[issue-single-data]

مرجان الخليج.. أصلب وأقوى من الحُمّى

مرجان الخليج.. أصلب وأقوى من الحُمّى

جعفر البحراني
على مستوى كوكب الأرض، لا يوجد نوع من الشعب المرجانية يقاوم حرارة 36 درجة مئوية، إلا شعاب الخليج العربي. إنه واقع حيّر الباحثين والدارسين، ودعا علماء الأحياء البحرية إلى البحث والتقصي لدراسة هذا الكائن الذي اتصف بقدرات لم يتصف بها أي مرجان آخر حول العالم.

السر يعود إلى جينات هذا النوع من المرجان والطحالب التي تتعايش معها في منطقة الخليج العربي، وقدرتها على التكيف وتحمل درجات حرارة عالية. وقد توصلت دراسة قام بها فريق علمي من جامعة نيويورك أبوظبي قادها الدكتور إدوارد سميث، إلى أن تكيف الشعب المرجانية والطحالب التي تتعايش معها في الخليج العربي هو تكيف جيني، وأن هذا النوع من المرجان والطحالب التي تتعايش معه هي الأكثر مقاومة للإجهاد الحراري على كوكب الأرض.
أصل الحكاية
مياه الخليج العربي ضحلة في الغالب، قياسًا بالبحر الأحمر والبحار الأخرى، ويمكن مشاهدة الشعب المرجانية حتى لو في رحلة قارب صغير. وفي سبتمبر الماضي، شاركت “مجلة الحياة الفطرية” فريقًا علميًا من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية رحلة بحرية في الخليج، ووصلت الرحلة إلى جزيرة “جنا” في الجبيل.
في الرحلة ظهرت الشعب المرجانية منتشرة حول الجزيرة على مساحات كبيرة في مياه ضحلة نسبيًا، وشاهدها الفريق من متن القارب وكأنها صخور متناثرة تحت الماء.
ولم تكن الشعب المرجانية المحيطة بجزيرة “جنا” نوعًا واحدًا، بل هي أنواع مختلفة من الشعب المرجانية، التي تنتشر في مختلف مياه الخليج العربي، مُشكّلة مستعمرات مختلفة الأحجام، منها الصغيرة، والصغير جدًا، ومتوسط الحجم، والكبيرة التي تمتد إلى عشرات ومئات الأمتار. فالشعب المرجانية يعتمد حجمها على نوع المرجان، ذلك أن الجنس الواحد تنتمي إليه أنواع مختلفة من المرجان.
المياه الإقليمية
على الرغم من كثرة الشعب المرجانية المنتشرة حول جزيرة “جنا”، فإن الاختصاصيين يعدون الشعب المرجانية في مياه الخليج العربي قليلة مقارنة بالشعب المرجانية الموجودة في مياه البحر الأحمر.
في المياه العالمية جرى تسجيل 845 نوعًا من الشعب المرجانية، ينتمي إلى 72 جنسًا من المرجان، بينها 40 نوعًا من المرجان الرخو، وهناك البقية من الشعب الصلبة، منها نحو 350 نوعًا في المياه الإقليمية السعودية، بينما يصل تعداد أنواع المرجان في الخليج العربي إلى 77 نوعًا ينتمي إلى 30 جنسًا من المرجان، منها 60 نوعًا في المياه الإقليمية السعودية.
ويعزو الاختصاصيون قلة الشعب المرجانية في مياه الخليج العربي، إلى ارتفاع معدل ملوحة مياه البحر، وارتفاع معدل درجات حرارة المياه، ووجود رسوبيات عالية نتيجة ضحالة الخليج العربي. ولهذا، فالمرجان الذي ينتشر فيه مقاوم لهذه الظروف ولديه قدرة عالية على التكيف والتأقلم معها.

