[issue-single-data]

ثالوث التصحُّر البحري.. الصيد الجائر.. الدفن.. التلوث

ثالوث التصحُّر البحري.. الصيد الجائر.. الدفن.. التلوث

تعتبر البحار موائل غنية بالتنوع الأحيائي، تضم طيفًا واسعًا من الكائنات الحية، بدءًا من العوالق الدقيقة إلى الحيتان الضخمة، تغطي مياه البحر أكثر من 70% من سطح الأرض، وتوفر ملاذًا لعدد لا يُحصى من الأنواع، وكثير منها لا يزال غير مكتشف. كما يؤدي التنوع الأحيائي البحري دورًا حاسمًا في الحفاظ على صحة الكوكب من خلال دعم سلاسل الغذاء وتنظيم المناخ وتمكين الدورات الكيميائية الحيوية التي تدعم الحياة، مثل دورات الكربون والأكسجين. رغم كل ذلك، فإن التهديدات المتزايدة المتمثلة في التلوث والصيد الجائر وبناء الشواطئ، تُشكِّل خطرًا جسيمًا على التنوع الأحيائي في البحار والمحيطات، وتسهم في تسريع ما يُعرف بـ”تصحُّر البحار”. لذا، فإن حماية البحار والمحيطات بات أمرًا ضروريًا، ليس فقط للحفاظ على شبكة الحياة المتنوعة، بل لضمان بيئة متوازنة ومستدامة للأجيال القادمة.

الصيد الجائر.. كارثة
يُعد الصيد الجائر في البحار والمحيطات من الممارسات التي تقضي على الاستدامة، حيث يتم صيد الأسماك بمعدل أسرع وأكبر من قدرتها على التكاثر، وهو ما يؤدي إلى استنزاف أعداد الأسماك وتعطيل النظم البيئية للبحار والمحيطات. وينشأ الصيد الجائر بسبب الطلب المرتفع على المأكولات البحرية، والفقر والحاجة الاقتصادية والإدارة غير الفعّالة، والتقدم في تكنولوجيا الصيد التي تسمح بصيد كميات هائلة.
يُشكِّل الصيد الجائر تهديدًا كبيرًا للتنوع الأحيائي البحري، ويؤدي إلى تدهور الشعب المرجانية والموائل البحرية، ما يهدد استدامة النظم البيئية البحرية ويُشكِّل خطرًا على الأمن الغذائي للمجتمعات الساحلية. تتمثَّل بعض هذه المخاطر فيما يلي:

  • الصيد غير المستدام، وذلك عندما يتم صيد الأسماك بمعدل أسرع من التكاثر، وهو ما يؤدي إلى تضاؤل أعداد الأسماك.
  • تعطيل السلسة الغذائية، فالأسماك تمارس دوارًا حاسمًا في سلاسل الغذاء البحرية، ويؤدي الصيد الجائر إلى التأثير على الأنواع البحرية الأخرى، مثل الطيور والثدييات والسلاحف البحرية، التي تعتمد في غذائها على الأسماك.
  • إلحاق الضرر بالموائل البحرية، حيث تسهم بعض طرق الصيد، مثل الصيد بشباك الجر، في تدمير الشعب المرجانية والحشائش البحرية، وهو ما يؤدي إلى عواقب طويلة الأمد على التنوع الأحيائي البحري.
  • تهديد الأنواع البحرية بالانقراض، حيث يؤدي كثير من طرق الصيد، مثل الصيد بالخيوط الطويلة، والشباك الخيشومية، إلى صيد عرضي لأنواع غير مستهدفة تشمل بعض الأنواع المهددة بالانقراض كالثدييات والسلاحف البحرية.
  • فقدان الوظائف وانخفاض الدخل وانعدام الأمن الغذائي؛ إذ يتسبب الصيد الجائر في عواقب اقتصادية وخيمة على المجتمعات الساحلية التي تعتمد على الصيد في معيشتها.

تقليل قدرة البحار والمحيطات من امتصاص ثاني أكسيد الكربون، فالصيد الجائر يسهم في تغير المناخ، حيث تؤدي النظم البيئية البحرية الصحية دورًا حيويًا في تنظيم مناخ الأرض.
وهناك كثير من الأمثلة على ما يسببه الصيد الجائر في عدة مناطق حول العالم. فالبحر الأبيض المتوسط يشهد تراجعًا حادًا في أعداد سمك التونة ذات الزعانف الزرقاء، وهي من أغلى أنواع الأسماك في العالم، ويعود السبب الرئيسي إلى هذا التراجع للطلب المتزايد في أسواق السوشي على هذه السمكة، وقد أدى ذلك إلى تصنيف التونة ذات الزعانف الزرقاء بأنها مهددة بالانقراض، وهو ما يهدد توازن النظام البيئي البحري، ويُشكِّل تهديدًا اقتصاديًا على المجتمعات الساحلية المعتمدة على صيد الأسماك.
تواجه أسماك القرش خطر الانقراض بسبب الصيد الجائر الذي يستهدفها للحصول على زعانفها ولحومها وأجزاء أخرى من جسمها؛ حيث تُستخدم زعانف القرش بشكل رئيسي في تحضير حساء زعانف القرش، وهو طبق شهير في بعض الثقافات الآسيوية. وهذا الطلب المتزايد على زعانف القرش أدى إلى انخفاض حاد في أعداد القرش، وهو ما يهدد بتدمير التوازن البيئي البحري. فأسماك القرش تقوم بدور حيوي في الحفاظ على صحة البحار والمحيطات من خلال تنظيم أعداد الفرائس. وانخفاض أعداد أسماك القرش يؤدي إلى اختلال سلاسل الغذاء وتدهور الشعب المرجانية والحشائش البحرية، وهذا ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الحياة البحرية بأسرها.
هذه الممارسة لا تهدد بقاء كثير من أنواع الأسماك فحسب، بل تهدد استقرار سلاسل الغذاء التي تعتمد على التنوع الأحيائي البحري، وتمتد تأثيراتها إلى الأمن الغذائي والاقتصادي للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وبالأخص التي تعتمد على الأسماك كمصدر رئيسي. وتُعد ممارسات الصيد المستدام ضرورة مهمة لحماية صحة البحار والمحيطات وضمان نظام بيئي متوازن للأجيال القادمة.
التلوث يهدد الأحياء البحرية
التلوث عامل مهم آخر يساهم في التصحر البحري، حيث تتسبب الملوثات بمختلف أنواعها، بما فيها البلاستيك والمواد الكيميائية والمغذيات والمواد النفطية، في الضرر البالغ للبيئات البحرية وتُخَلفَ عواقب مدمرة للنظم البيئية البحرية. الإضرار بالكائنات الحية، يؤدي إلى تدهور الموائل وتعطيل العمليات الأساسية التي تدعم الحياة.
تواجه الشعب المرجانية، التي تتمتع بحساسية كبيرة تجاه التلوث، مشاكل مثل الإصابة بالأمراض والتبييض عند تعرضها للملوثات، وارتفاع درجة حرارة المياه، والحموضة الناجمة عن زيادة ثاني أكسيد الكربون، وهذا التدهور للشعاب المرجانية من شأنه أن يعرض عددًا لا يحصى من الأحياء البحرية للخطر، وبالأخص للكائنات التي تعتمد بشكل أساسي على الشعب المرجانية في الغذاء والمأوى، مما يؤدي لفقدان التنوع الاحيائي، وتعطيل النظم البيئية بأكملها.
المواد البلاستيكية
يُعد تلوث البلاستيك قضية ملحة بشكل خاص، فهو يتسبب في أضرار للحيوانات البحرية بعدة طرق، فالطيور البحرية والسلاحف وكذلك الثدييات البحرية ليست لديها القدرة للتفريق بين مخلفات البلاستيك والطعام، ما يؤدي إلى ابتلاعه والاختناق به، فضلًا عن دخول بعض المواد البلاستيكية الدقيقة، التي تمثل حبيبات صغيرة لسلسلة

مخاطر الصيد الجائر

فقدان التنوع الاحيائي
اختلال السلسة الغذائية
التأثيرات الاقتصادية
تدهور الموائل وتلوث المياه

90% من مخزونات الأسماك العالمية يجري صيدها بشكل مفرط أو بالكامل المصدر- الفاو
مليارات الدولارات سنويًا يكلف الصيد الجائر الاقتصاد العالمي الصندوق العالمي للحياة البرية
يؤدي الصيد الجائر إلى انهيار مصائد الأسماك برمَّتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي

الصيد الجائر
الغذاء، ما يجعلها بعد ذلك تتراكم في أنسجة الكائنات البحرية، وتتسبب في مشاكل في الجهاز الهضمي وتراكم السموم في سلسلة الغذاء، وكذلك في خلل في تكاثرها، أو تؤدي إلى موتها.
تشكل رقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ أكبر تجمع للنفايات البلاستيكية العائمة في المحيطات، مما يؤدي إلى ابتلاعها بشكل مميت من قبل أنواع بحرية مختلفة، ويتسبب في تلوث سلاسل الغذاء البحرية بالبلاستيك.
المواد الكيميائية
تدخل الملوثات الكيميائية مثل المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية، للبحار والمحيطات من خلال الجريان السطحي، ويؤدي ذلك إلى تسمم الكائنات البحرية والتراكم البيولوجي في السلسلة الغذائية، وهو ما قد يتسبب في الضرر بالحياة الفطرية والبشر. فقد تسبب التلوث الذي أصاب مدينة ميناماتا بالزئبق في اليابان في تسمم الأسماك،

ونجم عنه آثار صحية خطيرة على البشر والحيوانات، الذين تناولوا المأكولات البحرية الملوثة، مما أدى إلى مرضٍ أصاب الإنسان والحيوان معًا عُرِف باسم “ميناماتا”.
المواد النفطية
في عام 2010م تسرب ملايين البراميل من النفط، من منصة ديب ووتر هورايزون، وقد أدى ذلك إلى مقتل عدد لا يُحصى من الحيوانات البحرية، وإلحاق الضرر بالشعب المرجانية، ومجموعات كبيرة من الأسماك، إضافة إلى تأثيرات طويلة الأجل على مصائد الأسماك. وكان هذا أكبر تسرب نفطي بحري عرضي شهده العالم، وأكبر كارثة بيئية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
تلوث المغذيات
يتسبب تلوث المغذيات من الجريان السطحي الزراعي في ازدهار الطحالب التي تستنزف مستويات الأكسجين في الماء، وهو ما يخلق “مناطق ميتة”، حيث لا تستطيع الكائنات البحرية البقاء على قيد الحياة.
وفي خليج المكسيك، خلق الجريان السطحي للمغذيات “مناطق ميتة”، حيث تقتل المياه المستنفدة من الأكسجين الأسماك والرخويات، فيعطل بذلك النظم الإيكولوجية والاقتصادات المحلية.

ويهدد التلوث توازن وإنتاجية الحياة البحرية، ويؤثر في الأمن الغذائي العالمي وفي صحة البحار والمحيطات، وقد خلفت بعض حوادث التلوث تأثيرات شديدة على النظم الإيكولوجية البحرية، وهذا يُسلِّط الضوء على الحاجة الملحة لمكافحة التلوث والجهود الحثيثة للحفاظ على البيئة البحرية.
استصلاح السواحل
دفن البحر بالرمال أو بالرواسب المختلفة يُمثِّل عمليات صناعية لتجديد الشواطئ، وغالبًا ما تجري هذه العمليات لمكافحة تآكل السواحل الناجم عن عوامل طبيعية مثل: العواصف، وارتفاع مستويات سطح البحر، والأنشطة البشرية؛ إذ تسهم هذه العملية في منع التآكل، من خلال تجديد الرمال المفقودة، وحماية البنية التحتية الساحلية، والممتلكات، والنظم البيئية، ولها بعض الفوائد الترفيهية المتمثلة في بعض الأنشطة كالسباحة وحمامات الشمس وركوب الأمواج.
ولكن، لهذه العملية عيوب وسلبيات تطغى على الإيجابيات، من أبرزها اضطراب النظام البيئي البحري، حيث يؤدي تجريف الرمال من المناطق البحرية، إلى الإضرار بالموائل، وتعطيل السلاسل الغذائية، وإلحاق الضرر بالأنواع الحساسة، مثل السلاحف البحرية والشعب المرجانية.

