مواجهة استباقية لتحديات زيادة أعداده عن المستوى الطبيعي
- تقوم هذه الخطة على أربعة ركائز رئيسية تمثل العناصر الأساسية لنجاحها
- يلتهم 20 مترًا مربعًا سنويًا من المرجان
كائن جميل ذو ألوان زاهية، تبدو عليه الوداعة واللطف، إلا أن حقيقته وحشيّةٌ جدًا، وشراهته فتّاكة، ونهمُه لا يرحم، ولا يفهم. ولا غرابة في شراهةِ كائن، طالما أنه يفترس ليتغذّى. الغرابة والخوف من تجاوز المستوى الطبيعي الذي يصل إلى حدّ التدمير.
هذه هي حقيقة نجم البحر ذي التاج الشوكي الذي وصلت معدّلات فتكه ونهمه إلى مستويات خطرة؛ وهو ما أوجب تدخلًا بشريًا لتحييد سلوكه في طبيعة البحر. وهذه هي المبادرة التي أطلقها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في خطوةٍ لتعزيز حماية النظم البيئية البحرية وضمان استدامة الشعاب المرجانية في المملكة العربية السعودية.
بمبادرة مشتركة مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، جرى إطلاق خطة استجابة نجم البحر ذي التاج الشوكي. جاء هذا الإعلان على هامش مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي “كوب 16″، الذي اختُتم مؤخرًا.
الهدف من المبادرة هو مواجهة تحديات زيادة أعداد هذا الكائن عن المستوى الطبيعي؛ إذ يمكن أن تتسبب هذه الزيادة في دمار الشعاب المرجانية. فهذا الكائن الجميل يُمثِّل – في الحقيقة – وحشًا مفترسًا يمتلك من القدرات ما لا يمتلكها أعتى المفترسين، فهو يتربص بالشعاب المرجانية ويلتهمها بنهم، ويتركها خلال ساعات معدودة قاعًا صفصفًا، خصوصًا أنه بات بعيدًا عن أي تهديد، بعد أن تناقص أعداؤه بشكل خطير، وكأن الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد قد عناه بشطر بيت من شعره صيرته العرب مثلًا بعد ذلك، حيث يقول: “خلا لك الجو فبيضي واصفري”.
خطة ضبط المعدل
تعمل خطة المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية للحفاظ على ضبط معدل أعداد هذا الكائن، وجعلها في المستويات الطبيعية، دعمًا لاستقرار المنظومة البحرية من خلال آليات مراقبة دقيقة لتجمعات هذا الكائن، وتطبيق استجابات علمية سريعة وفعالة للإسهام في حماية التنوع الأحيائي البحري. فزيادة معدل أعداده مدمرة للبيئات البحرية، بينما تعدُّ أمرًا ضروريًا للحفاظ على صحة النظام البيئي عندما تكون في المعدلات الطبيعية.
وتعمل خطة المركز الوطني أيضًا على تحقيق التوازن البيئي، من خلال إشراك الجهات ذات العلاقة مثل: مراكز الغوص، والمؤسسات الأكاديمية، وعلماء الأحياء البحرية، وأصحاب المصلحة المحليين. كما تتضمن الخطة برامج خاصة لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية البيئات البحرية، وذلك لتحقيق التكامل في عمليات الرصد والاستجابة. فالخطة تُمثِّل إطارًا عمليًا متكاملًا يؤسس لرؤية طويلة المدى لحماية الشعاب المرجانية، التي تعدُّ ثروة وطنية وركيزة أساسية للتنوع البيولوجي.
ويقوم المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بتنفيذ هذه الخطة بالتعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، بما يضمن تماشيها مع المؤشرات والمعايير الدولية، والنهج العلمي الدقيق والاعتبارات العملية لضمان شمولية المسح وقابليته للتنفيذ.
وكان المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية قد عقد في ديسمبر 2022، ورشة عمل ناقش خلالها مكافحة تفشي نجم البحر ذي التاج الشوكي، وسبل التوصل لبروتوكول خاص لدراسة الوضع الراهن ومعرفة المسببات التي تؤدي إلى تزايد أعداده عن المعدل الطبيعي، والتعرُّف على أفضل الممارسات والتطبيقات للسيطرة على أعداده، وذلك مع مجموعة من الخبراء والاستشاريين حول العالم.
وقد أطلق المركز الوطني خطة المسح الشاملة لجمع البيانات الأساسية لمجموعات نجم البحر ذي التاج الشوكي في المناطق الرئيسية في البحر الأحمر؛ لاستخدامها في توقع وإدارة أعداد هذا الكائن في الوقت المناسب بما يتناسب مع طبيعته، وبما يعزز حماية صحة الشعاب المرجانية والتنوع البيولوجي.
4 ركائز أساسية
وتقوم هذه الخطة على أربع ركائز رئيسية تمثّل العناصر الأساسية لنجاحها، وتتمثل في:
- إعداد بروتوكول الاستجابة وإنجازه بجهود فريق الخبراء المتميز في المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، مع الالتزام بأفضل الممارسات الدولية. وحظي البروتوكول باعتماد رسمي من قبل الاتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة.
- عقد المركز ورشة عمل تدريبية مكثفة لجميع الشركاء المعنيين بحماية البحر الأحمر. وتم خلالها شرح كيفية القياس ومعالجة المواقع التي تسجل فيها زيادات في أعداد هذا الكائن، واستورد المركز أجهزة خاصة ودقيقة للقياس ومعالجة الحالات الطارئة والاستجابة السريعة والفعالة لأي تهديدات بيئية.
- تعدُّ المراقبة المستمرة لصحة الشعاب المرجانية عنصرًا أساسيًا في جهود الحفاظ على البيئة البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي. ويعمل المركز بالتعاون مع الشركاء على رصد أي مؤشرات تدل على اختلال التوازن البيئي أو زيادة أعداد الكائنات الحية الضارة، وذلك لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
- تشهد بعض المناطق زيادة ملحوظة في أعداد هذا الكائن، والسبب وراء ذلك استهداف المفترسات الطبيعية له من قبل الإنسان، وتشمل – مثلًا – سمك الطرباني، وهذا ما يؤدي إلى زيادة أعداده، وبدلًا من أن يؤدي دورًا في الحفاظ على التوازن البيئي يصبح مهددًا لهذا التوازن، وهو ما يتطلب التدخل والحد من انتشاره.

بلا رأس.. وخطير
نجم البحر ذو التاج الشوكي (Acanthaster sp) كائن بحري صغير لا فقاري، ينتمي إلى شوكيات الجلد، وكبقية نجوم البحر فهو كائن لا رأس له، ويمتلك جهازًا عصبيًا قويًا. يتميز عن نجوم البحر الأخرى بأذرع كثيرة تراوح بين 7–21 ذراعًا، تكسوها مجموعة من الأشواك الطويلة السامة. وعلى الرغم من مظهره القاسي، فإن هذا الكائن رشيق بشكل مدهش، فهو يتحرك بسرعة 20 كم في الساعة.
يُقاس حجم هذا الكائن بطول أذرعه بين الذراع والذراع الأخرى التي تقابلها، فيصل طوله بين 20 – 41 سم، وفي بعض الحالات يصل إلى أكثر من 70 سم، ولديه قدرة مثل معظم نجوم البحر على إعادة نمو ذراع جديدة، في حال قُطعت أي ذراع منها، في غضون 6 أشهر.
الانتشار والموائل
ينتشر هذا الكائن في البحار والمحيطات، ويوجد في المحيط الهندي والمحيط الهادئ في اليابان وأستراليا وهاواي، وكذلك في البحر الأحمر، مفضلًا المياه الاستوائية، ومستوطنًا الشعاب المرجانية التي تشكل غذاؤه الرئيسي.
يتكاثر هذا الكائن في البحر الأحمر خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر يوليو حتى الأسبوعين الأولين من شهر أغسطس، وذلك بإطلاق البويضات ونطاف السائل المنوي في الماء، فتنتج عنه عملية إخصاب لليرقات، ويمكن للأنثى أن تنتج بين 60 – 65 مليون بيضة خلال موسم التكاثر.
وغالبًا ما تكون اليرقات عائمة في البحر بعد الإخصاب طوال فترة تمتد بين 14 – 28 يومًا، ثم تتحول بعد ذلك إلى نجم بحر صغير غير مرئي يقضي وقته وسط الصخور والشعاب المرجانية، إلى أن يبلغ عمره 6 أشهر. ويتغذى خلال هذه الفترة على الطحالب المرجانية، ثم يتحول نظامه الغذائي إلى الشعاب المرجانية.
بلا طعام
يمكن لنجم البحر ذي التاج الشوكي البالغ أن يعيش فترات بسيطة بدون غذاء، لكنه في المقابل نهم ولديه شهية كبيرة للأكل. فعلى الرغم من ضآلة حجمه، فإنه قادر على التهام ما بين 6 أمتار و20 مترًا مربعًا سنويًا من المرجان في المستويات الطبيعية؛ إذ يقوم بإخراج معدته ويفرز إنزيماتها الهاضمة على السلائل المرجانية، ثم يمتصها بنهم؛ وهو ما يتسبب بعد ذلك في ابيضاض الشعاب المرجانية وجعلها هياكل حجرية ميتة.
خطره على المرجان
يُشكِّل هذا الحيوان خطورة بالغة على الشعاب المرجانية، ومن ثَمَّ، على البيئة البحرية بشكل عام؛ فتقلص واختفاء الأعداء الطبيعيين له مثل: أسماك الطرباني والزند والينفوخ وحلزون التريتون العملاق، وبعض القواقع البحرية التي تتغذى على اليرقات والأطوار اليافعة منه، كل ذلك أتاح له التكاثر بشكل واسع، وجعله يتسبب في دمار كبير للشعاب المرجانية. فعندما تكون أعداد نجم البحر ذي التاج الشوكي بمستويات طبيعية، تكون مفيدة للشعاب المرجانية، حيث تقوم بالحفاظ على الشعاب المرجانية الحجرية الكبيرة سريعة النمو تحت السيطرة؛ وهو ما يسمح للشعاب المرجانية الصغيرة بالنمو، وفتح مساحة لمزيد من الشعاب المرجانية لتنمو ببطء بعد التغذي على الطحالب الضارة والأمراض التي من الممكن أن تصيب بعض أجزاء المرجان، لكن عندما تتضاعف أعداد هذا الكائن يكون ذلك نذير شؤم ومؤشرًا إلى خطر كبير للشعاب المرجانية.
في سبعينيات القرن الماضي تكاثرت أعداد هذا الحيوان كثيرًا في الحاجز الكبير في أستراليا، إلى درجة أنها قضت على مناطق مرجانية واسعة. وفي عام 1998، واجه البحر الأحمر هذه الظاهرة، واستمر حتى عام 2000؛ وهو ما تسبب أيضًا في دمار مساحات كبيرة من الشعاب المرجانية.

خطة استجابة نجم البحر ذي التاج الشوكي
الإعلان:
المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، بالتعاون مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ((IUCN.
التحضير:
تم تنفيذ خطة مسح عن مجموعات نجم البحر ذي التاج الشوكي في المناطق الرئيسية بالبحر الأحمر، لاستخدام هذه البيانات لتوقع وإدارة تفشي الكائن في الوقت المناسب، وبناء الخطة وفق المعطيات المسجلة مع اعتماد النهج على الدقة والاعتبارات العملية لضمان شمولية المسح وقابليته للتنفيذ.
الهدف:
- تعزيز حماية النظم البيئية البحرية وضمان استدامة الشعاب المرجانية في المملكة.
- مواجهة التحديات في حال زيادة تفشي نجم البحر ذي التاج الشوكي عن المستوى الطبيعي.
- الحفاظ على أعداد هذا الكائن ضمن المستويات الطبيعية.
الآلية: - إنشاء آليات مراقبة دقيقة لتجمعاته وتطبيق استجابات علمية فعالة تسهم في حماية التنوع الأحيائي البحري.
- إشراك الجهات ذات العلاقة مثل مراكز الغوص والمؤسسات الأكاديمية لتعزيز التعاون وتحقيق التكامل في عمليات الرصد والاستجابة.
- عقد ورشة تدريبية لكل الجهات واستيراد أجهزة خاصة للقياس والمعالجة في المواقع التي تشهد أي زيادة.
فوائد النجم الشوكي:
يُعد وجوده بأعداد طبيعية أمرًا ضروريًا للحفاظ على صحة النظم البيئية.
سلبياته:
تُعد زيادة أعداد نجم البحر الشوكي مدمرة للبيئات البحرية.