تبدو وكأنها آثار قذائف جاءت من الفضاء الكونيّ إلى الأرض في شكل نيازكَ، فأحدثت حُفرًا في القاع الطريّ قبل زمنٍ سحيق. ربّما تألّم الكوكبُ وقت تساقط تلك القذائف (النيازك). لكنّ طبيعته الحيّة أسست مساكنَ جديدة لكائنات في أحوج ما تكون إلى مثل هذه المخابئ الطبيعية.
إنها الثقوب الزرقاء، العالم الغامض في البحر الأحمر. الحُفر التي عالجت ضربات كونية قديمة، وآوت كائناتٍ منوّعة من وحشية البحر التي لا ترحم.
كنوز جيولوجية
الثقوب الزرقاء من التكوينات الجيولوجية النادرة المتناثرة في أنحاء مختلفة من العالم، وتمّ التعريف بها أول مرَّة عام 1971م. ومُذ ذاك، ظهرت في وسائل الإعلام بوصفها من عجائب الطبيعة ومن الظواهر النادرة، ومن أهمّ مواقع رياضات الغوص.
ومن خلال البعثة الاستكشافية للبحر الأحمر، رُصِد ما لا يقل عن 10 ثقوب زرقاء في المياه السعودية للبحر الأحمر، وقد بيّنت المسوحات الحقلية الأولية لاثنين منها أن أعماقها تُراوح بين 47 و51.5 مترًا. ويعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية حاليًا على دراسة كلّ هذه الثقوب الزرقاء بشكل معمق؛ لمعرفة أعماقها وجيومرفولوجيتها والبيئات التي تحتويها والتنوع الأحيائي المرتبط بها.
وبحسب الدراسات العلمية المتوفرة، فإن أعمق ثقب أزرق في العالم يقع شمال جزيرة درومند، جنوب الصين، وهو ثقب التنين (Dragon Hole) الذي يبلغ عمقه 300.9 متر.
من ميزاتها طول قطرها الدائري وحجمها الكبير، واحتضانها مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات الحية البحرية، بما في ذلك الأسماك والشعاب المرجانية والإسفنج والسلاحف، وفيما تتصل بسطح الماء من خلال فتحات صغيرة؛ تظهر هذه الثقوب بلونها الأزرق الداكن، وذلك بسبب انكسار أشعة الشمس في محيط الفجوة وانعكاسه من الأعماق.
وتمثل الثقوب الزرقاء 9% من المناطق البحرية المستهدفة بالحماية، وحجم المنطقة المتاحة هو 20 ألف كيلو متر، والهدف هو زيادة نسبة المحميات البحرية من 5.5% إلى 14.5%.
ميزاتها المنوعة تجعل منها وجهة سياحية مميزة، ومنطقة فرص للدراسات والأبحاث في التنوع الأحيائي البحري. في الوقت نفسه، تفرض ميزاتها الفريدة حماية عبر مبادرة رئيسة تشكل جزءًا من خارطة طريق المناطق البحرية المحمية بنسبة 30%.
ذلك بسبب الثراء الفريد في التنوع البيولوجي، وما يترتب على ذلك من ضرورة الحفاظ عليه واستدامته، وحمايته من الصيد والقنص التعسفي، والنشاط البشري الضار.
الثقوب الزرقاء في العالم مقصد آلاف السياح والمستكشفين، خاصة في بليز، وجزر البهاما، وبالاو، ونيو مكسيكو، ومصر، وغيرها. ويُعدّ الغوص والسباحة من الأنشطة السياحية الرئيسة المرتبطة بالثقب الأزرق، كما يرتبط بها العديد من الوظائف الدائمة والموسمية للسكان المحليين، حيث تدر الأنشطة السياحية دخلًا اقتصاديًا مهمًا في بعض الدول.
نهج إدارة للملاذ الآمن
الدلافين تعيش داخل الثقوب الزرقاء في البحر الأحمر، وقد وجدت ملاذًا آمنًا من المفترسات البحرية، وهو أمر نادر الحدوث حول العالم.
ويعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على رسم خريطة وتحديد مدى النظم البيئية للثقب الأزرق في البحر الأحمر، وتحديد وإجراء أبحاث مكثفة لتوثيق جميع العوامل الفيزيائية الحيوية، بما في ذلك رسم خرائط ثلاثية الأبعاد؛ والتعاون مع شركاء البحث والمتخصصين العالميين؛ وحصر التنوع البيولوجي البحري للأنظمة البيئية.
وهناك اقتراح لتصنيف الأنظمة البيئية ذات الثقب الأزرق كمنطقة محمية بحرية أساسية في إطار رؤية 2030.
ومن المهم، تحديد وتعريف قيم النظام البيئي للثقوب الزرقاء، فيما يتعلق باستقرار موائل الشعاب المرجانية، وملاجئ الثدييات البحرية، والعلوم والاكتشافات. كذلك تقييم التهديدات والتحديات التي تواجه الحفاظ على الثقب الأزرق، وتحديد أفضل الممارسات العالمية للحفاظ على الثقب الأزرق وإدارته.
لماذا زرقاء.. وداكنة؟
نظرًا لعمقها، فإن مياهها تبدو بلون أزرق غامق بالنسبة إلى المياه المحيطة بها التي تكون بألوان زرقاء فاتحة.
وبسبب طبيعتها المعزولة وظروفها البيئية الفريدة، تعدّ الثقوب الزرقاء نقاطًا ساخنة للتنوع البيولوجي الميكروبي، وعادة ما تكون الثقوب الزرقاء في المناطق الساحلية المنخفضة.
في التخطيط الراهن والمستقبلي أن يعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على إجراء دراسات شاملة حول البيئة، والتنوع البيولوجي، والتهديدات التي تتعرض لها الثقوب الزرقاء في المياه السعودية في البحر الأحمر لتحقيق الحفاظ على البيئة.