ويمكن أن يؤدي إدخال رمال جديدة أيضًا إلى تغيير في المظهر الطبيعي للشاطئ، وهو ما يؤثر في توزيع النباتات والحيوانات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان التنوع الاحيائي وتفتت الموائل. وقد أظهرت دراسات أن استصلاح الشواطئ، يمكن أن يؤدي إلى تدمير الحشائش البحرية، والشعب المرجانية، وغابات المانغروف، التي تعد الداعم الرئيسي للحياة البحرية المتنوعة، من خلال توفير الموائل وأماكن التكاثر، والحضانات، ومصادر الغذاء، لعدد لا يُحصى من الأنواع البحرية، وعندما يتم تدمير المانغروف تنهار النظم البيئية برمَّتها، فيؤدي ذلك إلى انخفاض التنوع الاحيائي.
بالإضافة إلى أن عمليات نقل الرمال تزيد من عملية الترسيب في المياه الساحلية، وهو ما يؤثر في الحياة البحرية وجودة مياه البحر، وقد تصبح عمليات الاستصلاح غير مستدامة، وهذا من شأنه أن يخلق تكلفتين: الأولى بيئية، والثانية اقتصادية؛ إذ إن عمليات الاستصلاح ستكون مكلفة اقتصاديًا وتحتاج إلى صيانة مستمرة، وتغيير للطابع الطبيعي للساحل، وهو ما يؤدي إلى فقدان التراث الثقافي والجاذبية الجمالية.
ولا شك أن استصلاح الشواطئ يمكن أن يكون أداة قيمة لإدارة السواحل، ولكن من الضروري النظر بعناية في التأثيرات البيئية والاقتصادية المحتملة، قبل تنفيذ مثل هذه المشاريع؛ لأن النهج المتوازن الذي يجمع بين تدابير حماية السواحل الطبيعية وجهود الاستصلاح المخطط لها بعناية فائقة يمثل الطريقة الأكثر فعالية لمعالجة تحديات تآكل السواحل.

فقدان الموائل
تدمير أشجار المانغروف والشعب المرجانية والحشائش البحرية – الموائل الحيوية للأسماك والرخويات والقشريات
تغير تدفق المياه وتوزيع الرواسب
تعطيل البيئة البحرية عن طريق استنزاف معدلات الأكسجين في الموائل وتقليل جودة المياه
انحدار التنوع الاحيائي
يتم تهجير الأنواع التي تعتمد على الموائل الطبيعية أو هلاكها بسبب التغيرات في بيئتها

التلوث البلاستيكي
يدخل حوالي 8 ملايين طن متري من البلاستيك إلى المحيط كل عام
يضر بأكثر من 800 نوع بحري من خلال الابتلاع والتشابك وتدمير الموائل

  • WWF • UNEP
    التلوث الكيميائي (الزئبق)
    يدخل الزئبق والمعادن الثقيلة الأخرى إلى المحيطات من خلال التفريغ الصناعي يؤدي إلى تلويث المأكولات البحرية وإلحاق الضرر بالكائنات البحرية
  • برنامج الأمم المتحدة للبيئة

تلوث المغذيات
الجريان السطحي المحتوي على النيتروجين والفوسفور من الأسمدة يساهم في ازدهار الطحالب التي تستهلك الأكسجين ويؤدي إلى إنشاء مناطق ميتة، حيث لا تستطيع الكائنات البحرية البقاء على قيد الحياة

وكالة حماية البيئة
التلوث الضوضائي
تعمل الضوضاء الناتجة عن الشحن وحفر النفط وأجهزة السونار العسكرية على تعطيل اتصالات الحيوانات البحرية وتنقلها وتكاثرها يؤثر بشكل خاص في الأنواع مثل الحيتان والدلافين. والتعرض المزمن لمستويات عالية من الضوضاء يمكن أن يؤدي إلى الإجهاد، والجنوح، وحتى الموت في الحالات القصوى

IUCN تلوث البلاستيك الدقيق
تبتلع الأنواع البحرية البلاستيك الدقيق، وهو عبارة عن قطع صغيرة من البلاستيك
عُثر على البلاستيك الدقيق في 100% من أنواع السلاحف البحرية التي جرى اختبارها

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد