من الكائنات الميكروسكوبية إلى الحوت.. عالم مزدحم بالحياة، ثريٌّ بالتنوع، مكتنز على أسرارٍ لم يكن أكثرها معروفًا، إلى أن جاءت رحلة العقد التي تسللت إلى الأعماق، واستكشفت القصة بتسلسل مفاجآتها المتلاحقة..!
إنه البحر الأحمر.. بحر القلزم.. البحر الفاصل بين قارتيْ آسيا وأفريقيا.. البحر الأكثر عمقًا وثراءً وتنوعًا وغموضًا في الشرق الأوسط والعالم القديم.. البحر الممتد من حافة المحيط الهندي جنوبًا، إلى حافة البحر المتوسط شمالًا.. البحر الأكثر جدلًا وإثارة للتساؤل والبحث والاستقصاء.. والحيرة.
كلّ هذا الزخم من الأسرار تكثّف، بالصوت والصورة، في اجتماع علميٍّ حضره شبّان المملكة المهتمون، وتعاقب على منصته العلماء والخبراء والباحثون، ليبسطوا التفاصيل التي جُمعت في 126 يومًا من الاستكشاف والبحث والمخاطرة.
كل ذلك حدث يومي 11 و 12 فبراير الماضي.
كنوز جيولوجية
ندوة خاصة
إنجاز علمي استثنائيٌّ قدّمه المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، لقطاع البيئة الوطنية والإقليمية والعالمية، عبر بعثة «رحلة العقد» التي جمعت كمية هائلة من البيانات العلمية التي ستُحدث ثورة في مجال البحوث البحرية. وتُمثل هذه البيانات ثروة حقيقية سوف تُسهم في دعم جهود حماية البيئة البحرية، من خلال فهم أفضل للتنوع الأحيائي والتهديدات التي تواجهه، كما سوف تساعد على تعزيز السياحة البيئية، من خلال إتاحة معلومات جديدة عن المواقع ذات الجمال الطبيعي الفريد، وتطوير مشاريع مستدامة في المنطقة، من خلال توفير معلومات علمية تُساعد في اتخاذ القرارات.
إنجاز علمي
في الندوة التي رعاها وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، تحت عنوان «رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر»، وحضرها الرئيس التنفيذي للمركز الدكتور محمد علي قربان، وشارك فيها عدد من الخبراء المحليين والدوليين في مجال العلوم البحرية وعدد من مسؤولي الجهات الحكومية وجهات ذات علاقة.
وفي الندوة؛ نوقشت تفاصيل الرحلة البحرية لاستكشاف بيئات البحر الأحمر وتنوعه الأحيائي وخصائصه البيئية، والتي شارك فيها 126 باحثًا على متن سفينتي الأبحاث العالمية «أوشن إكسبلورر»، والوطنية «العزيزي» بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، إضافة إلى مشاريع «نيوم» و «آمالا» و«البحر الأحمر».
«تأتي رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر، تجسيدًا لحرص المملكة وجهودها في حماية البيئة البحرية، إضافةً إلى التزامها بتطبيق أفضل التجارب والممارسات العالمية للحفاظ على التنوع الأحيائي والنظم البيئية، بما يحقق الإدارة المستدامة لها، وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030».
حماية الموائل
محاضرات، جلسات حوار، حملت هواجس الحفاظ على الموائل البحرية وضمان استدامتها والاستفادة من تنوعها، ومن بين أبرز محاضرات الندوة: «التنوع البيولوجي وتوزيع الشعاب المرجانية الضحلة والعميقة في البحر الأحمر» و «استكشاف الثقوب الزرقاء في ضفة فرسان» و «تقييم المخلفات البشرية في قاع البحر في الجزء الشرقي من البحر الأحمر»، و «البراكين والمداخن في الجزء العميق من البحر الأحمر»، و «الأسماك الغضروفية في الجزء الشرقي من البحر الأحمر»، وغيرها الكثير من المحاضرات الثرية.
التزام وطني
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد علي قربان وصف الندوة بأنها «تعكس التزام المملكة واهتمام قيادتها الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – بالحفاظ على البيئة واستدامتها، وحرصها على دعم الجهود العالمية لتحقيق التنمية البيئية، وهي تجسد حرص المركز على تنمية الحياة الفطرية وازدهارها وفق أفضل التجارب والممارسات العالمية الرائدة التي تساهم في تشكيل المشهد البيئي بما يتواكب مع الاستراتيجية الوطنية للبيئة وأهداف مبادرة السعودية الخضراء ومستهدفات رؤية المملكة 2030».
وأشار الدكتور قربان إلى ما سوف تُسهم به الدراسات والأبحاث في «تعزيز فهمنا للبيئة البحرية وتوحيد الجهود لحمايتها وتنميتها، في ظل حرص المركز على وضع خطة لحفظ ونشر البيانات للاستفادة منها في الأبحاث وتطوير الأعمال».
في الأهداف البعيدة
بدأت رحلة العقد في شهر فبراير 2022، لدراسة كامل المنطقـة الاقتصادية السعودية للبحر الأحمر، وإجراء دراسة شاملة للموائل البحرية وأعماق البحر، والتنوع الأحيائي، باستخدام أحدث الأساليب الجينومية، وصولًا إلى مجموعة من الأبحاث التطبيقية والمواد التعليمية والإعلامية من البعثة.
استهدفت الرحلة دراسة:
تنوع وتوزيع المرجان في المياه العميقة.
التنوع الأحيائي من أصغر الكائنات إلى الثدييات البحرية.
الكائنات البحرية في المياه العميقة والمتوسطة.
أنواع الثدييات وتنوع الموائل البحرية.
الخواص الكيميائية والفيزيائية للبحر الأحمر.
رسم خرائط لقاع البحر في المناطق الساحلية والمياه العميقة.