في البدء؛ كانت الطبيعة أمّاً لكلّ ما يحملُ روحاً. وفي البدء تأسّست نواة الحياة بإرادة فطرت الخليقة على ظهر الكوكب. وقبل أن يستخلف اللهُ الإنسانَ في الأرض؛ منحه المُكنة ليكونَ جزءاً من عمارتها، وألهمه ما يؤمّن قوته، ويستصنع ملبسه، ويُهيّءُ مسكنه.
تعرّف الإنسانُ الأول إلى مفاتيح أولى في فهم أمه الطبيعة. أخذ منها ما يحتاج. طوّع ما يستطيع. دارى ما يخاف. وحقبة في إثر حقبة تراكمت لديه المعرفة، وعرف كيف يصطاد، ويُشعل النار، ويطهو الطعام. عرف كيف ومتى يزرع، ومتى يحصد، وكيف يخزّن المؤونة، وكيف ينقل معرفته إلى الأجيال اللاحقة.
التطور البشري رافقته زيادة في القدرة على استغلال الموارد، وابتكار وسائل وآلات القدرة . وعبر آلاف من السنوات الهائلة؛ طوّر الإنسان علاقته بالآلة، لتكون يده في نيل ما يريد من الطبيعة.
وهنا؛ بدأت مشكلة الأم مع أبنائها البشر. الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يمكنه إيذاء الطبيعة على النحو المُخرّب والخطير. وبقوة الآلة وميكنتها واختصارها الوقت والمسافات؛ زحف أكثر فأكثر نحو محرّمات الطبيعة.
وخلال القرنين الأخيرين؛ أثبت الابن أنه الأقدر على الذهاب بعيداً في العقوق. وذلك حين بدأت عواقب أعماله تظهر أكثر فأكثر في الحرث والنسل، ووصلت إلى الهواء والماء، وبات عليه أن يراجع ضميره الفطريّ في مسائل عاجلة وأساسية وغير قابلة للتسويف.
هنا؛ نهضت المؤسسات الأممية بمسؤولية التنبيه إلى ما يجري، وعُقدت المؤتمرات، وشُرّعت القوانين، وتأسست المنظمات، وتعاونت الحكومات على البرّ بالطبيعة، لمساعدتها على التعافي وعلاج أمراضٍ جلبها أبناؤها إليها.
والمملكة العربية السعودية جزءٌ من المنظومة الدولية الفعّالة في مشاريع الإصحاح البيئي، والمساعدة على إنقاذ الطبيعة من مشكلاتها المتراكمة، متعاونةً مع المؤسسات والحكومات الدولية، من أجل أن تتحسّن صحة الأرض، ويستعيد الحيوان مكانته، وتعود النباتات إلى بيئاتها.
أعمالٌ هائلة يجري العمل عليها في المملكة، وفي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية رسالة متشعبة ومركبة ومكثّفة من أجل تحقيق واقع “الاستدامة”، فيما يخص الكائنات الفطرية من النباتات والحيوانات، والنظم البيئية الكثيرة.
وتأتي هذه المجلة لتشارك في الرسالة على الوجه الخاص بـ “الحياة الفطرية”، وتسعى إلى التأثير الإيجابي في المجتمع بوصفه شريكاً لا يمكنه الاستغناء عنه في المسألة البيئية عموماً، والمسألة الفطرية على وجه خاص.
رسالة “الحياة الفطرية” هي من المجتمع وإلى المجتمع في آنٍ واحد. إنها خلاصة الخلاصات من واقع الكائنات التي تشاركنا الحياة، وعدداً بعد عدد؛ نسعى إلى نطرح المهمّ والجوهريّ ليتعرف الناس إلى ما ينبغي عليهم أن يحافظوا عليه من مكتسبات، وما عليهم أن يتخلّوا عنه من سلوك، وما هو مطلوب منهم ليكونوا مشاركين فاعلين ومؤثرين.
الطبيعة هي أمّنا الحيوية، كنا أن الوطنّ هو أمّنا الواقعية، كما أن المجتمع هو أمّنا السكانية، كما أن الأسرة هي أمّنا الإنسانية.