في حسّ بيئي فطريّ حرفيًّا، ترك أسلافنا لنا معيارًا للموازنة بين المتعارِضات.. «لا يموت الذيب.. ولا يفنى الغنم». ويبدو أن جذر المعيار أو المثل الشعبي، آتٍ من فكرة مصالحة عقدها إنسانٌ في عقله؛ بين حيوان مفترس، وآخر أليف.
غاية الفكرة، أن من حق الذئب أن يأكل قدر حاجته من الغنم، حتى لا يموت جوعًا. في الوقت نفسه، على الذئب ألّا يُسرف إلى حدّ فناء الأغنام.
شاع هذا المثل بفعل تجربة الإنسان الذي يلاحق الذئب أغنامه، الإنسان الذي استعان بالكلب وبالرّاعي من أجل إبعاد المفترس عن «الحلال».
هذا كان في الماضي، فماذا عن الحاضر؟
المؤشرات البيئية العالمية الراهنة تقول إن عواء الذئاب المؤلم سوف يتلاشى من مناطق شاسعة في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، إذا لم يتحرك العالم للإنقاذ والحفاظ عليه. هذه المخلوقات ذات الجمال الشرس وهياكلها الاجتماعية المعقدة، عليها أن تستمر في دورها الحيوي في الحفاظ على التوازن البيئي.
وإذا كانت الذئاب واحدة من الحيوانات المفترسة التي نجت من الانقراض الجماعي الذي حدث إبان العصر الجليدي قبل آلاف السنين، فإنها اليوم تواجه خطرًا حقيقيًا بانقراضها بعد المؤشرات المتزايدة لتناقص أعدادها بشكل كبير.
انخفاض أعداد الذئاب وصل إلى نقطة تحول حرجة. وظل العلماء ونشطاء البيئة يحذرون من العواقب الوخيمة لفقدان الموائل والصيد غير القانوني والتعدي البشري على أراضي الذئاب لعقود من الزمن، لكن مناشداتهم لاتخاذ إجراءات تكاد تذهب أدراج الرياح إلى حدٍّ بعيد.
المُتكيّفة.. المهيبة
تُعرف الذئاب بقدرتها المذهلة على التكيّف، وانتشارها على نطاق واسع في بيئات مختلفة حول العالم. وهناك نوع واحد معروف فقط من الذئاب، هو Canis lupus، ولكنه ينقسم أيضًا إلى أنواع عديدة فرعية متميزة، كل منها يتكيّف بشكل فريد مع بيئاته الخاصة.
منها الذئب العربي (Canis lupus Arab)، وذئب القطب الشمالي (Canis lupus arctos)، والذئب الأحمر (Canis lupus rufus)، والذئب الإثيوبي (Canis simensis)، والذئب المكسيكي (Canis lupus Baileyi)، والذئب الهندي (Canis lupus pallipes).
وقد تكيّفت كل سلالة فرعية مع بيئتها الفريدة، مما يدل على التنوع الملحوظ والمرونة التي تتمتع بها هذه الحيوانات الجذابة التي يواجه كلها تهديدات كبيرة.
الذئاب، مخلوقات (مهيبة)، ولطالما استحوذت على خيال البشر وسحرهم. وهي تنتمي إلى عائلة Canidae، ومعروفة بعوائها المميز، وبنيتها الاجتماعية، وقدراتها الرائعة على الصيد. تتمتع هذه الحيوانات الذكية والاجتماعية جدًّا بتاريخ معقد متشابك مع البشر، وتؤدي دورًا حيويًا في النظم البيئية.
وتمتلك الذئاب نطاقًا متنوعًا، إذ تسكن في مناطق مختلفة في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا وأجزاء من إفريقيا. عملها جماعي استثنائي ولديها استراتيجيات صيد تعاونية، عبر ما تشكله من وحدات عائلية متماسكة تتواصل عبر الأصوات ولغة الجسد وعلامات الرائحة، مما يضمن التنسيق الفعال أثناء الصيد والدفاع عن الأرض.
وكانت العلاقة بين الذئاب والبشر معقدة على مر التاريخ. واجهت الذئاب الاضطهاد وفقدان الموائل بسبب الأنشطة البشرية. وفي العديد من الثقافات، تم تبجيلها والخوف منها، وأصبحت موضوعًا ثريًا للأساطير والحكايات والأمثال.
صراع مع البشر
وعلى الرغم من أهميتها البيئية، فإن الصراعات بين الذئاب والأنشطة البشرية، وخاصة تربية الماشية، لا تزال قائمة. تفترس الذئاب أحيانًا الحيوانات الأليفة، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية وتوترات مع المجتمعات المحلية. ولا يزال تحقيق التوازن بين احتياجات الذئاب وسبل عيش الإنسان يمثل تحديًا، ويتطلب استراتيجيات إدارة دقيقة وتعاونًا بين أصحاب المصلحة.
وفي السنوات الأخيرة، تغيرت المواقف العامة تجاه الذئاب، مع تنامي الانتباه إلى أهميتها البيئية. وأسهمت جهود تعزيز التعايش من خلال وسائل الردع غير القاتلة، مثل: كلاب حراسة الماشية، وبرامج التعليم ومواجهة مفاهيم خاطئة، وتعزيز فهم أفضل لسلوك الذئاب ودورها في النظم البيئية.
وأدَّت جهود الحفظ دورًا حاسمًا في استعادة أعداد الذئاب في بعض المناطق. وأظهرت إعادة إدخال الذئاب في مناطق معينة، مثل حديقة يلوستون الوطنية في الولايات المتحدة، تأثيرًا إيجابيًا في النظم البيئية، وأسهمت عودة الذئاب في سلسلة من الفوائد، منها استعادة الغطاء النباتي والتوازن بين مجموعات الحياة الفطرية.
كيف حال «الذيب» العربي؟
الذئب العربي هو نوع فرعي من الذئب الرمادي ربما يشاركه الذيب القطبي والأثيوبي، يعيش فقط في دول شبه الجزيرة العربية اليوم، ويتكيف مع البيئات الصحراوية، ويختلف حجمه من منطقة إلى أخرى؛ غير أنه يظل أصغر بكثير من الأنواع الأخرى من الذئاب، حتى عندما يكتمل نموها. ومن المحتمل أن يكون السبب في ذلك هو أن الجسم الأكبر يتطلب المزيد من القدرة على التحمل والطاقة، ونظرًا لأنه يعيش في الصحراء، فإن الجسم الأصغر هو الأمثل للتكيّف.
في بيئة المملكة
موطن الذئب العربي هو المناطق الجبلية في الجنوب الغربي من المملكة العربية السعودية، وفي الموائل الطبيعية الصخرية في شمالها، كما يطغى في البيئات الجبلية والصخرية والأودية حول المستوطنات البشرية.
وينتشر في معظم شبكة المناطق المحمية في المملكة، مثل: محمية الوعول، وريده، وجبل شدا الأعلى، ومحمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية، ومحمية الملك سلمان الملكية.
وتعيش الذئاب العربية في أزواج، وتكون في قطعان صغيرة مكونة من 3 إلى 4 ذئاب، وهذا عدد قليل بالمقارنة مع الذئاب الرمادية التي يصل تعدادها إلى 15 ذئبًا؛ ذلك لأن الذئاب العربية تعيش في مناطق قاحلة غالبًا التي تقل فيها الفرائس كثيرًا.
ويحدث تزاوج الذئاب عادة بين شهري يناير وأبريل، وتستمر فترة الحمل 9 أسابيع.
أمَّا قائمة طعامها فهي منوعة، إذ تتغذى على الثدييات الصغيرة وذوات الحوافر البرية والسحالي الكبيرة. ولكن الأشهر في غذائها هو الأغنام في المراعي.
ويبلغ متوسط عمر الذئب العربي بين 6 – 8 سنوات في البرية، و10 – 12 سنة إذا تم الاحتفاظ به جيدًا في الأسر. ولكن مع تقدمها في السن، يمكن أن تعاني هذه الذئاب العديد من الأمراض الشائعة التي تهددها بالموت.
صراع البقاء
تصنف الذئاب العربية بحالة (مهدد بالانقراض EN)، وتعتبر من أكثر الحيوانات تعرضًا للتهديد في المملكة. إذ يتم مطاردتها وإطلاق النار عليها وشنقها. ويخشى سكان القرى ومربو الماشية من مهاجمة الذئاب لقطعان أغنامهم. وغالبًا ما يقتلون الذئب على الفور ويعلقونه عند مدخل القرية. ويعد استخدام «التعليق على الأشجار» لعرض الحيوانات آكلة اللحوم المقتولة، وخاصة الذئاب والضباع، ممارسة شائعة.
وانطلاقًا من الهدف الرئيس للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية؛ فإنه يعمل من سنوات على إجراء دراسات جينية على مجموعات منفصلة من الذئاب العربية المنتشرة في شمال وجنوب غرب المملكة. كما يعمل على إكثار الذئب العربي في مراكز الأبحاث والإكثار التابعة له، تمهيدًا لإعادة توطينه في موائله الطبيعية.
وفي الجانب التوعوي يتم نشر مواد توعوية للمحافظة على الذئب العربي في حسابات المركز على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ويستقبل البلاغات الواردة من المواطنين عبر قنوات التواصل للمركز.
ويُغرَّم كل من يصيد الذئب العربي بمخالفة تبلغ 80 ألف ريال سعودي، ويحظر عرضه أو بيعه أو بيع مشتقاته ومنتجاته أو نقله دون الحصول على ترخيص من المركز. وتأتي هذه الإجراءات استنادًا إلى اللائحة التنفيذية لحماية الكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها.
في صفحات الكتب
يحضر الذئب في عناوين كثير من الكتب العربية، ولكن بمحتوى ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
• الأول معنوي يتناول صفات هذا الحيوان، وغالبًا ما تكون سلبية.
• والثاني مخصص للحديث عن الذئب كحيوان وما يتعلق به من الناحية العلمية والأدبية والتراثية.
• والثالث لقصص الأطفال مثل القصة العالمية «ليلى والذئب»، و»الراعي الكذاب».
ومن أمثلة القسم الأول، «أسطورة الرجل الذئب» لأحمد خالد توفيق، ورواية «رمز الذئب» لمحمود سالم، و»طعم الذئب» لعبدالله البصيص، و»ما أجملك أيها الذئب.. جائع وتتعفف عن الجثث!» للشاعر قاسم حداد.
ومن أمثلة القسم الثاني، «الذئاب في التراث العربي» لمحمد عبدالرحمن عدس، الذي يتناول الذئب من خلال الأدب والتاريخ والشعوذة.
وهناك «الذئب في الأدب العربي» لفضل بن عمار العماري، و»الذئب العربي طباعه وعلاقته بالإنسان» لسعد بن عبدالعزيز الشبانات، و»الذئب في البيئة الصحراوية» لعبدالرحمن بن عبدالله الناصر، الذي يركز على السلوك والصفات والخصائص.
وهناك أيضًا «الذئب: سلوكه وطبيعته» لمحمد عبدالله غانم، وهو ذو ناحية علمية، ويركز على السلوك والنظام الغذائي والتكاثر.
.. فَذهَبَ مثلًا!
إضافة إلى المثل الشعبي الدارج «خلك ذيب»، فإن للذئب حضورًا بارزًا في الأمثال العربية، بوصفه رمزًا للعديد من الصفات والخصائص، إيجابية أو سلبية.
كثيرٌ من هذه الأمثال ورد بلغة فصيحة، لكن العوامّ استخدموا الأفكار نفسها بلهجاتهم المحلية.
الشجاعة والقوة:
• أشجع من ذئب.
• ذئب في الغابة.
• إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب.
الدهاء:
• ذئب في ثياب حَمَل.
• ذئب في غابة خرفان.
• يبدّل الذئب وبَرَه لا طبعه.
• الذئب لا يهرول عبثًا.
الوفاء:
• ذئب لا ينسى صيده.
• ذئب وفّى بعهده.
• الذئب لا يأكل من ذئب.
الغدر:
ذئب يغدر بالخراف.
ذئب لا يأكل من رأسه.
الذئب للضبع.
الجشع:
• ذئب جائع.
• ذئب لا يشبع.