في الأصل، لا عداوة بين الإنسان وأي كائن فطري على وجه الكوكب الذي نعيش فيه. ومع ذلك، وضع الإنسان الأفاعي والحيّات في قائمة ألدّ أعدائه. ذلك يكاد راسخًا في مختلف بلدان وحضارات العالم. والعجيب أن تلك المخاوف المتجذرة منذ قديم الزمان لا تزال منتشرة ومتداولة بين الناس، حتى في ظل ما يشهده العالم من ثورة علمية هائلة، أسهمت بشكل كبير في إيضاح ونشر أغلب المعلومات العامة عن هذه الكائنات الفريدة.
ولعل أعجب من ذلك كله، أن الأفاعي والثعابين ارتبطت بالشر والموت من جهة، كما ارتبطت بالخير والحياة من جهة أخرى. وهذا ما نجده جليًا منذ بداية الوجود الحضري للمجتمعات الإنسانية وما انعكس في موروثها الثقافي وتراثها الأثري الذي لا يزال قائمًا حتى وقتنا الحالي؛ حيث نجد أن مفهوم الخير والصداقة والحكمة والعلاج قد كان قائمًا ومرافقًا للثعابين أين ما حلت في كل من الحضارات السومرية والفرعونية واليونانية، وغيرها الكثير.
وعلى الرغم مما هو شائع في وقتنا الحالي حول خطر الثعابين والأفاعي في العالم، وما يتداوله العامة من خطر سمها القاتل، وبالإضافة إلى ما يتم تسجيله سنويًا من أعداد المصابين بلدغات الأفاعي؛ فإن ما يتجاوز %80 منها هي ثعابين غير سامة ومنخفضة السمية أساسًا، ولا تشكل سميتها خطرًا على حياة الإنسان.
على سبيل المثال، فإن المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وخصوصًا المناطق الساحلية الرطبة والحرشية، تتميز بندرة الأفاعي السامة؛ فمن بين 7 أنواع موجودة على اليابسة تم حصرها، مؤخرًا، في أحد الأبحاث الميدانية، نجد أن نوعًا واحدًا يشكل خطرًا على حياة الإنسان؛ في حين تتغلب فيها أنواع الثعابين غير السامة وضعيفة السمية على غيرها.
الأفعى المقرنة Cerastes gasperetti إحدى أكثر الأفاعي خطرًا في المناطق الصحراوية في عموم المملكة، نظرًا لسمها الدموي القاتل وطريقة تخفيها المميزة في الرمال، غير أنها قليلة المشاهدة والاحتكاك بالإنسان. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تلعب دورًا حيويًا مهمًا في السيطرة على أعداد القوارض والزواحف في البيئات الصحراوية.
وهناك نوعان يُعرفان بضعف السمية، وهما من أكثر الأفاعي شيوعًا ومشاهدة من قبل الناس في المنطقة الشرقية تحديدًا، ولا تشكل خطرًا على حياة الإنسان. النوع الأول هو الكوبرا الشرقية الكاذبة Malpolon moilensis ، أو ما يُعرف محليًا بـ»أبو العيون».
والنوع الثاني هو ثعبان أبو السيور الشجري Psammophis schokari الذي يُعرف باسم «الزاروق».
وكلا النوعين ينتشر – بشكل واسع – في المناطق الزراعية والساحلية والمناطق الحرشية المتاخمة للمناطق السكنية والزراعية. وانتشارهما يجعل من فرص الالتقاء بهما مع الإنسان كثيرة الحدوث،
خصوصًا مع ازدياد التوسع العمراني على حساب الموائل الطبيعية والأصيلة لهذه الكائنات. ويتميز هذان النوعان بانخفاض درجة السمية بحيث إن سم الثعبان البالغ منهما بالكاد يستطيع قتل جرذ صغير أو طائر صغير الحجم.
تحت ضغط ما يتعرض له هذان النوعان وغيرهما من القتل والصيد بشكل مستمر، بسبب جهل عامة الناس وخوفهم المتجذر منها؛ فإن ذلك قد انعكس بشكل كبير في انخفاض أعدادها وظهور الكثير من المضاعفات البيئية بسبب اختلال اتزان النظام البيئي.
ولعل من أكثر الظواهر وضوحًا للعلن في الوقت الحاضر، هو ازدياد أعداد القوارض في المناطق السكنية الحديثة والمناطق الزراعية التي تسببت في خسائر مادية كبيرة للمزارعين، ولا سيما لأصحاب المستودعات الغذائية ومخازن الحبوب والغلال، إضافة إلى مشاكل صحية كثيرة تفاقمت عند ازدياد استخدام المبيدات والسموم، وعند تفشي الأمراض المنقولة من قبل الحشرات كنواقل، والقوارض كحاضنات لها.
من هنا يتضح أن للثعابين والأفاعي دورًا حيويًا مميزًا في حيوية الأنظمة البيـئية واستمرارها، وذلك عن طريق ضمان استقرار التوازن البيئي للنظم البيئية والمحافظة على توازن أعداد الكائنات الحية التي تتغذى عليها، مثل القوارض والحشرات؛ مما يضمن استقرار النظام وعدم اختلاله نتيجة ازدياد نوع على حساب الآخر.
وهذا كله يدل على أن الأفاعي والثعابين هي حيوانات صديقة للإنسان أكثر من كونها عدوًا، كما يشاع.
محمد الزاير
عضو هيئة التدريس، قسم صحية البيئة، كلية الصحة العامة، جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل.