[issue-single-data]

أهداف العقد للتنوع الأحيائي..خارطة طريق

أهداف العقد للتنوع الأحيائي..خارطة طريق

البروفيسور كارلوس دوارتي

بروفيسور من كرسي ابن سينا لعلوم البحار في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، والعالم الرئيس في جمعية Wave.global.

بحلول القرن الحادي والعشرين، فقدت المحيطات حوالي %50 من وفرة الموائل الأساسية التي تدعم التنوع الأحيائي البحري، وكذلك أعداد الكائنات البحرية الكبيرة. وصاحب ذلك استنزاف لبعضها، مثل أسماك القرش إلى حدود %10 مقارنة بوفرتها السابقة.
وعلى الرغم من ذلك، ظهرت فرصة تستند إلى نتائج السياسات التي أُدخلت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، للتخفيف من التلوث، ووقف صيد الحيتان الكبيرة، والاتجار بالأنواع المهددة بالانقراض. وذلك من أجل إعادة بناء وفرة الحياة البحرية. وفي عام 2021، قمت بقيادة دراسة أظهرت أن إعادة بناء وفرة الحياة البحرية ممكنة خلال 30 عامًا، أي بحلول عام 2050، وقدَّمت خارطة طريق لتحقيق هذا الهدف.

وتتضمن الإجراءات المطلوبة لتعزيز استرداد التنوع الأحيائي البحري ستة محاور، وهي:
حماية المساحات، وذلك بحماية 30 % من المساحة البحرية.
حماية الأنواع، وذلك عن طريق إحراز تقدم في مجال حماية الأنواع البحرية المهددة بالانقراض.
الصيد بحكمة، وذلك عن طريق تجنُّب الصيد الجائر، والقتل بسبب الصيد العرضي والضرر الذي يلحق بالنظام البيئي من ممارسات الصيد المدمرة للبيئة البحرية.
إيقاف التلوث البحري، بدءًا من التلوث البلاستيكي إلى التلوث الكيميائي، خصوصًا المواد الكيميائية الصناعية والمنتجات الصيدلانية.
التخفيف من وطأة التغير المناخي، لتقليل الضغوطات الحالية على الحياة البحرية نتيجة ارتفاع حرارة المحيطات وانخفاض مستويات الأكسجين.
تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل النظم البيئية.
هناك شرط أساسي لتحقيق المخرجات الأساسية من هذه الأعمال، وهي ألا يفقد المجتمع الأمل في إمكانية إعادة المحيطات إلى حالة صحية. ومع الأسف، فإن الإعلام غالبًا لا يتعامل مع المشكلات البيئية العالمية، من المناخ إلى التنوع الأحيائي. وهناك الكثير من السلبية المثيرة للقلق، وبشكل يُثبّط عزيمة الناس في محاولة تحسين الوضع الصحي للبحار والمحيطات، وذلك استنادًا إلى اعتقاد خاطئ مفاده بأن أفعالهم لا يمكنها أن تحقق عكسًا لمسار التوقعات السلبية.
إلا أن ما حدث هو أن التوقعات السلبية استحالت نبوءات تتحقق ذاتيًا.
ألهم البحث الذي قمت بقيادته العديد من المنظمات، بما في ذلك Wave.global، من أجل تحفيز المجتمع نحو تنفيذ الإجراءات الموضحة آنفًا، خاصة أنها تتوافق ومستهدفات المبادرة العالمية المعروفة باسم “إطار كونمينغ – مونتريال العالمي للتنوع الأحيائي (K-MGBF)”، الذي اعتمدته جميع الدول الأعضاء التي وقّعت اتفاقية التنوع الأحيائي في عام 2022.
وبالطبع، كانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول الموقّعة. وعليه، فقد صارت هذه هي الأهداف التي يجب تحقيقها بحلول عام 2030، أي في غضون 6 سنوات فقط من الآن، وعلى نحو تجديدي للمرة الأولى، ومحفز لإعادة بناء

التوازن البيئي للمحيطات.
المسألة شاملة، وهدفها لا يقتصر فقط على المحافظة على القليل المتبقي.
المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية (NCW) هو الجهة المسؤولة عن تنفيذ تلك الالتزامات في المملكة العربية السعودية. بيد أن الحقيقة هي أن المركز لا يمكنه تحقيقها بمفرده. وعلى الرغم من وجود تركيز على جهود تنفيذ برامج حماية الكائنات البرية في المملكة العربية السعودية، فقد ظلت الجهود المبذولة في حماية البحار منقوصة خلال العقود السابقة. ومع إنشاء المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، بقيادة الدكتور محمد قربان، وهو عالم بحري متميز سبق أن شغل منصب “أستاذ” لسنوات عديدة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، انطلق المركز في إطار الاستراتيجية الوطنية للبيئة المعتمدة على رؤية 2030 لعام 2019، في إنشاء وتنفيذ كثير من المشاريع والبرامج لحماية البيئة البحرية في المملكة.
تشمل المزايا الرئيسة لتحقيق أهداف الحفاظ على البيئة في المملكة التزامًا قويًا من القيادة بالحفاظ على البيئة والتنوع الأحيائي والموارد البحرية، وكون البحر الأحمر ما زال غير متطور نسبيًا مقارنة بسواحل كثير من الدول الأخرى. ومع ذلك، فإن التطور السريع الذي يحدث على طول البحر الأحمر – كجزء من مشاريع ضخمة مثل نيوم وأمالا ومشروع البحر الأحمر – يشكِّل خطرًا على صحة البيئة البحرية، وهو ما يفرض أقصى درجات الحذر في الالتزام بأفضل الممارسات لتجنُّب الأضرار وإصلاح ما قد يحدث منها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى مواءمة هذه المشاريع مع الأهداف الاستعادية لإطار (K-MGBF). كما توجد أدلة على أن الكائنات المفترسة الرئيسة، التي تؤدي دورًا كبيرًا في صحة النظام البيئي البحري، مثل أسماك القرش والهامور، قد تم الإفراط في صيدها، وهو ما يتطلب إدارة أقوى للمصايد، جنبًا إلى جنب مع تطوير الاستزراع السمكي في البحر الأحمر، وهو الجهد الذي تقوده وزارة البيئة والمياه والزراعة (MEWA).
إلى حد كبير، ما زال التلوث يمثِّل خطرًا. وبينما انخفضت الانسكابات النفطية عالميًا بمقدار 10 أضعاف بسبب التشريعات التي تفرض استخدام ناقلات مزدوجة البدن، ما زال الجزء الجنوبي من البحر الأحمر يمثِّل بؤرة ساخنة لمخاطر الانسكابات النفطية الناجمة عن الحروب، كما يتضح من حريق الناقلة النفطية “سونيون” وتلوثها بسبب هجوم حربي.

الانسكابات النفطية الناجمة عن الحروب ليست جديدة على المملكة، التي تأثرت بإطلاق النفط المتعمد خلال حرب العراق، وهي تمثِّل عملًا من أعمال الإرهاب البيئي، حيث لا يستفيد أحد وكلنا معرضون للخطر من مثل هذه الحوادث.
كانت هناك فجوات كبيرة في المعرفة العلمية، خاصة في البحر الأحمر، على الرغم من مساهمات كاوست وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالعزيز وكثير من المنظمات الأخرى. هذه الفجوات هي ما حالت دون وضع خطة علمية واضحة. لذلك، قاد المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية رحلة عقد البحر الأحمر الاستكشافية، حيث عملتُ منسقًا علميًا للرحلة، وأُجريت خلال خمسة أشهر في البحر في عام 2022، الكثير من الأعمال، من بينها مسح المنطقة الاقتصادية الخالصة للمملكة بالكامل لتقديم أساس لصحة النظام البيئي والتنوع الأحيائي، من الميكروبات إلى الحيتان الكبيرة، في البحر الأحمر، وهو ما أسهم في كثير من الاكتشافات المهمة.
ويخطط المركز الآن لرحلة استكشافية مماثلة في المياه السعودية في الخليج العربي. وسوف يكون التعاون الوثيق بين المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية والمؤسسات الأكاديمية بالفعل أساسيًا لتحقيق أهداف التنوع الأحيائي.
الحكومة السعودية وضعت استراتيجية متقدمة وشاملة لتحقيق إدارة البيئة والتنوع الأحيائي في المملكة. وتم إنشاء مؤسسات متعددة، تديرها مجالس إدارات تضمن تمثيلًا متبادلًا لتمكين التنسيق. وتكمل هذه الاستراتيجية المحلية جهودًا دبلوماسية إقليمية وعالمية.
وبصفتي أجنبيًا خصَّص عقدًا من حياته المهنية للعمل في المملكة العربية السعودية، فإنني أحتفل بالدور المتزايد للمملكة كقائد عالمي في مجال البيئة والتنوع البيولوجي، مدفوعًا – ليس بدور مفروض ذاتيًا – بل بقوة الأعمال والنتائج.
ويتطلب تحقيق أهداف التنوع الأحيائي للمياه البحرية السعودية تضافر جميع الجهود، والتزام وإسهام القطاع الخاص والمجتمع ككل. وفي هذا الإطار، تأسست Wave.global على يد صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر آل سعود؛ لتكون منصة لتحفيز المجتمع بهدف تحقيق “جيل المحيط في جيل واحد من البشر”. وسيكون هذا التحرك، الذي يمتد على نطاق عالمي، ضروريًا لدعم الجهود الحكومية والعلمية لضمان تحسين وتقدير المياه السعودية كأصل للمملكة، ليس فقط لرؤية 2030، ولكن لأجيال عديدة من المواطنين السعوديين في المستقبل.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد