[issue-single-data]

كهوف المملكة ودحولها حقول للجيولوجيا والأركلوجيا والبيولوجيا والإيكولوجيا

كهوف المملكة ودحولها حقول للجيولوجيا والأركلوجيا والبيولوجيا والإيكولوجيا

شهد عام 2022، بداية علمية بحثية ميدانية نوعية على يد باحثين في المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، الذي أطلق – وقتئذٍ – برنامجًا لاستكشاف التنوع الأحيائي في الدحول والكهوف السعودية.
ومنذ البداية، تكشّفت نتائج أولية ذات أهمية عالية لفهم الحياة الفطرية في الجزيرة العربية منذ آلاف السنين. وفي المرحلة الأولى من البرنامج خضع أكثر من 100 كهف ودحل لمسوحات ميدانية مكثفة، أمسك منها الباحثون بما يوثِّق حفظ معلومات بيولوجية دقيقة منذ 4 آلاف سنة على الأقل.
وفي مطلع أبريل من العام الجاري، أعلنت هيئة التراث عن توصل دراسة علمية إلى أن أرض المملكة كانت واحة خضراء قبل 8 ملايين سنة. وجاءت هذه النتائج من خلال تحليل 22 متكونًا كهفيًا تُعرف محليًا بـ”دحول الصمّان”.
وتضمّ أرض المملكة 1826 كهفًا ودحلًا، تمثّل في مجملها حقولًا خصبة لمعرفة التاريخ الطبيعي في الجزيرة العربية، ومناجم حيوية يمكن أن تزودنا بالكثير من الحقائق والمعلومات، ليس على المستوى الجيولوجي فحسب، بل على المستوى الأحيائي أيضًا.

حافظات الزمن
متاحف تاريخ طبيعي، كبسولات حافظة للزمن، صناديق لكنوز الكائنات، بيئات “تحتية” مختلفة عمّا حولها من بيئات فوقية وجانبية. تلك صفاتٌ واضحة للكهوف والدحول المنتشرة حول العالم، التي تنفرد بالحفاظ على مجموعة رائعة من المعلومات البيولوجية والأثرية والأحافير. وفي هذه الصناديق الطبيعية سيرٌ هائلة عن الحياة الماضية، والتغيرات البيئية، والعمليات المعقدة للأنظمة البيئية المعزولة. يُسهم ظلامها ومناخها المحلي المستقر في الحفاظ الاستثنائي على كل الأنظمة البيئية الهشة والبقايا القديمة، وهو ما يجعلها موارد لا مثيل لها للاكتشاف العلمي واللقى الحيوانية الأثرية.

الظلام الثريّ
تختلف نظم الكهوف والدحول بيئيًا اختلافًا جذريًا عن البيئات السطحية؛ إذ تتميز بمجموعة متنوعة من الظروف الخاصة، ومن أبرز سماتها الظلام الدامس الذي يسود منطقة المدخل، حيث لا يخترقه ضوء الشمس، الذي يعدُّ مصدر الطاقة الرئيس لمعظم النظم البيئية. ويُحدد غياب الضوء أنواع الكائنات الحية التي يمكنها البقاء على قيد الحياة والاستراتيجيات التي تتبعها للبقاء. وعلى عكس درجات الحرارة المتقلبة على السطح، تحافظ الكهوف على درجة حرارة ثابتة نسبيًا على مدار العام.
ويُعدُّ هذا الاستقرار عاملًا حاسمًا في العمليات الأيضية ودورات حياة كائنات الكهوف. بالإضافة إلى ذلك، تتميز الكهوف عادةً برطوبة عالية بسبب نقص دوران الهواء وثبات درجة الحرارة،

وهو ما يقلل من التبخر. وهذا المستوى العالي من الرطوبة ضروري لبقاء العديد من الأنواع التي تعيش في الكهوف. ويؤدي نقص ضوء الشمس – أيضًا – إلى محدودية مصادر الغذاء، حيث لا يمكن لعملية التمثيل الضوئي – وهي العملية التي تنتج بها النباتات الخضراء الطاقة – أن تحدث في الظلام. ونتيجة لذلك، تكون النظم البيئية للكهوف فقيرة بالمغذيات عمومًا مقارنة بالبيئات السطحية.
غالبًا ما يكون التنوع الأحيائي الموجود داخل الكهوف فريدًا من نوعه أيضًا، ويعكس التكيفات المتخصصة اللازمة للازدهار في هذه الظروف. ويمكن تصنيف حياة الكهوف على نطاق واسع بناءً على درجة اعتمادها على بيئة الكهف.

