سعد العريج
تُشكل الطيور والحيوانات الغازية تهديدًا كبيرًا على التنوع الأحيائي والنظم البيئية. وتدخل هذه الكائنات إلى بيئات جديدة عن طريق الصدفة أو عن عمد مسببة أضرارًا كبيرة. ونتيجة لذلك، تتكاثر هذه الأنواع بشكل كبير وتنافس الكائنات المحلية على الموارد الغذائية والموائل، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادها وانقراضها. بالإضافة إلى ذلك، قد تحمل هذه الكائنات الأمراض التي تنتقل إلى الكائنات المحلية، مما يزيد من الضرر الذي تلحقه بالبيئة. ومن الأمثلة على تأثيرات هذه الأنواع الغازية تدمير المحاصيل الزراعية، وإتلاف البنية التحتية، ونشر الحرائق. لذلك، فإن مكافحة الأنواع الغازية تعدّ أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على التوازن البيئي وحماية التنوع الأحيائي.
في أستراليا ،أصبح الجمل إحدى العلل التي يجب على القارة أن تتعافى منها، والسبب هو أنه كائنٌ دخيلٌ عليها، جاء به آسيويون في القرن التاسع عشر للمساعدة في بناء السكك الحديدية والأعمال الشاقة، ومع الزمن تحوّل إلى عبء بيئي، إلى حدّ أن الحكومة الأسترالية خصصت مكافأة مالية لكل من يقتل جملًا..!
ما يحدث في أستراليا حاليًا، يحدث في كثيرٍ من بلاد العالم، وعلى نحو نسبيٍّ تعاني الكثير من البيئات الطبيعية مشكلة “الدخلاء”. يحدث ذلك في عالم النبات، كما في عالم الحيوان، بل يصل الأمر إلى عالم اللافقاريات والكائنات المجهرية، الضئيلة في حجمها، والخطيرة في أثرها.
كائن من منظومة بيئية خاصة، ينتقل إلى منظومة بيئية أخرى مختلفة.
وفي عالم الطيور يأتي الغراب المنزلي وطائر المينا، في مقدمة الكائنات الفطرية الدخيلة على بيئة المملكة، ويشكّل وجودهما ضغطًا هائلًا على بعض النظم البيئية، نظرًا للآثار السلبية التي تسببها للتنوع الأحيائي فيها.
شرور الغراب
وكأن نفسه قد جُبلت على العدوان والشرور، فأخفى ذاته العدوانية بالخداع، نظرًا لما يتمتع به من فطنة وذكاء لا نظير لها في طائفته. بقي سنين طويلة محل تقدير واحترام، حتى ظهرت عدوانيته، وطالما برر الناس اعتداءاته الأولى بأنها بسبب المنافسة، لكن شره وعدوانه تجاوز المنافسين، وأصبح يهاجم أفراخًا في أعشاشها والماشية في حظائرها، كما يهاجم البشر في الطرقات.
ما هو؟
عُرِف علميًا باسم الغراب المنزلي Corvus splendens، ووُصِف بأنه طائر متوسط الحجم نسبيًا، يتميز باللون الأسود ورقبته الرمادية، وتضم فصيلته (Family) 21 جنسًا يتفرع منها 49 نوعًا بحسب تصنيف بيرد لايف إنترناشونال، وهو من أكثر الطيور انتشارًا في مختلف البيئات في موطنه الأصلي بالقارة الهندية، إلا أن نطاق انتشاره في المناطق خارج توزيعه الجغرافي الطبيعي يقتصر على المدن الساحلية والموانئ وبعض الجزر حول العالم، وهو من أبرز الكائنات القادرة على التكيف في مختلف الظروف.
يعيش ضمن مجموعات، ومعظم أنواعه تنتشر في البيئات الساحلية وهو ليس من الطيور المهاجرة.
يعرف عنه أنه متعدد التغذية (Omnivorous) يتغذَّى على البذور والفواكه واللافقاريات وجيف الحيوانات النافقة، وهو لا يكتفي بالحبوب والحشرات، بل يهاجم أعشاش الطيور الأخرى ويأكل بيوضها وأفراخها.