ظاهرة ابيضاض الشعب المرجانية
اللون الأساسي للمرجان هو اللون الأبيض، لكنه عندما يرتبط بعلاقة تكافلية مع الطحالب (Dinoflagellate) فإنه يكتسب لونها، حيث تقوم هذه الطحالب بتوفير الكربوهيدرات للمرجان من خلال عملية التمثيل الضوئي، مما يسمح للمرجان بالنمو وبناء الهيكل من كربونات الكالسيوم، وفي المقابل يقوم المرجان بتوفير المغذيات والحماية لهذه الكائنات ويسمح لها بالعيش داخل أنسجته مما يجعل لون المرجان بلون الطحالب، وهذا سر بقاء المرجان حيًا وسر تلونه كذلك.
هذه الطحالب تُسمى علميًا (zooxanthellae) وهي كائنات صغيرة الحجم أحادية الخلية، وعندما ترتفع درجات الحرارة يُصاب هذا الكائن بالإجهاد الحراري، مما يسهم في انهيار العلاقة التكافلية بين المرجان والطحالب، سواء من خلال طرد المرجان للطحالب أو من خلال تحلل الصبغيات الموجودة في الطحالب، وهو ما يجعل هيكل المرجان المبني من كربونات الكالسيوم مرئيًا من خلال الأنسجة الشفافة ويجعل المرجان يبدو أبيض ساطعًا.
ويمكن للشعاب المرجانية في هذه الحالة أن تبقى على قيد الحياة لعدة أيام أو أشهر دون أي علاقة تكافلية، لكن قدرتها على البقاء حية تعتمد على مستوى ونوع الإجهاد وحساسية المرجان، وإذا استمرت الضغوط والإجهاد الحراري، فإن المرجان يتضور جوعًا ويموت.
وظاهرة الإبيضاض ليست حكرًا على المرجان، بل تحدث لكائنات أخرى تحتضن الطحالب في أنسجتها مثل الإسفنج وشقائق النعمان والمحار العملاق والمنخربات أو حاملة الثقوب.

الأهمية
الشعب المرجانية كائنات لافقارية، تحتل مساحة 1% من مساحة البحار والمحيطات حول العالم، لكنها تستمد أهميتها من كونها واحدة من أكثر النظم البيئية تنوعًا. فهي تُشكِّل مصدرًا مهمًّا للنيتروجين، وتقوم بامتصاص وتخزين الملوثات والكربون، وتُنظم مستوياته في المياه، وهو ما يوفر بيئة للكائنات الحية لتنمو وتزدهر.
وتقوم الشعب المرجانية أيضًا بإعادة تدوير المواد والعناصر المغذية من فضلات الكائنات البحرية، مما يُولِّد حياة جديدة، ويدعم عملية استدامة النظام البيئي للشعاب المرجانية، ويُشكِّل بيئة حيوية لعدد كبير من الكائنات البحرية التي تؤدي دورًا مهمًا في دعم مراعي الأسماك، ويجعلها محورًا أساسيًا في جهود صون الحياة البحرية إجمالًا لتوفيرها نظامًا بيئيًا متكاملًا لقرابة 25% من الأحياء البحرية، ودعمها لسلاسل الأغذية البحرية بأسرها، وتوفيرها 20% من الاحتياجات البشرية من البروتين.
تهديدات
جميع فصائل الشعب المرجانية وأنواعها عرضة للتهديدات، خاصة أثناء موجات الحرارة الطويلة التي تؤدي إلى انهيار العلاقة التكافلية بين بعض أنواع المرجان وبين الطحالب. كما تشمل التهديدات تحمُّض البحار والمحيطات، والتلوث بمختلف أنواعه بسبب الأنشطة البشرية المضرة بالبيئة البحرية، فضلًا عن مشاريع التنمية الساحلية والصيد الجائر الذي يتسبب في تدمير الموائل.
وقد أدرج الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) مجموعة من الفصائل على القائمة الحمراء، وفصائل أخرى بأنها مهددة بالانقراض، وأخرى على أنها مهددة بشكل حرج. وتركز جهود الحفاظ على الشعب المرجانية على إنشاء مناطق محمية، ومشاريع ترميم واستعادة، ورصد مستمر، وتعزيز الصيد المستدام.
المرجان المقاوم
الشعب المرجانية في الخليج العربي من المرجان الصلب الذي ينمو على شكل كتل صخرية، لكن هذه الكتل في الحقيقة ما هي إلا كائنات صغيرة نابضة بالحياة، تُدعى “سلائل المرجان” وهي عبارة عن جسم دائري يعلوه فم محاط بحلقة من المجسات شبيه بالأزهار الصغيرة. وينمو هذا الحيوان على شكل كتل صغيرة جدًا من كربونات الكالسيوم، التي لا يتعدى نموها السنوي 3 سم، لكنها مع مرور السنين، وبسبب التراكم، تصبح كتلًا مرجانية ضخمة.
هذا الكائن الموجود في الخليج العربي والطحلب الذي يتبادل معه المنافع يتميزان عن أقرانهما من الجنس نفسه في البحار والمحيطات حول العالم بأنهما مقاومان لارتفاع درجات حرارة مياه البحر، وارتفاع معدل ملوحتها، وكذلك ارتفاع مستوى الرسوبيات فيها.