سجلات للبقايا
تُعدُّ الكهوف بمنزلة مصائد طبيعية استثنائية، حيث تُجمَّع فيها بقايا الكائنات الحية من مختلف العصور الجيولوجية. ويُؤدي تركيبها الجيولوجي إلى حصر الحيوانات في الكهوف المُنخفضة والحفر الجوفية. كما قد تهلك الحيوانات التي تبحث عن مأوى داخل الكهوف، تاركةً بقاياها في المكان. علاوة على ذلك، تحمل الحيوانات المفترسة فرائسها أحيانًا إلى الكهوف الآمنة نسبيًا، وهو ما يُسهم في تكوين سجل أحفوري. ويُمكن أن تجرف الفيضانات والمياه المتدفقة المواد العضوية، مثل العظام والمواد النباتية، من السطح. وبالإضافة إلى دورها كمصائد، تُوفّر الكهوف بيئات حفظ رائعة للموارد الأحفورية.
وتُساعد درجة الحرارة الثابتة نسبيًا

والرطوبة العالية داخل كثير من الكهوف في الحفاظ على المواد العضوية على المدى الطويل. وتُحمى الحفريات المُتكونة أو المتراكمة داخل الكهوف من الآثار الضارة للإشعاع الشمسي، والعوامل الجوية، والتعرية السائدة على السطح. وفي الكهوف القاحلة بشكل خاص، يُؤدي الجفاف إلى الحفاظ على الأنسجة الرخوة. مثل الشعر والجلد والأوتار. وتوفر الكهوف الجليدية آلية حفظ فريدة أخرى من خلال التجميد.

حمض نووي
كشفت الدراسات أن البيئات المستقرة والمحمية للكهوف وفرت ظروفًا مثالية لحفظ الحمض النووي (DNA)؛ إذ تُبطئ درجات الحرارة الباردة، وخاصةً في الكهوف الجليدية أو الكهوف في المناخات الباردة، النشاط الإنزيمي الذي يُحلل الحمض النووي بشكل كبير. كما أن الظروف الجافة، التي يُمكن العثور عليها في كثير من الدحول، تمنع نمو الكائنات الدقيقة التي يُمكن أن تُحلل المواد العضوية ومن بينها الحمض النووي.

وهو ما يقلل من التبخر. وهذا المستوى العالي من الرطوبة ضروري لبقاء العديد من الأنواع التي تعيش في الكهوف. ويؤدي نقص ضوء الشمس – أيضًا – إلى محدودية مصادر الغذاء، حيث لا يمكن لعملية التمثيل الضوئي – وهي العملية التي تنتج بها النباتات الخضراء الطاقة – أن تحدث في الظلام. ونتيجة لذلك، تكون النظم البيئية للكهوف فقيرة بالمغذيات عمومًا مقارنة بالبيئات السطحية.
غالبًا ما يكون التنوع الأحيائي الموجود داخل الكهوف فريدًا من نوعه أيضًا، ويعكس التكيفات المتخصصة اللازمة للازدهار في هذه الظروف. ويمكن تصنيف حياة الكهوف على نطاق واسع بناءً على درجة اعتمادها على بيئة الكهف.

