الدكتور عبدالرحمن الهاشمي
الدكتور محمد البقمي
جامعة الملك سعود
في الثقافة العربية القديمة كانت رمزًا للأنوثة. وعند الشعراء شبيهة بالمرأة الجميلة. وفي الطبيعة، لم تكن مجرّد شجرة ذات ضخامة، بل هي أمٌّ مُغذّية وحاضنة لقائمة من الثدييات والطيور والقوارض واللافقاريات، وصولًا إلى ما تحت الأرض، حيث تأخذ وتمنح في صمت الصحراء الضاربة.
تلك هي شجرة السّرح (Maerua crassifolia) .. وما أدراك ما السّرح.. وأشجاره!
مُتكيّفة
بدويةٌ أصيلة، تمدّ بجذورها في الأغوار العميقة، وترفع هامتها نحو السماء، رأسها المعشوشب مستمرُّ الخضرة، وقدّها العريض يتطاول. تقدم الظل حينًا، والغذاء حينًا آخر، والاثنين معًا لغيرها من الكائنات.
من الأنواع الأصيلة في البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية، تمتاز بقدرتها الفائقة على التكيف في الظروف القاسية والجفاف. وعلميًا، تنتمي إلى العائلة المعروفة بـ”القبارية” (Capparaceae)، ومناطق انتشارها في شمال إفريقيا ومناطق في الشرق الأوسط. وتربتها الأكثر تفضيلًا هي الرملية والصخرية.
موائل
في المملكة، لأشجار السرح وجود في المناطق الجنوبية والغربية. وعلى نحو خاص في المناطق الجبلية والسهول. وتؤمّن غطاءً نباتيًا لأجزاء من النظام البيئي الصحراوي، بتوفيرها الظلّ والغذاء لكثير من الحيوانات.
ولجذورها ميزة العمق الشديد الذي يُمكِّنُها من امتصاص المياه، وهو ما يساعدها في بقائها على قيد الحياة طويلًا، حتى في فترات الجفاف الطويلة القاسية.
دور حيوي
يؤدي شجر السرح دورًا بيئيًا مُهمًّا في النظم البيئية الصحراوية، ويعمل حاجزًا طبيعيًا ضد تآكل التربة في المناطق الرملية والصخرية، ويُسهِم في تحسين بُنيتها من خلال تحلل الأوراق في التربة فيضيف مواد عضوية إليها.
وتعدُّ أوراقه مصدرًا غذائيًا للحيوانات العاشبة مثل: الجمال، والماعز، والظباء، والبقر الوحشي (المها).
غير أن في داخلها موطنًا غير ظاهر لعديد من الحشرات والكائنات الحية الصغيرة، وله أهمية اقتصادية في المجتمعات الريفية، التي تعتمد على الموارد الطبيعية في مناطقها، حيث يتم استخدام أجزاء مختلفة من هذا النبات في الطب الشعبي لعلاج أمراض عديدة، من بينها: الحمى، والالتهابات المختلفة، وأمراض الجهاز التنفسي، ويُستخدم حطبها مصدرًا رئيسًا لصناعة الأدوات المنزلية، ووقودًا في المناطق التي تفتقر إلى الموارد البديلة.
وفي السياق الاجتماعي، يمثّل السرح جزءًا من التراث الطبيعي والثقافي لكثير من المجتمعات المحلية؛ إذ يُحتفى به رمزًا للتحدي والقدرة على التكيف مع البيئة القاسية، ذلك أن وجوده في البراري جزء من هوية الطبيعة الصحراوية.
من شجرة واحدة قد تتكون غابة صغيرة

تحديات
يواجه نبات السرح تحدياتٍ عديدة أثرت في بقائه واستدامته وتدهوره وقلة أعداده في البيئة الطبيعة، من أهمها استغلاله المفرط مصدرًا للوقود عبر الاحتطاب الجائر. وهناك مشكلة التمدد العمراني والزراعي، التي أدت إلى تآكل وتقليص المواطن والمساحات الطبيعية التي تنتشر فيها أشجار السّرح. وهناك التغير المناخي، مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الجفاف والنباتات الغازية، وكلّ ذلك يهدد التوازن البيئي الذي يعتمد عليه السّرح للبقاء.
حلول
ولحماية نبات السّرح في بيئته الطبيعية وضمان استدامته ودوره الطبيعي والبيئي، شملت خطوات الحفاظ عليه تعزيز الوعي البيئي بأهميته كنبات في البيئة والاقتصاد، وتشجيع استخدامه بشكل مستدام، من خلال إقامة مشاريع وبرامج لها أثر في الحفاظ على المواطن الطبيعية التي ينمو فيها السَّرح، وكذلك إعادة تأهيل المناطق المتدهورة بزراعته.
اهتمام ملَكي قديم وراء تأهيل “سرحة الفيصل”
مشروع تأهيل “سرحة الفيصل” نموذجٌ رائدٌ انتهجه المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، من أجل تعزيز القيم البيئية والاجتماعية والثقافية لنبات السرح في المجتمع المحلي، وإبراز أهميته كجزء من التراث الطبيعي للمملكة، ويعكس رؤية 2030 في الحفاظ على البيئة وصون مواردها الطبيعية.
أصبحت شجرة السرح رمزًا للاهتمام الملكي بالبيئة، فكانت محل تقدير خاص لدى الملك فيصل – رحمه الله – وكانت مقيلًا له في رحلاته البرية فسميت بإسمه تكريمًا للشجرة مما يجعلها شاهدًا على التزام المملكة بحماية إرثها البيئي وتعزيز استدامته للأجيال القادمة. ويسعى المركز إلى إعادة تأهيل الموطن الطبيعي لنبات السرح، وضمان استمرارية وجوده وتعزيز دوره الحيوي في دعم التنوع والمحافظة على التوازن البيئي في المناطق الصحراوية.
إن نبات السّرح جزء لا يتجزأ من النظم البيئية الصحراوية في المملكة العربية السعودية وخارجها، ودوره البيئي والاقتصادي يجعل المحافظة عليه أمرًا هامًا وحيويًا لضمان استمرار توازن هذه النظم البيئية، وتحسين جودة الحياة للمجتمعات المحلية التي تعتمد عليه.
مغذّية للحيوانات النباتية.. حاضنة للحشرات.. مانحة للتربة
تنسجم مع الجبال والسهول.. والرمال
عن الشجرة
كثيفة الأوراق ومستمرة الخضرة.
لديها قدرة فائقة على التكيف في مختلف الظروف المناخية.
تنتشر في البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية.
تمتد جذورها إلى أكثر من 30 مترًا تحت الأرض.
تنتشر في شمال إفريقيا ومناطق الشرق الأوسط.
تنتشر في المملكة في المناطق الجبلية والسهول الجنوبية والغربية.
يصل ارتفاعها بين 3 – 9 أمتار.