الآثار السلبية:
1- في بعض الحالات تكون أكثر قدرة على التكيف من الطيور المحلية، مما يؤدي إلى انخفاض أعداد الأنواع المحلية وتزايد أعداد الأنواع الغازية.
2- منافس شرس للطيور المحلية على الطعام والمأوى ومناطق التكاثر.
3- يهدد أفراخ الطيور المحلية بالمهاجمة والافتراس، مما يؤدي إلى انخفاض أعداد الأنواع المحلية، على سبيل المثال: تأخذ البيض من أعشاش الطيور المحلية لتأكله، أو تقوم بقتل الأفراخ وأكلها.
4- نقل الأمراض للطيور المحلية، وقد تؤدي هذه الأمراض إلى تدهور صحة الطيور المحلية وتهدد بقاءها.
5- تدمير الموائل الطبيعية الخاصة بالأنواع المحلية.
6- التأثير السلبي على الاقتصاد من خلال التأثير في الأنشطة البشرية مثل الزراعة والسياحة، من خلال إلحاق الضرر بالمحاصيل، أو التسبب في تلويث المناطق السياحية.
طرق المكافحة
1- اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير المناسبة للحد من مصادر الغذاء والماء التي يقصدها مثل تغطية حاويات النفايات.
2- إزالة الأعشاش، وهو ما يسهم في الحد من تكاثرها.
3- توعية المجتمع بالتأثيرات السلبية التي أحدثتها الطيور الغازية وكيفية العمل للحد منها.
4- التنسيق مع الجهات ذات العلاقة أو الجمعيات المتخصصة لتطبيق الحلول الفعّالة (سواء من خلال القتل المباشر أو الاستعانة بوسائل أخرى).
وفد إلى المملكة العربية السعودية قبل 6 عقود عن طريق السفن التجارية، ومن المحتمل أيضاً أن تكون قد أدخلت عن طريق الإنسان بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، حيث تشير الدراسات أن الإنجليز نقلوا مجموعة من هذه الطيور من الهند في عام 1890م إلى زنجبار لاستخدامها بالمكافحة الحيوية، كذلك في مستعمرات لدول مجاورة للمملكة، وانتشرت من خلال إلى سواحل المملكة، ثم تكاثرت أعداده بشكل كبير جدًا، ويمكن أن يعشش مرتين في العام، فتضع الأنثى بين 4-6 بيضات في كل مرة. وفي ظل عدم وجود مفترسات تكاثرت أعداده بسرعة، وانتشر في جميع النواحي والمناطق الساحلية، خصوصًا أنه كائن ليس له أعداء يحدون من انتشاره.
عبر التاريخ
في الأساطير الإسكندنافية اعتُبِر رمزًا للرسالة الإلهية، وحاملًا والغربان موجودة في الثقافات المختلفة، فقد أعتبر في الأساطير الإسكندنافية رمزًا للرسالة الإلهية، وحاملًا للمعرفة، ورسولًا للإله أودين، الذي يُعرف باسم “هوجين ومونين”، عندما تجسَّد في هيئة غرابين كبيرين، وأصبح رمزًا للفكر والذاكرة.
أمَّا في اليابان، فهو الياتاغاراسو، الغراب الذي كان يُعبد في الأضرحة الثلاثة في كومانو، التي حج إليها اليابانيون. وفي الأساطير الصينية عاش الياتاغاراسو، الغراب ذو الأرجل الثلاث
في الشمس، حيث يُعتبر طائرًا ميمونًا، ولهذا أيضًا جعله الاتحاد الياباني لكرة القدم شعارًا له.
ذُكِر الغراب في سفر التكوين، إذ أرسله النبي نوح – عليه السلام – ليستطلع اليابسة، لكنه تأخر وقيل إنه وجد جيفة فنزل يتغذى عليها. كما جاء ذكره في القرآن الكريم على هامش قصة قتل قابيل لأخيه هابيل، حيث أرسله الله – سبحانه وتعالى – ليعلم قابيل كيف يواري جثة أخيه.
حمله الفايكنج معهم على ظهر السفن ليتعرفوا على اتجاه اليابسة عندما يكونون في أعماق البحار والمحيطات. ويبدو أنه بعد ذلك أصبح يتنقل على ظهر السفن من مكان لآخر، غير عابئ باختلاف الطقس وتفاوته.
ويقال إن الفرنسيين جلبوه خلال القرن الثامن عشر من شرق آسيا لجزيرتي مورشيوس وريونيون في جنوبي إفريقيا بهدف المكافحة البيولوجية للحشرات، فيما تم نقله خلال القرن التاسع عشر لأستراليا للغرض نفسه أيضًا.
تشاءم منه العرب في الجاهلية، فإذا نعق مرتين قالوا: آذنَ بِشَرٍ، وإذا نعق ثلاثًا، قالوا: آذنَ بخيرٍ. كُنِي بأبي حاتم وأبي جحادف وأبي الجراح وأبي حذر وأبي زيدان وأبي زاجر وأبي الشؤم وأبي غياث وأبي القعقاع وأبي المرقال، ويُقال له ابن الأبرص وابن بربح وابن داية، وقد سُمِّي غرابًا لسواد لونه.
في الأحاديث النبوية جاء ضمن الدواب الخمس التي ورد نص بقتلها بسبب فسقها، حيث إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتلْنَ في الحَرَم: الْغُرَابُ، والحِدَأَةُ، والعَقْرَبُ، والفَأْرَة، وَالْكَلْبُ العَقُورُ”. ولا يعرف أي أنواع الغربان المشار له بالحديث الشريف فالغراب المنزلي لم يصل للجزيرة العربية إلا في القرن الماضي.
تهديده للبيئة
سواء حضر هذا الطائر بنفسه أو أحضره الناس ليستفيدوا من سلوكه الغذائي، إلا أن ذلك القرار لم يكن موفقًا أبدًا، فقد اتخذ هذا الطائر سلوكًا عدوانيًا وأصبح له تأثير سلبي على البيئة المحلية، نظرًا لافتراسه الطيور الصغيرة ومهاجمة المواشي، فأصبح بذلك يهدد البيئة المحلية والأنواع الأصيلة في المملكة، وأصبح وجوده يشكل تهديدًا كبيرًا على النظم البيئية والتنوع الأحيائي، فضلًا عن أنه ناقل للأمراض مثل إنفلونزا الطيور والسالمونيلا وبعض الطفيليات مثل العث.
تصدي الحكومات
صنَّفه برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ضمن أكثر ثلاثة طيور غازية لها تأثير على النظام البيئي، بسبب الأذى الذي يُلحقه بالبيئة والإنسان والحيوان. بينما صنَّفه الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) واحدًا من ثلاثة طيور هي الأسوأ بين 100 نوع غازٍ في العالم.
ولهذا، دخل كثير من دول العالم في مواجهة مع هذا الطائر الغازي الشرس وعملت على مكافحته؛ نظرًا لما يسببه من أخطار على البيئات المختلفة التي يوجد فيها؛ لوضع حد لخطره ككائن غازٍ على الكائنات الأصيلة، وذلك وفق خطط متنوعة. إذ أعلنت مقاطعة يوغرا الروسية، حملة للقضاء عليه بسبب تزايد أعداده، وخطره الكبير على الناس والبيئة، وتهديده بانقراض الطيور الأخرى التي أصبح يتغذى على بيوضها وأفراخها. كما فعلت ذلك دول أمريكا الشمالية وأستراليا واليابان وجنوب إفريقيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ومصر والأردن واليمن ولبنان.
جهود المملكة في مكافحته
عمد المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية إلى ثلاث مراحل لمواجهة هذا الكائن العدواني. ففي المرحلة الأولى، قام المركز بتقييم الوضع ودراسة الحالة ميدانيًا في محمية جزر فرسان شملت مناطق التكاثر والمبيت والتغذية والسلوك وتقدير الأعداد وتوزيعها. وقد أسفرت النتائج عن استهداف 35% من الغربان الموجودة في منطقة الدراسة والتخلص من 140 عشًا من أعشاشها، والعمل على حملة ضخمة في عدة مناطق لاستئصال خطر هذه الطيور الغازية.
فيما استهدفت المرحلة الثانية استئصال الغراب الهندي ومنع تكاثره في محمية جزر فرسان، من خلال تنفيذ خطة إدارة مستدامة ومتكيفة لمكافحة 70% من الغربان والأعشاش في هذه المرحلة. وفي المرحلة الثالثة، تم القضاء على 47% من أعداده المتبقية في الجزيرة، بالإضافة إلى ذلك تم تدمير 12 عشًا نشطًا.
الغراب الهندي
الاسم العربي: الغراب المنزلي
الاسم العلمي: Corvus splendens
الاسم الإنجليزي: House Crow
من الأنواع الغازية غير الأصيلة التي استطاعت أن تستوطن أجزاء مختلفة من العالم، وتعدُّ شبه القارة الهندية موطنها الأصلي، وقد تم إدخاله خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي إلى منطقة الشرق الأوسط على الأرجح عن طريق السفن التجارية. ثم انتشر منذ ذلك الحين في المدن والموانئ على طول سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، بما في ذلك جميع سواحل شبه الجزيرة العربية، وصل إلى جزيرة فرسان واستوطنها، وهناك خشية من قيامه بمهاجمة الطيور عندما تزداد أعداده.
الآثار السلبية:
1- يسهم في نشر الأمراض المعوية التي تسببها البكتيريا من نوع السالمونيلا.
2- التلوث الضوضائي.
3- انقطاع التيار الكهربائي بسبب تعشيشها على أعمدة الكهرباء.
4- يلحق الأذى بالمواشي بنقر أعين مواليدها الجدد
طائر المينا
الاسم العربي: المينا الشائع
الاسم العلمي: Tristis Acridotheres
الاسم الإنجليزي: Myna Common
أحد فصائل الغراب، ومن الأنواع الغازية غير الأصيلة، التي استطاعت أن تستوطن أجزاء مختلفة من العالم، وتعدُّ شبه القارة الهندية موطنه الأصلي.
دخل للجزيرة العربية خلال فترة السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، وعلى الأرجح عن طريق تجارة الحيوانات، ثم انتشر منذ ذلك الحين في المدن والموانئ على طول سواحل البحر الأحمر والخليج العربي. وقد سُجِّلت أولى مشاهدات هذا الطائر في المملكة في منتصف الثمانينيات، وتحديدًا في عام 1984، عندما تم رصده في الرياض وجدة والمدينة المنورة والمدن الساحلية في المنطقة الشرقية. وفي الوقت الراهن يوجد هذا الطائر في معظم مدن المملكة.

الآثار السلبية:
1- سرعة الانتشار وتزايد الأعداد.
2- لديه قدرته الكبيرة على التأقلم في البيئات المختلفة.
3- منافس شرس ومفترس للطيور الأصيلة في المملكة.
4- صعوبة مكافحته والتخلص منه.
الغراب في الأدب العربي
رمز الغراب في الشعر العربي للجانب السلبي والتشاؤم، فقال
أبو الشيص الخُزاعي:
ومن يكن الغراب له دليلًا فناووس المجوس له مصير
وأما في “المستطرف”، فقد جاء ما يلي:
ومن يكن الغراب له دليلًا يمر به على جثث الكلاب
وقال عنترة:
وعاداني غراب البين حتى كأني قد قتلت له قتيلا
وأورد الدكتور أحمد الهلالي في كتابه “الغراب في الشعر الجاهلي”، أن الجاحظ من بين ما تحدث به عن الغراب، فقال: إنه يخالف الثور ويخالف الحمار جميعًا، ويطير حولهما وربَّما نقر عيونهما، وقد قال الشاعر:
عاديتنا لا زلت في تباب عداوة الحمار للغراب
وأما فيما يخص الشعر عند غير العرب، فقال إبراهيم أبو عواد: هناك شاعران حصلا على المجد الشعري والشهرة الأدبية، عبر توظيف الغراب كرمز شِعري مُحمَّل بالدلالات اللغوية والمعاني الفلسفية. الأول هو الشاعر الأمريكي إدغار ألان بو، والثاني هو الشاعر الإنجليزي تيد هيوز.
الغراب الهندي
تضع الأنثى بين 4 – 6 بيضات مرتين سنويًا
17 يومًا أقصى فترة للحضانة
4-12 عامًا متوسط أعمارها
20 كم أقصى مسافة تطيرها
ينتشر في كل البيئات