سجلات للبقايا
تُعدُّ الكهوف بمنزلة مصائد طبيعية استثنائية، حيث تُجمَّع فيها بقايا الكائنات الحية من مختلف العصور الجيولوجية. ويُؤدي تركيبها الجيولوجي إلى حصر الحيوانات في الكهوف المُنخفضة والحفر الجوفية. كما قد تهلك الحيوانات التي تبحث عن مأوى داخل الكهوف، تاركةً بقاياها في المكان. علاوة على ذلك، تحمل الحيوانات المفترسة فرائسها أحيانًا إلى الكهوف الآمنة نسبيًا، وهو ما يُسهم في تكوين سجل أحفوري. ويُمكن أن تجرف الفيضانات والمياه المتدفقة المواد العضوية، مثل العظام والمواد النباتية، من السطح. وبالإضافة إلى دورها كمصائد، تُوفّر الكهوف بيئات حفظ رائعة للموارد الأحفورية.
وتُساعد درجة الحرارة الثابتة نسبيًا

والرطوبة العالية داخل كثير من الكهوف في الحفاظ على المواد العضوية على المدى الطويل. وتُحمى الحفريات المُتكونة أو المتراكمة داخل الكهوف من الآثار الضارة للإشعاع الشمسي، والعوامل الجوية، والتعرية السائدة على السطح. وفي الكهوف القاحلة بشكل خاص، يُؤدي الجفاف إلى الحفاظ على الأنسجة الرخوة. مثل الشعر والجلد والأوتار. وتوفر الكهوف الجليدية آلية حفظ فريدة أخرى من خلال التجميد.

حمض نووي
كشفت الدراسات أن البيئات المستقرة والمحمية للكهوف وفرت ظروفًا مثالية لحفظ الحمض النووي (DNA)؛ إذ تُبطئ درجات الحرارة الباردة، وخاصةً في الكهوف الجليدية أو الكهوف في المناخات الباردة، النشاط الإنزيمي الذي يُحلل الحمض النووي بشكل كبير. كما أن الظروف الجافة، التي يُمكن العثور عليها في كثير من الدحول، تمنع نمو الكائنات الدقيقة التي يُمكن أن تُحلل المواد العضوية ومن بينها الحمض النووي.

ويُوفر الظلام داخل الدحول حمايةً من الأشعة فوق البنفسجية الضارة القادمة من الشمس، التي يُمكن أن تُلحق ضررًا مباشرًا بجزيئات الحمض النووي. وتُساعد الطبيعة المستقرة لبيئات الدحول، مع الحد الأدنى من التقلبات في درجات الحرارة والرطوبة، على تقليل الضغوط على جزيئات الحمض النووي التي قد تُؤدي إلى تحللها.

ويستخدم العلماء تقنيات مُختلفة لاستخراج وتحليل الحمض النووي القديم من عظام الكهوف ورواسبها. وفي حين أن الاستخراج من العظام والأسنان المحفوظة جيدًا كان طريقةً تقليديةً، فإن تطوُّر تحليل الحمض النووي بسرعة مكَّن من استعادة المواد الوراثية مباشرة من رواسب الكهوف والدحول، حتى في غياب بقايا الهياكل العظمية.

تنوّع الكهوف السعودية
تحتضن المملكة العربية السعودية تاريخًا جيولوجيًا وبيئيًا غنيًا، وقد سُجِّل العديد من الاكتشافات المهمة للحياة الفطرية القديمة في مختلف مناطقها، من ذلك اكتشافات عُثِر عليها في كهوف ودحول.
ففي كهف أم جرسان بمنطقة المدينة

المنورة، عُثِر على آلاف العظام الحيوانية المحفوظة جيدًا التي تعود إلى عصور مختلفة. تشمل هذه العظام بقايا الضباع المخططة والجمال والخيول والغزلان والوعول والماعز والأبقار والحمر البرية والمستأنسة، وهو ما يشير إلى تنوع أحيائي كبير في المنطقة على مر العصور.


فتح علمي
ويمثّل برنامج المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية برنامجًا لاستكشاف التنوع الأحيائي في الدحول والكهوف، وأحد الفتوحات العلمية الفطرية. فقد تأكد أن هذا النظام البيئي الفريد بيئة مناسبة لمجموعة واسعة من الكائنات الحية من اللافقاريات والفقاريات. وسُجِّل اكتشاف العديد من الهياكل العظمية لأنواع مختلفة من الثدييات، وهو ما يؤكد أهمية هذه المنظومة البيئية.

إنها بمنزلة كنوز بيئية وتاريخية لا تقدَّر بثمن. فهي ليست مجرد تكوينات جيولوجية مذهلة، بل هي متاحف طبيعية حية، تحمل في طياتها أدلة وشواهد على التنوع الأحيائي الذي ازدهر في المملكة عبر العصور.
وتُقدم هذه الكهوف نافذة فريدة على الماضي، حيث تكشف عن التغيرات المكانية والبيئية والمناخية التي شهدتها شبه الجزيرة العربية على مر العصور، وهو ما يجعلها وجهة ثمينة للباحثين والمستكشفين وعشاق الطبيعة والتاريخ على حد سواء.
وتُشكِّل هذه النظم البيئية الفريدة ملاذًا لمجموعة متنوعة من الكائنات الحية. وقد أظهرت الاكتشافات الأخيرة هياكل عظمية لأنواع مختلفة من الثدييات، وهو ما يؤكد الأهمية الكبيرة لهذه المنظومة البيئية في الحفاظ على التنوع الأحيائي.

كنز الـ4 آلاف سنة
مع اكتشاف مومياوات الفهد الصياد في دحول المملكة، وبأعمار زاد تقديرها على 4000 سنة، عبر تقنية الكربون المشع، شكَّل الاكتشاف الدليل الأول على وجود الفهد الصياد في المملكة وفي شبه الجزيرة العربية، وكان المحفز لقيام المركز بتطوير برنامج إعادة توطين الفهد الصياد في المملكة لاستعادة دوره في عمليات التوازن البيئي.
تلا ذلك العديد من الاكتشافات المهمة وطنيًا وعالميًا، حيث وجد باحثو المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بعض أنواع الخفافيش ورفاة عدد من الحيوانات المنقرضة في دحول المملكة.
ويعمل المركز على تصنيفها وتحديد أعمارها، وسوف يساعد ذلك على استكمال برنامج إعادة توطين هذه الأنواع المنقرضة أو الأقرب جينيًا إليها، من أجل استعادة دورها في النظام البيئي.

ويُوفر الظلام داخل الدحول حمايةً من الأشعة فوق البنفسجية الضارة القادمة من الشمس، التي يُمكن أن تُلحق ضررًا مباشرًا بجزيئات الحمض النووي. وتُساعد الطبيعة المستقرة لبيئات الدحول، مع الحد الأدنى من التقلبات في درجات الحرارة والرطوبة، على تقليل الضغوط على جزيئات الحمض النووي التي قد تُؤدي إلى تحللها.

ويستخدم العلماء تقنيات مُختلفة لاستخراج وتحليل الحمض النووي القديم من عظام الكهوف ورواسبها. وفي حين أن الاستخراج من العظام والأسنان المحفوظة جيدًا كان طريقةً تقليديةً، فإن تطوُّر تحليل الحمض النووي بسرعة مكَّن من استعادة المواد الوراثية مباشرة من رواسب الكهوف والدحول، حتى في غياب بقايا الهياكل العظمية.

تنوّع الكهوف السعودية
تحتضن المملكة العربية السعودية تاريخًا جيولوجيًا وبيئيًا غنيًا، وقد سُجِّل العديد من الاكتشافات المهمة للحياة الفطرية القديمة في مختلف مناطقها، من ذلك اكتشافات عُثِر عليها في كهوف ودحول.
ففي كهف أم جرسان بمنطقة المدينة

المنورة، عُثِر على آلاف العظام الحيوانية المحفوظة جيدًا التي تعود إلى عصور مختلفة. تشمل هذه العظام بقايا الضباع المخططة والجمال والخيول والغزلان والوعول والماعز والأبقار والحمر البرية والمستأنسة، وهو ما يشير إلى تنوع أحيائي كبير في المنطقة على مر العصور.


فتح علمي
ويمثّل برنامج المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية برنامجًا لاستكشاف التنوع الأحيائي في الدحول والكهوف، وأحد الفتوحات العلمية الفطرية. فقد تأكد أن هذا النظام البيئي الفريد بيئة مناسبة لمجموعة واسعة من الكائنات الحية من اللافقاريات والفقاريات. وسُجِّل اكتشاف العديد من الهياكل العظمية لأنواع مختلفة من الثدييات، وهو ما يؤكد أهمية هذه المنظومة البيئية.

إنها بمنزلة كنوز بيئية وتاريخية لا تقدَّر بثمن. فهي ليست مجرد تكوينات جيولوجية مذهلة، بل هي متاحف طبيعية حية، تحمل في طياتها أدلة وشواهد على التنوع الأحيائي الذي ازدهر في المملكة عبر العصور.
وتُقدم هذه الكهوف نافذة فريدة على الماضي، حيث تكشف عن التغيرات المكانية والبيئية والمناخية التي شهدتها شبه الجزيرة العربية على مر العصور، وهو ما يجعلها وجهة ثمينة للباحثين والمستكشفين وعشاق الطبيعة والتاريخ على حد سواء.
وتُشكِّل هذه النظم البيئية الفريدة ملاذًا لمجموعة متنوعة من الكائنات الحية. وقد أظهرت الاكتشافات الأخيرة هياكل عظمية لأنواع مختلفة من الثدييات، وهو ما يؤكد الأهمية الكبيرة لهذه المنظومة البيئية في الحفاظ على التنوع الأحيائي.

كنز الـ4 آلاف سنة
مع اكتشاف مومياوات الفهد الصياد في دحول المملكة، وبأعمار زاد تقديرها على 4000 سنة، عبر تقنية الكربون المشع، شكَّل الاكتشاف الدليل الأول على وجود الفهد الصياد في المملكة وفي شبه الجزيرة العربية، وكان المحفز لقيام المركز بتطوير برنامج إعادة توطين الفهد الصياد في المملكة لاستعادة دوره في عمليات التوازن البيئي.
تلا ذلك العديد من الاكتشافات المهمة وطنيًا وعالميًا، حيث وجد باحثو المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بعض أنواع الخفافيش ورفاة عدد من الحيوانات المنقرضة في دحول المملكة.
ويعمل المركز على تصنيفها وتحديد أعمارها، وسوف يساعد ذلك على استكمال برنامج إعادة توطين هذه الأنواع المنقرضة أو الأقرب جينيًا إليها، من أجل استعادة دورها في النظام البيئي.

واحة خضراء قبل 8 ملايين سنة
أعلنت هيئة التراث عن توصل دراستها العلمية، المعنية بالسجل الدقيق للمناخ القديم على أرض المملكة، من خلال تحليل 22 متكونًا كهفيًا تُعرف محليًا بـ”دحول الصمّان”، إلى أن أرض المملكة كانت واحة خضراء قبل 8 ملايين سنة.
نتائج الدراسة أبرزت أهمية الجزيرة العربية بصفتها منطقة تقاطع حيوي لانتشار الكائنات الحية بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، وهو ما يُسهم في فهم تاريخ التنوع الأحيائي للكائنات الحية وتنقلها بين القارات عبر الجزيرة العربية. وتشير الدراسة إلى أنها تدعم نتائج التفسيرات حول كيفية تأثير التغيرات المناخية على حركة وانتشار الجماعات البشرية عبر العصور.
وكشفت الدراسة العلمية عن سجل دقيق للمناخ القديم على أرض المملكة، من خلال تحليل 22 متكونًا كهفيًّا يُعرف علميًا بـ”الهوابط والصواعد”، استخرجت من سبعة دحول تقع شمال شرق منطقة الرياض بالقرب من مركز شَوْية في محافظة رماح، وتُعرف هذه الكهوف محليًا باسم “دحول الصمّان”.
ويُشير هذا السجل إلى تعاقب مراحل رطبة متعددة أدت إلى جعل أراضي المملكة بيئة خصبة وصالحة للحياة، على عكس طبيعتها الجافة الحالية. ووفقًا للنتائج، كانت صحراء المملكة،

التي تُعدُّ اليوم أحد أكبر الحواجز الجغرافية الجافة على وجه الأرض، حلقة وصل طبيعية للهجرات الحيوانية والبشرية بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا.
وأجرى الباحثون تحليلًا لترسبات كربونات الكالسيوم باستخدام تقنيتي اليورانيوم-الثوريوم (U-Th) واليورانيوم-الرصاص (U-Pb) لتحديد تاريخ هذه المتكونات وكشف الفترات الرطبة بدقة. ومن خلال هذا التحليل، حُدِّدت عدة مراحل رطبة تميزت بغزارة هطول الأمطار؛ يعود أقدمها إلى أواخر عصر الميوسين منذ حوالي 8 ملايين عام، مرورًا بعصر البليوسن، ووصولًا إلى أواخر عصر البليستوسين.
وأوضحت الدراسة أن هذه المراحل الرطبة أدت دورًا أساسيًّا في تسهيل تنقل وانتشار الكائنات الحية والثدييات عبر القارات المجاورة. ونتيجة لهذه الدراسة، التي قدَّمت دليلًا على وجود فترات رطبة متعاقبة عبر 8 ملايين سنة ماضية، فإنها تدعم نتائج الدراسات الأحفورية السابقة في الحاجز الصحراوي العربي التي تُشير إلى وجود أنواع حيوانية تعتمد على المياه في المنطقة، ومنها: التماسيح والخيل وأفراس النهر، فقد كانت تزدهر في بيئات غنية بالأنهار والبحيرات، وهي بيئات لم تعد موجودة في السياق الجاف الحالي للصحراء.

الكهف أفقي.. الدحل رأسي!
يختلط – عادةً – مفهوم الكهوف والدحول لدى كثيرين منا، إلا أن الكهف مختلف كليًا عن الدحل. الكهوف في اللغة العربية كالمغارة في الجبل، فإذا صغر فهو غار، كما ورد في “لسان العرب” لابن منظور، وأشهرها غار حراء. وفي “الصحاح”: الكهف كالبيت المنقور في الجبل. فالكهف تجويف في الجبل وليس في الأرض.
أمَّا الدحل فهو نقب في الأرض، ضيق فمه، ثم يتسع أسفله حتى يمشي فيه. ويُعرف على أنه تجويف يتعمق داخل باطن الأرض، له فوهة يختلف حجمها من ثقب صغير إلى فوهة واسعة، وقد يصل قطرها إلى عشرات الأمتار نتيجة لانهيار الأجزاء السطحية من الفوهة. وتعدُّ الدحول علامات للتعرية الكارستية في المناطق الرطبة ذات الأمطار الغزيرة، وتتكوّن من ممرات وسراديب تحت الأرض نتيجة عمليات طبيعية في الصخور الجيرية، ويتشكَّل فيها – عادةً – أعمدة جيرية. ووجودها في المناطق

الجافة ذات الطبيعة الجيرية دليل على توفر حقبة شهدت ظروفًا مناخية مطيرة وممتدة على فترة طويلة نسبيًا من الزمن.
وأسهمت عوامل الحركات الأرضية وحركة المياه والتأثيرات الجوية والتغيُّر في درجات الحرارة والضغط في تشكيل هذه الظواهر الجيولوجية. وترتبط الدحول والكهوف بالمنظومة الجيولوجية والهيدرولوجية للمياه الجوفية والسطحية.

عزَّزت هذه الاكتشافات القيمة البيئية التاريخية للمملكة، حيث يشكِّل النظام البيئي للدحول متحفًا تاريخيًا ودليلًا حيًا يشهد على التنوع الأحيائي الذي ازدهر على أرض المملكة، ثم اندثر مع الحقب التاريخية المتتالية والتغيرات المكانية والبيئية والمناخية في شبه الجزيرة العربية.
ويعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على استكمال الدراسات في الدحول والكهوف وتوثيق أهميتها ضمن برنامج متكامل، على رأس أولوياته الحيطة واتخاذ الإجراءات المهنية اللازمة للحد من المخاطر المرتبطة ببرنامج الاستكشاف، ووضع هذه المواقع على الخارطة الدولية للمناطق المهمة للتنوع الأحيائي والموروث الطبيعي، وكنظام بيئي تاريخي يشكِّل متحفًا للُقى الأثرية الطبيعية.

الحفاظ على الكنوز
من الممكن الاستفادة من الدحول في المملكة في مجال البحث الأثري والجيولوجي والبيئي، فضلًا عن الاستثمار السياحي. وباعتبارها متاحف قيّمة للتاريخ الطبيعي، فإنها تُتيح نافذة فريدة على ماضي الأرض وحاضرها. فهي تؤوي أنظمة بيئية هشة ومتخصصة، وتحافظ على سجلات حفريات بارزة، وفي كثير من الحالات، تحمل أدلة تاريخية وأثرية مهمة على التفاعل البشري مع العالم الجوفي. وتدعم الموائل البيئية المتنوعة داخل الكهوف والدحول عددًا لا يُحصى من الأنواع الفريدة، وغالبًا ما تُظهر تكيفات رائعة مع الظلام الدائم ومحدودية الموارد.
ويتطلب إدراك القيمة متعددة الجوانب

للكهوف والدحول تضافر الجهود لمواصلة البحث عنها وحفظها وإدارتها المستدامة. إن فهم الآليات المعقدة للأنظمة البيئية لها، والتهديدات التي تواجهها، أمر بالغ الأهمية لوضع استراتيجيات حماية فعّالة. وتُعدّ ممارسات الإدارة المستدامة أساسيةً لتحقيق التوازن بين الوصول العام والتثقيف والحفاظ على هذه البيئات الهشة على المدى الطويل. ومن خلال تبني برامج تعليمية مبتكرة، مثل الاستكشاف والبحث، يُمكن تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه هذه المتاحف الرائعة. وسيضمن الالتزام المستمر بالبحث والحفظ والتثقيف بقاء العجائب والمعارف التي تحملها الكهوف والدحول للأجيال القادمة.

نماذج عالمية
كل ذلك يجعل من النظام البيئي للكهوف والدحول أحد النظم البيئية النادرة والمهمة عالميًا، بوصفه إرثًا طبيعيًا بحسب منظمة اليونيسكو، التي أدرجت عددًا من الدحول حول العالم بوصفها مواقع إرث طبيعي، ومنها كهوف “موغاو” في الصين، والموقع الأثري في أتابويركا في إسبانيا، ومحمية كهف ماكاواهي في هاواي، وغيرها الكثير.
وعلى سبيل المثال، فإن كهف أوريغون كيفز الوطني في الولايات المتحدة يضم نظام كهف رخامي ذي تضاريس كارستية نادرة، وأنواعًا متوطنة مثل صرصور الكهف المراوغ وجمبري الشبح، كما يوفر موطنًا حيويًا للعديد من أنواع الخفافيش.
ويعد نظام كهف ميلوري في جورجيا موطنًا لنظام بيئي فريد من نوعه مع حيوانات متخصصة تتكيف مع ظروف الإضاءة المنخفضة للكهف، ومن بينها أنواع مختلفة من الخفافيش واللافقاريات.

ويضم نظام كهف تشيكيبول في بليز، وهو الأكبر في البلاد والأطول في أمريكا الوسطى، كنزًا من العجائب الجيولوجية والبيولوجية. ويضم كهف موفيل في رومانيا نظامًا بيئيًا كيميائيًا فريدًا يدعم مجموعة متنوعة من الأنواع المتوطنة اللافقارية في غياب ضوء الشمس.
وتشتهر كهوف جينولان في أستراليا بتنوعها الأحيائي الكبير؛ إذ تضم كثيرًا من الحيوانات المتكيفة مع الكهوف.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد