النعام العربي اختفى عام 1966.. و4 سلالات لمحاولة استعادة أشباهه
النَّعام الذي يعيش في بلادنا حاليًا ويتكاثر ويحقق انتشارًا حتى على المستوى التجاري، ليس النَّعام الذي عرفه أسلافنا في الجزيرة العربية. إنه ليس “أم البيض”، ولا “أم ثلاثين” ولا من “بنات الهيق” ولا “الظليم”. وليس الكائن الحيّ الذي حار أسلافنا في وصفه طائرًا وغير طائر، وليس نظير الجمل في ميثولوجيا العرب القدماء!
ليس الطائر الأحمق الذي يترك بيضه ويحضن بيض غيره، بحسب كمال الدين الدميري.
باختصار، إن النَّعام الموجود حاليًا كائنٌ شبيهٌ بالنَّعام العربي الذي تمَّ تسجيل آخر مشاهدة له في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، وأُعلِن عن انقراضه رسميًا في عام 1966 (del Hoyo et al. 1992)، ولم يعد موجودًا في الطبيعة.
تصوير :كمعان
وجاء الإعلان نتيجةً طبيعيةً لوضع قاسٍ واجهه هذا الكائن الفطري المهمّ منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
ويُعزى هذا الانقراض إلى انتشار وسائل الصيد الحديثة، مثل الأسلحة النارية والمركبات، التي أسهمت – بشكل كبير – في اختفائه من الطبيعة التي شهدت تدهورًا وتأثرًا للموائل، والزحف البشري، بعدما كان يعيش في صحراء الربع الخالي، وكثبان النفود، وفي الشعاب المنتشرة في شبه الجزيرة العربية.
وجود قديم
وجود النَّعام في الجزيرة العربية قديمٌ جدًا، والأدلة على وجوده كثيرة، ليس أقواها الأدبيات التي وصلت إلينا عبر أمّهات الكتب العربية، مثل كتاب “الحيوان” لأبي عثمان الجاحظ، وكتاب “حياة الحيوان الكبرى” لكمال الدين الدميري، إضافة إلى نصوص أدبية كثيرة؛ بل إن هناك كثيرًا من المعثورات الحيوية من بقايا هذا الكائن الذي يوصف بأنه أثقل الطيور وزنًا! ومن هذه المعثورات بقايا قشور بيض ورسوم وإرث شعبي في محكيات الناس.
وحين زار الرحالة البريطاني، ويليام جيفورد بلجريف، الجزيرة العربية في عام 1862، وصف النَّعام الذي شاهده في وادي السرحان، شمال غرب المملكة، فقال: “شاهدنا في هذه المنطقة قطيعًا كبيرًا من النَّعام، والنَّعامة هي أحسن الطيور التي تعيش على سطح هذه الأرض، كما أنها أصعب الطيور فيما يتعلق بالاقتراب منها. وعندما شاهدنا النَّعام وهو يجري واحدًا إثر آخر في صف طويل، ظهر كما لو كانت حياته تعتمد على هذا الصف، فاعتقدناه مجموعة من الجمال المذعورة “. كما أشار إلى كثرة صيده من قبل بعض القبائل نظرًا للإقبال على شراء ريشه.
لقد كان انقراضه ضربةً بيئيةً عنيفة للحياة الفطرية في المملكة العربية السعودية، وهو ما ولّد مبادرة مبكرة لمحاولة استعادته.
المبادرة تجسّدت عبر 4 أنواع مقاربة جينيًا للنعامة العربية، مرت بمشاريع توطين وإكثار متنوعة لإعادتها لموطنها الأصلي. وقد بذل المركز الوطني لتنمية

الحياة الفطرية جهودًا عميقة في تنفيذ برنامج لإكثار النوع الأقرب جينيًا من النَّعام العربي المنقرض، وكان التركيز على أربعة أنواع فرعية من النَّعام وذلك وفق معايير الاتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة .
البداية ثلاثة طيور
وبدأ البرنامج، فعليًا، في عام 1989 باستيراد ثلاثة طيور (ذكرين وأنثى) ومنحها فترة للتكاثر في الأسر. وقد تمَّ اختيار النَّعام أحمر الرقبة الإفريقي لإعادة إكثاره وإعادة توطينه؛ نظرًا لقربه الجيني من النَّعام العربي الذي كان يستوطن المنطقة سابقًا. وفي عام 1994، نُقِل عدد محدود من الطيور إلى محمية محازة الصيد شمال شرق محافظة الطائف، حيث أُطلق ما مجموعه 96 طائرًا من النَّعام أحمر الرقبة في المحمية. وبلغت نسبة بقائها في البرية حوالي %41، حيث راوَح عدد الأفراد بين 125 و150 طائرًا حتى نهاية عام 2000.
ركّز المركز على تعزيز برامج الإكثار في الأسر، وإعادة تأهيل البيئات الطبيعية الملائمة، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات إعادة الإطلاق في مواقع تاريخية عديدة ضمن نطاق انتشار النَّعام العربي السابق.
توسع برامج إعادة التوطين
في عام 2016، أُعيد إطلاق النَّعام في محمية الحياة البرية بالشيبة التابعة لشركة أرامكو السعودية. وفي العام التالي شمل البرنامج محمية عروق بني معارض، وهو ما أسهم في تعزيز فرص استعادة النَّعام في بيئاته الأصيلة.
ثم توالت أعمال الإكثار والحماية والإطلاقات، ليعود النَّعام “الشبيه” إلى تحقيق مستوى من التكاثر في كثير من مناطق المملكة العربية السعودية.
أثقل الطيور
النَّعامة هي أكبر وأثقل الطيور حجمًا، ويُراوح طول الذكر بين 2.2م و2.75م، ويصل وزنه إلى 150 كجم. بينما تكون الإناث أصغر حجمًا، بارتفاعٍ يُراوح بين 1.75م و1.9م، ووزنٍ يصل إلى 110 كجم.
وتمتلك النَّعامة عيونًا كبيرة قطرها حوالي 50 ملم، وهي الأكبر بين جميع الفقاريات الأرضية، وهو ما يمنحها قدرة على رصد المفترسات من مسافات بعيدة. ولديها أرجل قوية تساعدها على الجري بسرعات عالية والهرب من التهديدات. ولدى النَّعامة أيضًا إصبع قوي ذو ظفر حاد للدفاع عن نفسها.
وتتميز بقدرتها على التكيف مع البيئات القاحلة؛ إذ يُمكنها العيش في السهول الصحراوية والمناطق العشبية المفتوحة وشبه الجافة، لكنها تتجنب الغابات الكثيفة والصحارى القاحلة.
سلوك
لدى النَّعامة نظام تزاوج فريد، فقد تعيش على شكل أزواج منفردة أو مجموعات اجتماعية، ويضم القطيع ذكرًا مهيمنًا، وأنثى رئيسة، وإناث ثانوية عديدة. وفيما يخص الدفاع عن العش، يتولى الذكر حماية المنطقة بإطلاق نداءات مدوية، ويقوم بتجهيز العش.
وتتعاون الأنثى الرئيسة والذكر في حضانة البيض، التي تستمر مدة تُراوح بين 42 و45 يومًا. وتضع الأنثى الرئيسة بين 5 و11 بيضة، بينما تضع الإناث الثانوية من بيضتين إلى 6 بيضات إضافية في العش نفسه. وبعد الفقس تغادر الصغار العش بعد 3 إلى 5 أيام، ويكتمل ريشها في غضون 4 إلى 5 أشهر.
عند العرب
عرف العربُ للنعام أسماء عديدة، من أهمها:
- أم البيض.
- أم ثلاثين.
- بنات الهيق.
- الظليم (للذكر).
ويُنقل عن الجاحظ أن الفرس يسمونها “اشتر مرغ”، أي بعير وطائر. وهذا المعنى غريب، لكن شاعرًا عربيًا استخدم المعنى في الرجل الذي لا يستفاد منه، ويتذرع بالأعذار، فقال:
ومثل نعامة تُدعى بعيرًا
تُعاصينا إذا ما قيل طيري
فإن قيل احملي قالت: فإني
من الطير المرفّه في الوكور
شالت النَّعامة
جاء في التعبير العربي السائر قولهم: “شَالَتْ نَعَامَتُهُ”، ويقصدون: غَضِبَ ثمَ هَدَأَ وَسَكَنَ.
أمَّا قولهم: “شَالَتْ نَعَامَةُ القَوْمِ”، فمعناه: تَفَرَّقَتْ كَلِمَتُهُمْ.
وجاء في الشعر العربي قول الأحوص:
يا ليتما أمُّنا شالتْ نعامتُها
أَيْمَا إِلى جنَّةٍ أَيْمَا إلى نَارِ
وقول عنترة:
تكْفي خَصاصةَ بيْتِنا أرْماحُنا
شالتْ نعامةُ أينا لم يفعل
ولديك الجن قوله:
غداةَ شالتْ من التَّقوى نعامتُها
وآذنت صَعَقاتُ الحقِّ بالنِّقَمِ
وقول السيد حيدر الحلي:
منعَّمُ الجسمِ لا شالت نعامتُه
ولا انمحت من بياضِ الخدِّ شامتُهُ
الاسم العربي: النَّعامة للذكر والأنثى
الاسم العلمي: Struthio camelus
الاسم الإنجليزي: Red neck ostrich