ولقد أثارت مقاومة هذا النوع من المرجان اهتمام علماء الأحياء البحرية المختصين في الشعب المرجانية، نظرًا لما وجدوه من تكيُّف عالٍ واستعداد للنمو في وسط بيئي طالما شكَّل خطرًا كبيرًا على مختلف الأحياء والكائنات الحية.
أهم أجناس الخليج العربي

  1. أكروبورا (Acropora): جنس من الشعب المرجانية الصلبة، يتميز بقدرته على تحمل الإجهاد الحراري وارتفاع نسبة الملوحة، ويعد من الأجناس الشائعة في الخليج العربي، والمناطق الشمالية والوسطى من البحر الأحمر.
  2. فافيا (Favia): جنس من الشعب المرجانية الصلبة يشبه الخلايا، يعيش غالبًا في الأعماق المتوسطة وفي المياه الدافئة، ولديه قدرة على التكيف مع البيئات المتغيرة، ويتحمل درجات حرارة وملوحة مرتفعة، وهو من الأجناس الشائعة في الخليج العربي والبحر الأحمر.
  3. فافيتس (Favites): جنس من الشعب المرجانية الصلبة، يمتاز بتكوينات متعددة الخلايا تشبه المتاهات. يتكيف مع الظروف القاسية في الخليج العربي ويتحمل الملوحة العالية، وينتشر كذلك في مناطق مختلفة في البحر الأحمر.
  4. بورايتس (Porites): جنس من الشعب المرجانية الصلبة معروف بنموه البطيء وقدرته على التكيف مع البيئات المتنوعة، وتشكيل هياكل من الشعب المرجانية القوية والضخمة التي يمكن أن تدوم لعقود طويلة، يتحمل درجات الحرارة العالية ويعد من الأجناس الأساسية في بناء الشعب المرجانية في الخليج العربي والبحر الأحمر.
  5. بلاتيجيرا (Platygyra): جنس من الشعب المرجانية معروف بأنماطه الملتوية والمتداخلة الشبيهة بالمتاهات يوفر ملاذًا للأسماك الصغيرة، ويتحمل الظروف الصعبة من ارتفاع الحرارة والملوحة، ويعيش في أكثر المناطق استقرارًا في الخليج العربي والبحر الأحمر.
  6. بافونا (Pavona): جنس من الشعب المرجانية يتميز بألواح أو طبقات متشابكة، ويعدُّ من الأنواع المتينة والمقاومة للتغيرات البيئية. بعض أنواعه تتكيف مع الملوحة والحرارة، لكن وجوده ضئيل في الخليج العربي، بينما يعيش في المناطق الساحلية الضحلة في مناطق متنوعة من البحر الأحمر.
  7. جونوبورا (Goniopora): جنس من الشعب المرجانية يتميز بأذرع طويلة ناعمة تبدو كأزهار تحت الماء. وجوده ضئيل في الخليج العربي، وبالأخص في بعض المناطق المحمية، نظرًا لحساسيته للتغيرات البيئية، ويعيش بشكل جيد في مياه البحر الأحمر.

في الخليج 77 نوعًا ينتمي إلى 30 جنسًا.. وفي المياه السعودية 60 منها

أمل جديد.. ولكن
تسعى دراسة يقوم بها فريق علمي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) ويقودها البروفيسور مانويل أراندا، لمزاوجة المرجان المقاوم وتهجينه مع مرجان آخر من مختلف أنحاء العالم بغرض الحصول على سلالة جديدة تكون أكثر مقاومة للإجهاد الحراري.
ومما لا شك فيه أن التركيز على الإجهاد الحراري له جانب من الأهمية، لكنه لا يقدم حلًا لكل المشكلات التي تعانيها الشعب المرجانية؛ فقد خسرت البشرية نحو 50% من الشعب المرجانية حول العالم، بسبب الأضرار البشرية المباشرة وغير المباشرة، فالشعب المرجانية والأحياء البحرية التي تعيش في الوسط المرجاني لا يمكنها أن تقاوم تلك الأضرار، بل إن تلك الأضرار يمكن أن تقضي على الكائنات البحرية بالكامل، وليس الشعب المرجانية فحسب. إذ هناك أحياء تعيش في الوسط المرجاني تتكامل بعضها مع بعض وتمثِّل سلاسل غذائية مهمة متكاملة لكائنات بحرية أخرى، وهلاكها يعني هلاك تلك الكائنات كلها.
فالأنشطة البشرية المضرة بالبيئة البحرية المتمثلة في الملوثات بمختلف أنواعها، إلى جانب عمليات الصيد الجائر، سواء تلك التي تستنزف الكائنات البحرية، أو التي تسهم في تدمير الموائل أثناء عمليات الصيد، وكذلك الأعمال والمشاريع الخاصة بالتنمية العمرانية الساحلية وما يصاحبها من تعديات؛ كل ذلك يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تدمير الشعب المرجانية والموائل الطبيعية للأحياء البحرية المختلفة، ومن ثَمَّ يقضي على مجموعة كبيرة من الكائنات البحرية.
لذا، فإن من الأهمية وجود سياسات خاصة بالحفاظ على البيئة البحرية، وضبط الممارسات البشرية، ووضع رقابة على تطبيق تلك السياسات، والأهم هو التزام الناس بتلك السياسات دون خرقها.

ارتفاع الحرارة واحدٌ من التهديدات الجديدة بعد التلوث والتحمُّض والصيد الجائر وتنمية السواحل

أرقــــام

ينمو 3 سم في السنة.

يغطي مساحة 1% من مساحة البحار والمحيطات حول العالم.

خسرت البشرية 50% منه حول العالم.

يوفر نظامًا بيئيًا متكاملًا لقرابة 25% من الأحياء البحرية.

يقدم 20% من الاحتياجات البشرية من البروتينات.

نوع واحد في الخليج العربي فقط هو الأكثر مقاومة لمعدل مستوى الملوحة، ومعدل ارتفاع درجات الحرارة، ومعدل الرسوبيات في المياه.


المرجان في القرآن الكريم
ذُكر المرجان في القرآن الكريم مرتين في سورة الرحمن في آيتين مختلفتين هما:
1- في الحديث عن التقاء البحر العذب بالبحر المالح في قوله تعالى: “مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ”(22).
2- عند ذكر الحور العين قاصرات الطرف في قوله تعالى: “فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ”(58) .

الأحجار الكريمة
استخدم المرجان قديمًا في صناعة الحلي، باعتباره من الصخور الجيرية الصلبة، فهو يتركب من كربونات الكالسيوم. وقد صُنِّف من الأحجار الكريمة مختلفة الألوان وفقًا لاختلاف لون المرجان الذي تعددت ألوانه بين الأحمر والوردي والأبيض والأسود. ويعدُّ المرجان الأحمر الدموي من أندر الأنواع.

المرجان في فنون الأداء الصوتي
1- هناك أغنية سعودية شرقاوية مشهورة نظم عقد كلماتها في بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي جواد الشيخ ولحنها عبدالرحمن الحمد، وأطلقها صوتًا شجيًا يدغدغ العاشقين والوالهين محروس الهاجري، فجاءت كلمتها عذبة منسابة لتعبر عن عذابات الوالهين، تقول كلمات الأغنية:
”غدار أعرفك يا بحر، ضحكة أمواجك تسل سيوف، تطعن في الظهر، تغوص في خد الخليج، في شواطيك، صرخة للنهام غناها قهر، خذ يا بحر كل ماتبي، اللولو والمرجان والثوب الحرير..
كل الحلي صارت رماد، فدوة لعيون السندباد… إلخ”.
2- أحد أقدم الأناشيد المصرية تعود لستينيات القرن الماضي كتبها حسين طنطاوي، ولحنها علي إسماعيل، وغنتها فرقة الثلاثي المرح (سناء البارون، وصفاء لطفي، ووفاء مصطفى)، وكانت كلماتها:
“الله الله الله، سبحة رمضان لولي ومرجان، بتلاتة وتلاتين حباية، الله الله الله، تلاتة وتلاتين منهم تلاتين أيام رمضــان نور وهداية… إلخ”.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد