[issue-single-data]

الغطاء النباتي والتنوع الأحيائي..تحديات وفرص

الغطاء النباتي والتنوع الأحيائي..تحديات وفرص

د. خالد بن عبدالله العبد القادر
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر


يعدُّ الغطاء النباتي في المملكة العربية السعودية ثروة طبيعية مهمة جدًّا ذات فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية كثيرة جدًّا، حيث يؤدي دورًا حيويًّا رئيسًا في الحفاظ على التوازن الطبيعي والاستقرار البيئي، كما أنه يساعد في حماية المياه السطحية، واستقرار المنحدرات، وتحسين خصائص التربة، والتقليل من انجرافها وتآكلها، ويُسهم في اعتدال الطقس وتلطيف الأجواء وتنقيتها من الملوثات وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، والتخفيف من آثار التغير المناخي، ويعمل أيضًا على تخفيف حدة التصحر وحركة الكثبان الرملية والعواصف الغبارية وزيادة فرص سقوط الأمطار، ويوفر موطنًا مثاليًّا للحيوانات البرية ويعزز التنوع الأحيائي. فضلاً عن أن الغطاء النباتي يمد الإنسان بالكثير من الاحتياجات الأساسية مثل: الطعام والملابس والوقود

والمأوى والأدوية، ويعدُّ عنصرًا رئيسًا في تنشيط برامج السياحة البيئية، وتحسين نمط معيشة الفرد والأسرة والمجتمع، ورفع مستوى جودة الحياة.
وتضم بيئة المملكة العربية السعودية واحدة من أفضل المجموعات النباتية تنوعًا في إقليم الشرق الأوسط، وبها عدد ليس بالقليل من النباتات المتوطنة. ووفقًا لبعض التقديرات، فإنه يوجد نحو 2300 نوع نباتي في فلورا المملكة العربية السعودية، تتضمن نحو 100 نوع من الأشجار، و340 نوعًا من الشجيرات، وأكثر من 1.600 نوع من الأعشاب الحولية والمعمرة.
ولكن الغطاء النباتي في المملكة تعرّض خلال العقود الماضية لعدد من الضغوط والممارسات الجائرة، يأتي في مقدمتها النمو الكبير في أعداد حيوانات الرعي، التي تشير بعض التقديرات إلى أنها بلغت نحو 28 مليون رأس، منها مليونا رأس من الإبل، ونحو 26 مليون رأس من الماشية، التي ترعى بنظام الرعي المفتوح والمستمر، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى الرعي الجائر للأشجار والشجيرات، وأدى هذا بدوره إلى تدهور إنتاجية الأراضي، وانخفضت التغطية النباتية للأنواع المهمة والمرغوبة، وتكاثرت الأنواع غير المرغوبة كالحرمل والعشر والسيكران، بالإضافة إلى ممارسات الاحتطاب الجائر التي كانت سائدة نتيجة للطلب المحلي المتزايد للحطب، والتمدد العمراني والسياحي على حساب أراضي الغابات والمراعي والسواحل، والأنشطة التعدينية والصناعية والزراعية غير المنضبطة بالضوابط البيئية، وعوامل أخرى مثل: دورات الجفاف، والتغير المناخي، ودخول واجتياح بعض الأنواع النباتية الغازية. وتشير بعض التقديرات إلى أن الغطاء النباتي في المملكة تدهور بنسب حادة لا تقل عن 70% على وجه العموم، وربَّما وصل هذا التدهور إلى نسب أكبر بكثير تصل إلى درجة التصحُّر في العديد من المواقع، مقارنة بما كان عليه الوضع في الماضي قبل نحو 60 أو 70 سنة وما قبلها.
وقد سعت المملكة العربية السعودية إلى النهوض بالشأن البيئي، وكان من مستهدفات رؤية 2030 الحفاظ على أنظمتنا البيئية، من خلال العمل على عدة مشاريع رئيسة تهدف إلى وضع استراتيجيات ومبادرات لمنع تضرر الأنظمة البيئية، وأنشأت الأجهزة الرقابية والتنفيذية، التي تعمل على حماية البيئة، وإعادة تأهيل المواقع المتضررة. واستجابةً لتلك المستهدفات الطموحة، تتواصل جهود المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحُّر في سبيل

تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وتنفيذ العديد من المبادرات التي تهدف إلى زراعة المليارات من الأشجار، واستعادة ملايين الهكتارات من الأراضي المتدهورة، والمساهمة في المبادرات العالمية الداعمة لمكافحة التصحُّر، واستعادة التنوع الأحيائي، وتوفير حلول قائمة على الطبيعة لاحتجاز الكربون ومكافحة تغير المناخ، مع الحفاظ على النظم الإيكولوجية للأنواع المحلية المهددة بالانقراض.
وفي سبيل المحافظة على الغطاء النباتي الذي يعدُّ أساسًا للتنوع الأحيائي، إذ يؤدي دورًا جوهريًا في الحفاظ على توازن النظم البيئية، يُشرف المركز منذ إطلاقه بقرار من مجلس الوزراء رقم (417) لعام 1440هـ، على إدارة أراضي المراعي والغابات والمتنزهات الوطنية واستثمارها، والمحافظة على الموارد الوراثية النباتية والغطاء النباتي خارج المناطق المحمية في المملكة بجميع بيئاته، ومكافحة التصحُّر.
ويعمل المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحُّر، جنبًا إلى جنب، مع نظيره المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على تعزيز التنوع الأحيائي الفطري في المملكة بشقيه النباتي والحيواني، وذلك عبر عدد من الاستراتيجيات، وأهمها الحماية والإنقاذ والتنمية؛ حيث يقصد بالحماية القيام بالإجراءات التي تمنع من الإضرار بالبيئات الطبيعية والتنوع الأحيائي، بما في ذلك إقامة المناطق المحمية للحياة الفطرية، ومنع الصيد والرعي الجائرين فيها، وحماية الأشجار الغابية أو المعمرة أو التي تكون هدفًا للاحتطاب الجائر.
إضافة إلى إصدار التقارير الدورية، والقوائم الحمراء الخاصة بحالة التنوع الأحيائي، والأنواع النادرة والمهددة بالانقراض والأنواع الغازية الضارة. أمَّا الإنقاذ، فيُقصد به إجراءات إنقاذ الكائنات الفطرية النادرة أو المهددة بالانقراض؛ بهدف إكثارها في الأسر وإعادة إطلاقها في بيئاتها الطبيعية. وينطبق الأمر كذلك على إعادة استزراع الأنواع النباتية النادرة والمهددة بالانقراض في مواطنها الأصلية. وأمَّا التنمية فهي جملة الإجراءات التي تعزز فرص زيادة أعداد الكائنات الفطرية وتنوعها، عبر برامج الإطلاق العديدة للكائنات، التي تتم في المحميات الفطرية، وفي المتنزهات الوطنية والمناطق الغابية، إضافة إلى زيادة رقعة الغطاء النباتي في تلك المواقع وغيرها، مما يسهم في توفير الملجأ والغذاء الكافي. كل هذه الاستراتيجيات يعمل عليها المركزان بالتآزر، مما يسهم في تحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء.

إن المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي يعمل بخطى حثيثة مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وباقي الشركاء من القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية المعنية بتنفيذ المبادرات والمشاريع التي تعمل بشكلٍ مباشر لتحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء فيما يخص استزراع 10 مليارات شجرة، وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار، وهو ما سيسهم في توفير موائل للكائنات الحية في أراضي الغطاء النباتي، عن طريق استعادة استصلاح الأراضي، وحماية وتنمية الغابات واستدامتها، والإدارة المستدامة للمراعي والمتنزهات الوطنية، وإعادة تأهيل الغطاء النباتي والتشجير، وهو ما يسهم في تحقيق التوازن البيئي، وكذلك الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، لا سيما الهدف الـ(13) الخاص بالعمل المناخي، والهدف الـ(15) الخاص بالحياة على الأرض.
في هذا الإطار، رسّخ المركز لتعاون وثيق مع مختلف أطراف المنظومة البيئية على المستويات المحلية والعالمية؛ بهدف تبادل الخبرات والمساهمة الفعالة في معالجة التحديات البيئية، وقد تكللت تلك الجهود بتوقيع العديد من مذكرات التفاهم خلال فعاليات مؤتمر COP16 في الرياض، الذي أرسى قاعدة مهمة للتعاون الدولي، وحشد الدعم المالي والتقني لتنفيذ مشاريع استعادة الأراضي المتدهورة وحماية التنوع الأحيائي. كما انبثقت عن المؤتمر العديد من المبادرات التي من شأنها إعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض وإكثارها، نحو مستقبل أكثر اتزانًا لنا ولأجيالنا. وتتواصل جهود التعاون مع الجهات المعنية محليًّا، حيث مثّل التعاون المُنجز مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية نتائج مثمرة على صعيد تحقيق التوازن البيئي، وتنمية الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الأحيائي، والعمل معًا لتطوير مواقع الرعي ودراسات الحمولة الرعوية داخل المناطق المحمية، وتوحيد الجهود في المشاريع البحثية، والتعاون في تنظيم وإقامة الحملات التوعوية بأهمية التشجير، بما يتواكب مع أهداف مبادرة السعودية الخضراء.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد