عصام الحاج
بين برزخين من الحجر الجيري من العصر الجوراسي، غربًا وشرقًا، تمتد محمية الوعول واحةً خضراء في قلب فلاة شديدة الوعورة حينًا، وسهلٍ واسعٍ من الرمال حينًا، فضلًا عن الأودية العميقة، بين جبال شاهقة تمثل امتدادًا طبيعيًا لجبل طويق الرابض بشموخ متحديًا قسوة الطبيعة.
كما تتحداها الوعول التي تتجول بحرية كبيرة بين الجلاميد والأحراش، غير مبالية بقوانين الجاذبية وعبء الوعورة في منطقة تتنوع فيها الأحياء بتنوع التضاريس، فتشكل مشهدًا بديعًا يبعث على الهدوء والسكينة، في منطقة هي الأكثر شبهًا بالمتحف الطبيعي الفريد، الذي يمتاز بالتنوع والحيوية.
التسمية والموقع
المحمية الطبيعية مُعلنة منذ عام 1988م، وحملت اسم “الوعول” إشارةً لقطيع نادر من الوعول البرية المهددة بالانقراض، فشكَّل الإعلان عن هذه المحمية إلى جانب الأنظمة والقوانين الرادعة التي وضعتها الدولة، حصنًا متينًا لحمايتها وما فيها من حيوانات وموائل طبيعية، والحفاظ على تنوعها الأحيائي وتنميته.
وهي واحدة من أهم المحميات التي يشرف عليها ويديرها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. تمتد على مساحة 1841 كم2، وتبعد عن العاصمة الرياض مسافة 120 كم، وهي ضمن النطاق الإداري لمنطقة الرياض.
تقع المحمية في وسط المملكة، إلى الجنوب من محافظة الحريق، غربي حوطة بني تميم، وتتميز بتضاريس جبلية وعرة، تُشكِّل امتدادًا طبيعيًا لسلسلة جبال طويق، التي يصل ارتفاع حوافها الغربية 1097 مترًا عن سطح البحر، وتضم مجموعة متنوعة من النظم البيئية، بما في ذلك هضاب شاهقة، وأودية عميقة تغطيها النباتات الخضراء، ومناطق رملية خلابة، مما يجعلها ملاذًا آمنًا، وموطنًا غنيًا بالحياة البرية، لكثير من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض.
تنوع بيئي
تملك المحمية نظامًا بيئيًا معقدًا، نظرًا لتنوع التضاريس، بين الجبال الشاهقة، والشعب العميقة، وهو ما أضفى عليها تنوعًا طبيعيًا للموائل، وتتميز بغطاء نباتي كثيف، وأشجار معمرة، ووفرة في موارد المياه، وقد ساهم هذا التنوع بشكل كبير في توفير موائل مثالية لكثير من الأنواع النباتية والحيوانية، وجعل المحمية ذات أهمية بيولوجية عالية، نظرًا للأنواع النادرة والمهددة بالانقراض التي تضمها المحمية، وتمثل إرثًا طبيعيًا فريدًا لا نظير له.
محمية الوعول تستقبل ولادات جديدة من ظباء الإدمي هذا الموسم
شهدت محمية الوعول ميلاد جيل جديد من ظباء الإدمي، حيث استقبلت أول مواليد هذا الموسم. وهذا يؤكد نجاح برامج الإكثار وإعادة التوطين التي تنفذها المملكة لحماية الحياة الفطرية.
كائنات لا تعترف بالجاذبية وتضاريس تتحكم في التنوع الأحيائي
تنتشر في أودية المحمية أشجار الطلح، والسمر، والسلم، والسدر، والغضى، كما تنتشر الأحراش في الأودية الصغيرة والشعب كالشجيرات، والأعشاب، والحشائش، التي تنمو بشكل جيد بعد هطول الأمطار، وتنتشر في أربعة موائل رئيسية هي السهول والوديان والسفوح والهضاب، حيث تم تسجيل أكثر من 290 نوعًا نباتيًا في المحمية.
الحيوانات في المحمية هي الأخرى متنوعة، فقد تم تسجيل أكثر من ۲۰ نوعًا من الثدييات، أبرزها الوعل الجبلي، والذئب العربي، وثعلب الجبلي، والوبر الصخري، والقط الرملي، وظبي الأدمي الذي تم إعادة توطينه في المحمية منذ عام 1990م، وقد تأقلم وتنامت أعداده بشكل طبيعي.
كما تم تسجيل عدة أنواع من القوارض، وعدة أنواع من الزواحف، التي سُجِّل منها حتى الآن أكثر من 18 نوعًا أهمها الضب، وأفعى السجاد الشرقي، وعظاءة طويق المتوطنة التي لا توجد في العالم الا في جبال طويق، وأمَّا الطيور، فقد تم تسجيل أكثر من 33 نوعًا أبرزها العقبان والنسور، وأهمها الحجل الرملي.
خطط طموحة
أسهمت المحمية منذ تأسيسها في تحقيق تنمية مستدامة، وذلك من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع، التي وصفها عبدالله بن قربع، مدير المحمية، بأنها باقة حيوية متنوعة، شملت إنشاء مراكز متخصصة في المواقع الاستراتيجية، وتوظيف كوادر وطنية مؤهلة، وإجراء دراسات بحثية بيئية معمقة، وتطبيق مجموعة من الأنظمة والقوانين التي ضمنت جودة وكفاءة عالية في إدارة المحمية.
وبحسب بن قربع، تسعى إدارة المحمية لجعل أسلوب عملها نموذجًا يُحتذى به في الأوساط العالمية في مجال الإدارة الفعالة والاحترافية للخدمات، والتركيز على تطوير السياحة البيئية المستدامة، وتعزيز الحياة الفطرية، لتحقيق ازدهار بيئي مستمر في المنطقة.
موطن لأكثر من 369 نوعًا من الأحياء الفطرية
ضمن القائمة الخضراء في كوكب يقاوم التصحُّر

في القائمة الخضراء
أعلن الاتحاد الدولي لصون الطبيعة “IUCN” إدراج محمية الوعول في القائمة الخضراء، لتصبح أول محمية سعودية تستوفي جميع الاشتراطات والمعايير والمؤشرات المطلوبة، وتنضم إلى قائمة عالمية من 77 محمية تم اختيارها بعناية من بين أكثر من 300 ألف محمية حول العالم.
ويُعد هذا الاعتراف بنجاح برامج إدارة المحمية، من قبل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة”IUCN” ، أن المحمية تُدار وفق أعلى المقاييس والممارسات والمؤشرات والاشتراطات العالمية لإدارة وحماية المناطق المحمية. فبرنامج القائمة الخضراء، مبادرة أطلقت لتحديد المناطق المحمية التي تتمتع بإدارة فعالة وعادلة للحفاظ على الطبيعة، وضمان تقديم المنفعة لأصحاب العلاقة.
وهذا الاعتراف الذي يقوم به خبراء مستقلون، يؤكد نجاح برامج إدارة المحمية، والقيم والمبادئ الأساسية التي قامت عليها، للحفاظ على التنوع بشكل فعال، وأن الأنظمة البيئية والتنوع الأحيائي فيها في تحسن مستمر، وأن الموقع قدَّم ولا يزال يقدم خدمات ومنافع للمجتمعات المستفيدة، وهو ما يسهم في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة.
كما يعكس هذا التسجيل تحقيق أعلى المعايير والاشتراطات والمقاييس والمؤشرات، التي تتضمن حوكمة واضحة وفعالة لتحقيق الشفافية والمساءلة، مع وجود منهجية للتخطيط والإدارة، تستند إلى أفضل المعارف والخبرات العلمية، وتشمل معايير التصميم والتخطيط السليم، وفهم التهديدات والتحديات التي تواجهها المحمية، واستيعاب السياق الاجتماعي والاقتصادي، والاستجابة الفعالة للتهديدات، إضافة إلى النجاح في الحفاظ على مقدرات المنطقة المحمية.
أنشطة مجتمعية
تؤدي المحميات الطبيعية دورًا حيويًا في الحفاظ على التنوع الأحيائي وحماية النظم البيئية، وتسهم في رفع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، وتعزيز قيم الاستدامة. وتسهم أيضًا في التنمية الاقتصادية، من خلال الجذب السياحي وإيرادات السياحة البيئية، حيث يستمتع الزوار والسائحون بجمال الطبيعة، وممارسة الأنشطة الترفيهية، والتعرُّف على الحياة البرية والنباتات النادرة.
وتُقدِّم المحمية تجربة استثنائية لعشاق الطبيعة والمغامرة، وتوفر مجموعة متنوعة من المسارات السياحية المصممة لتناسب مختلف الاهتمامات، حيث يمكن استكشاف جمال الطبيعة البكر في مسار سفاري شعيب، والاستمتاع بمشي هادئ وسط المناظر الخلابة وصولًا إلى مورد مائي منعش.
وخصصت المحمية لعشاق الآثار والتاريخ مسار سفاري عولان، الذي يقود إلى آبار الأجداد الغنية بالتاريخ. وللمغامرين خصصت مسار سفاري جبل المخروق، وهو خيار مميز يوفر تجربة رياضية ممتعة تنتهي بمنظر بانورامي خلاب لجبل المخروق الشهير بتجويفه الصخري الفريد.
وحقق برنامج التثقيف البيئي الذي تنظمه المحمية نجاحًا لافتًا خلال هذا العام 2024م، حيث استفاد منه 367 طالبًا، من خلال جولات سياحية لتوعيتهم بيئيًا وغرس قيم الحفاظ على البيئة في نفوسهم وتعريفهم أهمية المحمية ودورها في الحفاظ على التنوع الاحيائي.

وتم تأسيس أول مجلس استشاري لمحمية الوعول خلال عام 2024 وتكون من 16 عضوًا من أهالي المنطقة منهم ثلاث سيدات. ويهدف المجلس إلى تعزيز المشاركة المجتمعية وإشراك السكان المحليين في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمحمية، والمساعدة في تطوير استراتيجيات تضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية للمحمية بما يتماشى مع احتياجات المجتمع، والاستفادة من المعرفة المحلية.
ومنحت محمية الوعول خلال عام 2024 (41) تصريحًا للنحالين بواقع 6925 خلية، وبلغ متوسط الإنتاج المتوقع لموسم زهرة السلم والسمر قرابة 6000 كغ من العسل.
وتستقطب محمية الوعول سنويًا آلاف الزوار من خلال كثير من الأنشطة والبرامج من بينها الجولات السياحية الميدانية داخل المحمية، وبرامج التخييم، حيث يتم إصدار تصاريح خاصة وفق آلية محددة في مناطق مخصصة بعناية داخل المحمية لضمان عدم إزعاج الكائنات الفطرية.
وتستقبل المحمية يوميًا أعدادًا كبيرة من الزوار الراغبين في الاستمتاع بالطبيعة والتنزه، حيث بلغ عدد الزوار منذ بداية عام 2024م أكثر من 8 آلاف زائر، ولضمان الدخول للمحمية والاستمتاع بالجولات السياحية البيئية الطبيعية أو للتخييم، لا بدَّ من زيارة منصة “فطري” وإصدار الترخيص الخاص بالغرض المطلوب.
القط الرملي
أعلن المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في فبراير 2024م عن تسجيل جديد يُضاف إلى كنوز محمية الوعول، تمثّل في رصد القط الرملي النادر لأول مرة في محمية الوعول، وهو كائن فريد معروف بجماله وحجمه الصغير وشعره الكثيف ولونه الفاتح.
وأكد المركز أن ظهور هذا الكائن يترجم جهود الحماية والمحافظة على الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض وإعادة تأهيل النظم البيئية.
إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الوعول
أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية 20 ظبيًا من ظباء الأدمي إلى جانب نسرين أسمرين في محمية الوعول، وذلك ضمن برنامج المركز لإكثار وإعادة توطين الكائنات المحلية المهددة بالانقراض في بيئاتها الطبيعية في جميع مناطق المملكة. وشهدت عمليات إطلاق الكائنات نجاحًا باهرًا، حيث تكاثرت تلك الكائنات بشكل طبيعي، ذلك أن جميع عمليات الإطلاق لا تتم إلا وفق دراسات علمية معمقة للتأكد من ملاءمة المكان لتأقلم الكائنات فيها.
المحمية في سطور
1 -أول محمية سعودية استوفت كل المعايير والمؤشرات ضمن القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة.
2 -ضمن 77 محمية طبيعية حول العالم في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN.
3 -أُعلن عنها كمحمية طبيعية في عام 1988م.
4 -أُطلق اسم “الوعول” عليها إشارة لقطيع نادر من
الوعول مهدد بالانقراض كان يعيش فيها.
5 -تنتمي جوانب من تضاريسها للعصر الجوراسي الأوسط والأعلى.
6 -تضم مجموعة متنوعة من التضاريس والنظم البيئية.
7 -مقصد للسياح والزوار ومحبي المغامرة، وتشتمل على مجموعة من البرامج والمسارات السياحية.
8- -موطن لكثير من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض، وتشتمل على مجموعة من الكائنات الحية:
أكثر من 290 نوعًا من النباتات.
أكثر من 33 نوعًا من الطيور.
أكثر من 20 نوعًا من الثدييات.
حوالي 18 نوعًا من الزواحف.