- ظهرت بوادر تناقصه في عام 2009.. وبدأ التحرك عبر سلسلة برامج إكثار
- كائنٌ عنيد يجفل من الجلبة.. ويتجنّب الملوحة الزائدة
- تعاون خليجي لتنظيم صيده ورصد كمياته وتأمين مخزونه في المصايد والأسواق
لم ينل نوعٌ من الأسماك في الخليج العربي مثل ما ناله سمك السبيطي، الذي كُرِّست جهود كبيرة للمحافظة عليه وحمايته، بل والسعي إلى الإكثار منه. وأظهرت دول مجلس التعاون الخليجي عناية خاصة بهذا النوع من الأسماك، فاهتمت به في جميع أطواره ومراحله بدءًا من يرقاته الهائمة، وانتهاءً بالزريعات أو الصبيعات لإطلاقه في البحر أو في الأقفاص العائمة.
جعفر البحراني
الخطر
ظهرت مؤشرات انقراض سمك السبيطي في المياه الإقليمية السعودية في الخليج العربي غرة عام 2009، عندما بدأ ظهرت بوادر تناقص في مخزون السمك الذي يقبل عليه الناس بشراهة، ويحرصون على وجوده في موائدهم. حتى إنهم أطلقوا عليه وصف «شيخ الأسماك»، لاكتناز لحمه، وغناه بالأوميجا 3 والبوتاسيوم.
حيوان ذكي
يصف الصيادون سمك السبيطي بأنه من أذكى أنواع الأسماك بعد الدلافين، لأنه يفرض عليهم نمطًا سلوكيًا أثناء الصيد، ويحتاج صيده إلى صبر وصمت وهدوء، ذلك أن أي صوت أو حركة يمكن أن تخيفه فيجفل ويسبح هاربًا بشكل سريع.
وإذا كان قد فرض على صائديه هذا النمط من السلوك، فهو أيضًا يفرض على المشتغلين بمشاريع استزراعه في الأحواض العائمة نمطًا خاصًا أثناء تغذيته والتعامل معه، فهو مشهور بالقفز لارتفاع يصل إلى نحو مترين، عندما يشعر بالضغط أو محاولة صيد أو أثناء سماعة لأصوات مثيرة.
ولهذا، يحرص المشتغلون بمشاريع الاستزراع في الأحواض العائمة على أن تكون الأحواض ذات إطارات مرتفعة بأكثر من مترين من سطح الماء لتفادي مشكلات القفز. كما يحرصون على الهدوء وعدم إحداث أي جلبة أثناء إطعامه، تجنّبًا لاستثارته.
خصائص
يُعرف السبيطي أو الصبيطي (Sparidentex hasta) أو (Sobaity seabream) بأسماء عديدة حول العالم أبرزها وأكثرها شيوعًا السبيطي، والدنيس، والداتي، والنوار. وهو من الأسماك شعاعية الزعانف، ينتمي إلى الفصيلة الأسبورية (Sparidae) ذات الحراشـف. جسمه أسطواني مضغوط، ورأسه كبير، تبرز منه عينان كبيرتان، مع فم مائل نسبيًا، ولديه أسنان مخروطية الشكل. أمَّا لونه، ففضي يميل إلى الرمادي، بينما يميل ظهره إلى اللون الأزرق الفاتح. وتنتشر على جسمه خطوط طولية وعرضية سوداء.
ويقدِّر الاختصاصيون أفضل درجة حرارة لنمو هذا السمك عند 29 درجة مئوية، ويصل وزنه إلى كيلو جرام خلال 14 شهرًا، ويُراوح طـوله بين 40 و70 سم، ووزنه بين 750 جرامًا و9 كيلوجرامات، وغالبًا ما يفضل الناس الحجم المنتج بين 750 جرامًا و1.5 كيلو جرام.
موائل
يعيش سمك السبيطي في مياه البحر قليلة الملوحة، وفي المياه القاعية، كسواحل المناطق الغربية للمحيط الهندي، وسواحل الخليج العربي، وسواحل الهند، ويسبح في نطاق عمق يُراوح بين 1 و50 مترًا، ويظهر في المياه الاستوائيّة، وفي الأماكن الرملية والطينية والصخرية، ويكثـر في الخلجـان المائيـة وعلـى أطـراف السـواحل، ويتغـذى علـى السـرطانات والأســماك الصغيــرة والقشــريات والديدان، وينتقل بين فصلي الصيف والشتاء من مكان إلى آخر بحثًا عن الغذاء، ويتميز بكونه من الأسماك التي يُمكنها تحويل جنسها.
تناقص
برز التناقص بوضوح لسمك السبيطي المصيد من مياه الخليج العربي والمعروض في السوق السعودي منذ عام 2014، الذي سجَّل كمية عرض بلغت 134 طنًا، ثم أخذت كميات عرض الإنتاج المصيد تتهاوى وتنحدر في الأعوام التالية وبشكل متذبذب وملحوظ. واحتدّ النقص أكثر في عام 2015، حيث وصلت الكميات المعروضة منه 88 طنًا فقط، ثم هبطت الكميات المعروضة إلى 66 طنًا في عام 2017.
غير أن هناك تحسنًا ظهر في عام 2018، وسجلت كمياته المعروضة 150 طنًا. ثم عاد المعدل فهوى إلى 61 طنًا في عام 2019، وأخذت الكميات في التناقص حتى وصل المعروض منه في السوق السعودي 8 أطنان فقط في عام 2023.
أسباب
ويعزو مراقبون تناقص أعداد سمك السبيطي في مياه الخليج العربي لأسباب مختلفة من بينها تلوث مياه الخليج، وتغير درجات الحرارة، وقلة الموائل العشبية، والصيد الجائر. وقد أدى النقص في مخزون هذا السمك في الخليج العربي إلى العمل على تنفيذ مجموعة من البرامج لإعادة التوازن، وسد النقص في الأسواق.
جهود
عملت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون على مجموعة من برامج إعادة التوازن وسد نقص المخزون، والعجز في السوق لهذا الصنف من الأسماك. ومن بين البرامج التي بدأت بها، وضع أنظمة وقوانين لتنظيم عمليات الصيد، وجمع يرقات هذا السمك للعناية بها، ثم إطلاقها في البحر بعد التفريخ، إلى جانب استزراعها في الأقفاص العائمة.
وقد دخل السبيطي برنامج الاستزراع في الأحواض العائمة عام 2019، ضمن خطوات المملكة لتطوير قطاع الثروة السمكية، والاستثمار في الاستزراع السمكي، وتعزيز الأمن الغذائي، وتوفير الأسماك ذات الجودة العالية، التي تشهد طلبًا كبيرًا ومتزايدًا في السوق السعودي والخليجي.
خبرة المملكة في الاسـتزراع السـمكي قديمة. إذ بدأت في عام 1982، من خلال اسـتزراع اسمـاك البلطـي في المياه العذبـة، ثم أضافت الروبيان البحـري ضمن برامج الاستزراع، وبعد ذلك استزرعت أسماك البرمندي والهامور والكوفر الأوروبي والسـبيطي.
وضع خليجي
وكانت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي تتبارى في إنتاج المصيد من سمك السبيطي ورفده في السوق الخليجي خلال الفترة من 2007 إلى 2017، فتصدَّرت دولة الإمارات الإنتاج خلال عامي 2007 و2008، تلاها تصدُّر المملكة خلال أربعة أعوام من 2010 إلى 2013، ثم تصدرت مملكة البحرين في عام 2014، تلتها دولة الكويت خلال عامي 2016 – 2017.
بعد ذلك أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر دول مجلس التعاون إنتاجًا للأسماك بسبب مشاريع الاستزراع السمكي الواسعة، وبلغت حصتها في السوق الخليجي نسبة 92 % من إجمالي إنتاج دول مجلس التعاون، التي بلغ متوسط إنتاجها 2387 طنًا خلال 11 سنة للفترة من 2007 إلى 2017.
وكانت الكميات 191 طنًا في عام 2007، ثم انخفضت الكمية إلى 141 طنًا في عام 2008.
وفي عام 2009 توقف الإنتاج، في حين بلغ الإنتاج ذروته في عام 2010 عندما وصل متوسط إنتاجه 540 طنًا، ثم تراجع في عام 2011 إلى 500 طن، وبقي ثابتًا حتى عام 2013.
ثم تراجع مرة أخرى في عام 2014. وفي عام 2015، لم يكن هناك أي إنتاج. لكن في 2016 سجل الإنتاج طنًا واحدًا، ثم قفز إلى 11 طنًا في عام 2017، في الأسواق الخليجية، ولا يشمل ذلك السوق السعودي.
وفي عام 2017 نفسه، بلغ إجمالي إنتاج سمك السبيطي المستزرع في المملكة والمعروض في السوق 1000 طن، وسجل الإنتاج المستزرع ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2018، وصل إلى 1080 طنًا. ولا تزال المملكة في صدارة الدول المنتجة لسمك السبيطي المستزرع في الأحواض العائمة في البحر الأحمر.
خيال شاعر.. منطوح
قبائل العرب ضدّ.. سمكة!…
عدنان العوامي
داحس والغبراء حربٌ شبّ أوارها بسبب سباق بين الحصان «داحس» والفرس «الغبراء». والبسوس حربٌ أخرى نشبت بين قبيلة تغلب وأحلافها ضد قبيلة شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل، من أجل «سراب» ناقة «البسوس بنت منقذ التميمية».
فإذا كانت مثل تلك الحروب تنشب، نجدةً واستغاثة لأجل حصان أُهينَ أو ناقةٍ طُعنت، فما الظنّ بالشاعر جعفر
الخطي المُعتدى عليه، لا من «ذي الرمحين» عمرو بن المغيرة المخزومي، فارس قريش، ولا من ربيعة بن مكدم الكناني صاحب الفرس «اللطيم»، وإنما من سمكةٍ ما زال يباع الكيلو منها إلى اليوم بعشرات الريالات؟!
يا للعار ويا للشنار! أليس من حقه أن يجأر بالاستغاثة مطالبًا قبائل العرب للأخذ بالثأر له من سمكة من نوع الـ«سبيطي»؟!..
حادث.. بحري!
الشاعر هو أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد بن حسن الخَطّي البحراني العَبيدي، وهو من شعراء القرن السابع عشر الميلادي، وتحديدًا عاش بين عامي 980 و1028هـ. وملخّص قصته أنه عبر البحر في أرخبيل جزيرة أوال (مملكة البحرين حاليًا)، في قاربٍ عائدًا من قرية «كتكان توبلي» إلى منزله في قريته المعروفة حاليًا بـ»أبو بهام».
إنها رحلة معتادة من يوميات الناس في الأرخبيل العربيّ، لكنّها كانت على غير ذلك في يوم الشاعر الملقّب بـ»أبي البحر». أثناء سير القارب الصغير «طفَرتْ» سمكة صُلبة من تحت الماء إلى وجه الشاعر.. مباشرة.. وفي لُحيظات مختزلة من عمر الزمن.. هنا أطبقت السماوات على الشاعر.. وظهرت كواكب الظهر.. ونزف دمه مثل هديٍ بين يدي ذابح!
خيال الشاعر «المنطوح» لم يُمرر ما أصابه بوصفه حادثًا عرضيًا، بل تعقّد الأمر في كبريائه، واعتداده، وحسّ الانتقام الصاخب.
أعدّ «أبو البحر» قصيدة مطولة قوامها 53 بيتًا، لا ليصف ما حدث فحسب، بل وإخبار أسلافه من أبناء شنّ بن أفصى من قبيلة عبدالقيس بما جرى له، ومعهم الحيّان بكر وتغلب.. كلّ هذا ساقه مطالبًا بالنهضة من أجله:
برغم العَوالي والمُهندةِ البُتْر
دماء أراقتها سُبَيْطِيَّةُ البحر
ألا قد جنى بحرُ «البلاد» و «توبلي»
عليّ بما ضاقت به ساحةُ البرِّ
فويلُ بني شنِّ بن أفصى، وما الذي
رمتهم به أيدي الحوادثِ من وِتْر
دمٌ لم يُرَقْ من عهد نوحٍ، ولا جرى
على حدِّ نابٍ للعدوِّ ولا ظفر
تحامتْه أطرافُ القنا وتعرَّضت
له الحوتُ يا بئسَ الحوادث والدهرِ!
ثم تتسع دائرة القبائل من عبدالقيس إلى:
ألا أبلغ الحيينِ بكرًا وتغلبًا
فما الغوثُ إلا عند تغلبَ أو بكرِ
أيُرضيكما أنَّ امْرَأ من بنيكما
وأيُّ امرئٍ للخير يُدعى وللشر
يُراق على غير الظّبي دمُ وجههِ
ويجري على غير المُثقّفةِ السُّمرِ
ما الذي حدث يا أبا البحر؟!
تلجّجتُ خورَ القريتين مشمرًا
وشبلي معي والماء في أوَّل الجزرِ
فما هو إلا أن فُجئت بطافرٍ
من الحوت في وجهيْ ولا ضربة الفهر
لقد شقّ يُمنى وجنتيّ بنطحةٍ
وقعتُ لها داميْ المُحيا على قُطر
ومن أثر الضربة:
فخيّل لي أنّ السماوات أطبقت
عليَّ وأبصرتُ الكواكب في الظهرِ
وقمت كَهَدْيٍ نَدَّ من يدِ ذابحٍ
وقد بلغت سكينُه ثغرة النحرِ
يُطوِّحني نزف الدماء كأنني
نَزِيْفُ طُلًا مالت به نشوة الخمر
حسب تصوير الشاعر، فإنها إصابة دامية وعميقة، تسبّبت في ترك «علامة» تضارع «عاهةً مستديمة» بلغة عصرنا.
والمُحزن – عند أبي البحر – أنها ليست إصابة في معركة تدلّ مواجهة شجاعة في الكرّ، بل من سمكةٍ في البحر فحسب:
فمن لامرئ لا يلبس الوشيَ قد غدا
وراح موشَّى الجيب بالنُّقَطِ الحُمْر
ووافيتُ بيتي ما رآني امرؤ ولم
يقل أوَ هذا جاءَ من مُلتقى الكر؟
فها هو قد ألقى بوجهي علامةً
كما اعترضت بالطِّرْسِ إعرابه الكَسْر
ضربة مؤذية تفوق ضربة السيف والرمح..
وقل بعد هذا للسبيطية افخري
على سائر الشجعان بالفتكة البكر
وقل للظُبى: فيئي إليك عن الطُلى
وللسمر لا تُهزَزْن يومًا إلى صدر
فلو همَّ غير الحوت بي لتواثبت
رجال يخوضون الحِمام إلى نصري