتمعات والنظم البيئية التي تحتويها أو تعيش فيها أو التي تأوي إليها تلك الأنواع الحية.
هناك أيضاً العلاقات الحيوية والبيئية المتبادلة بينها، كالتكافل في المعيشة، أو الافتراس، أو التغذية، أو الإيواء، أو التخفي، وغيرها من سلوكيات يتأقلم عليه الحيوان أو النبات.
كل هذه المنظومة البيئية الرائعة المعقدة توفر خدمات بيئية متنوعة، من بينها تحسين المناخ واتزانه، وضمان إنتاجية الأراضي، وجودة التربة، والمياه وهطول الأمطار، وازدهار موائل عيش الكائنات.
كما توفر خدمات اقتصادية كونها مصدرًا لإنتاج الغذاء والدواء والمواد التي تستخدم في البناء والصناعات المختلفة.
وهناك جانب مهمٌّ من الخدمات التي يوفرها الاتزان في التنوع الأحيائي؛ يتمثل في الفوائد الاجتماعية، كالتنزه في المناطق الطبيعية، والسياحة البيئية، واعتماد المجتمعات على ما توفره تلك الأحياء من صور مختلفة من الانتفاع والاستثمار المستدام..
كل ذلك في إطار ازدهار واستدامة تلك الخدمات المتدفقة منها.
المملكة العربية السعودية سعت في النهوض بالشأن البيئي، خاصةً بعد إنشاء أول وزارة للبيئة. وقد تكللت جهود الوزارة في اعتماد مجلس الوزراء للاستراتيجية الوطنية للبيئة التي شملت العديد من المبادرات والمشاريع البيئية، وكان من مخرجات الاستراتيجية إنشاء المراكز البيئية الوطنية؛ وهي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والمركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، والمركز الوطني للأرصاد، والمركز الوطني لإدارة النفايات.
كما عملت على إنشاء صندوق البيئة والإسهام في تأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي من قبل وزارة الداخلية، وهي جهة مختصة بإنفاذ الأنظمة البيئية.
وكان لابد من وضع تلك الأسس من العمل المؤسسي حتى تتمكن الوزارة من إدارة الشأن البيئي، بما يليق بالتطور الحاصل على كل الصعد العالمية والإقليمية والمحلية.
ومن أبرز الممارسات التي تُسهم في تعزيز واحتضان التنوع الأحيائي ـ بمفهومه الواسع السابق الذكر ـ هو ما بذلته الوزارة، ممثلة في قطاع البيئة، لوضع أسس العمل المؤسسي واستراتيجيات العمل.
ومن ذلك الاستراتيجية الوطنية للبيئة، والاستراتيجية الوطنية للمراعي، واستراتيجية إدارة النفايات، ونظام البيئة، وتنظيمات عمل المراكز الوطنية البيئية، وإنشاء المؤسسة العامة للمحافظة على السلاحف البحرية والشعاب المرجانية في البحر الأحمر، وإسهام قوات الأمن البيئي ودورها في تطبيق نظام البيئة ولوائحه التنفيذية في تحقيق مستهدفات تنمية الغطاء النباتي والحياة الفطرية والشؤون البيئية ذات العلاقة.
إنها ممارسات مؤثر جداً في الحفاظ على التنوع الأحيائي، ودعم المجتمعات المحلية لتنمية الموارد الطبيعية، وعلى وجه خاص حول مواقع التنوع الأحيائي المهمة والمناطق المحمية.. وقد امتدّ التأثير إلى إنشاء الإدارة العامة للتوعية البيئية وتعزيز القدرات في وكالة الوزارة للبيئة، ويمثل نشاطها أهم وأول البوابات لنجاح أي عمل أو مشروع بيئي.
ذلك أن الإدارة تُسهم في تنمية رأس المال البشري البيئي القادر على التخطيط وإدارة التنوع الاحيائي والشؤون البيئية الأخرى.
وتمثل المبادرات الوطنية الرامية إلى تعزيز التنوع الإحيائي وبيئاته كمبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الاوسط الأخضر، ركائز مهمة وأساسية مستقبلية، من أجل الانتقال بالعمل البيئي إلى خطوات عملاقة تحدث الفارق الإيجابي الكبير المنتظر المضاف إلى مبادرتي المملكة عالمياً: مبادرة الحفاظ على الأراضي ومنع تدهورها، ومبادرة المحافظة على الشعاب المرجانية.
هذا من الجانب المؤسسي واعلان المبادرات كممارسات تُسهم بشكل اساسي في دعم اتزان واستدامة التنوع الاحيائي.
أما من الجانب التنفيذي فنرى أن المراكز الوطنية البيئية شرعت في العديد من الأعمال والأنشطة الرامية إلى الحفاظ على التنوع الأحيائي من خلال أساليب منها عديدة، من بينها:
المحافظة؛ وهي إجراءات للحفاظ على الأنواع الحية في مواطنها الطبيعية واتزان بيئاتها. ومن أمثلة ذلك ما يقوم به المركز الوطني لحماية الحياة الفطرية من إنشاء المناطق المحمية، أو إطلاق الكائنات الحية في مواطنها، وإعادة تأهيل هذه البيئات.
وما يقوم به المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في المحافظة على الغابات والمراعي، وإنماء أراضي الغطاء النباتي.
إضافة إلى ما يقوم به المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي ضمن مهام الرقابة على الأنشطة التجارية ورصد التلوث والحد من تدهور الأوساط البيئية.
إنه أمر غاية في الأهمية إذا ما أخذنا في الاعتبار أن تدهور الأراضي بسبب فقدان التربة الصالحة للإنبات يؤدي ـ بالنتيجة ـ إلى انعدام الغطاء النباتي وفقدان محتواها المائي والحيوي. وبالتالي تتعرض تلك الأراضي للتصحر على مدى عشرات من السنين، وهذا بدوره يفاقم التغيرات المناخية السلبية ويؤثر في الاقتصاد وجودة الحياة والاستدامة البيئية والمجتمعية.
ومن الممارسات التنفيذية لدعم اتزان التنوع الاحيائي هو:
الحماية التي تعني اتخاذ إجراءات تمنع الإضرار بالبيئات والتنوع الأحيائي، أو اتخاذ إجراءات تدار فيها الكائنات الحية، مثل إقامة المناطق المحمية للحياة الفطرية، وحماية الأشجار الغابية أو المعمرة أو التي تكون هدفاً للاحتطاب الجائر لغرض بيعها حطباً مُخالفةً للنظام وهدماً لمنجزات الوطن.
ويشترك المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر؛ في جهود هذه الحماية. كما يتم تآخي المركزين في دعم الحماية والمحافظة على الأنواع من خلال إطلاق الكائنات الحية في المتنزهات الطبيعية كأجمل صور التعاون المثمر بين المراكز الوطنية البيئية.
ويعتبر الإنماء للنباتات والحيوانات الفطرية عاملاً أساسياً في استدامة التنوع الاحيائي. ونحن نرى ذلك جلياً في مراكز إكثار الأحياء الفطرية والمشاتل المتخصصة.
ويمثل الإنقاذ أحد أبرز الممارسات التي يقوم بها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، ويتمثل ذلك في إنقاذ الأحياء النادرة أو المهددة بالانقراض، بهدف إكثارها في الأسر وإعادة إطلاقها في بيئاتها الطبيعية.
وكذا المحافظة على جودة موائلها، ومنع كل ما يضر بتلك الموائل. كما يقوم المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر بإنقاذ الأنواع النباتية النادرة والمهددة بالانقراض والأنواع المهمة كغابات العرعر وأشجار اللبخ العملاقة وغيرها.
ويعمل المركز على إصدار قوائم بالأنواع النباتية المهمة والنادرة والمهددة بالانقراض وتهيئة السبل لإنقاذها وإكثارها وإعادة نشرها.
وتُسهم حماية الغابات وتنظيم آلية الرعي في الأوقات المحددة وحصاد المياه في تعزيز نمو واستدامة التنوع الأحيائي، كما تعتبر مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر؛ الأساس في استعادة الأراضي المتدهورة، من خلال دور الغطاء النباتي في احتضان التنوع الأحيائي، وما يتلوه من فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية واستثمارية.
وهذا كله لا يتكامل إلا بوجود شراكة المجتمع المحلي وقطاع الأعمال، علاوة على القطاع غير الربحي، من الجمعيات والكيانات الناشطة في البيئة.
وختاماً نستشهد بالحكمة القائلة:
إن بقاء التنوع الأحيائي يعني بقاء الحياة الآمنة في هذا الكوكب غير الآمن.
الدكتور أسامة فقيها
وكيل للبيئة لدى وزارة البيئة والمياه والزراعة/ نائب رئيس مجلس الإدارة