[issue-single-data]

الشفافة المفترسة تحمي بيئة البحر

الشفافة المفترسة تحمي بيئة البحر

اكتشاف 3 أنواع رخوية من Firoloida desmarestia

الرخويات جزء لا يتجزأ من صحة النظم البيئية البحرية ووظائفها، وتؤثر في شبكات الغذاء، وبنية الموائل، ودورة المغذيات، ونوعية المياه. وأدوارها البيئية، جنبًا إلى جنب مع أهميتها الاقتصادية؛ وهو ما يجعل من حمايتها وحفظ مجموعاتها أمرًا ضروريًا للحفاظ على توازن وتنوع الحياة في المحيطات.
وتُعدُّ الرخويات حيوية للنظم البيئية البحرية، فهي تشكِّل حجر الزاوية في شبكات الغذاء، وتُسهم بشكل فعَّال في تشكيل البيئات البحرية ودورة العناصر الغذائية وجودة المياه. وهي تشمل أنواعًا متنوعة يؤدي كل منها دورًا بيئيًا فريدًا. وتدعم الرخويات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، وتوفر الغذاء والفوائد الاقتصادية. كما تساعد في الحفاظ على توازن البيئات البحرية من خلال تصفية المياه، والتحكم في نمو الطحالب، وإنشاء موائل مثل الشعاب المرجانية للمحار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعمل الرخويات كمؤشرات بيولوجية، تعكس صحة الأنظمة البيئية. ولذلك، فإن الحفاظ عليها أمر بالغ الأهمية للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري واستقرار النظام البيئي، حيث إن إهمال حمايتها سيؤدي إلى عواقب وخيمة على صحة المحيطات.
رحلة العقد
كان استكشاف أعماق المحيطات والبحار مصدرًا لسحر العلماء وعشاق الطبيعة على حد سواء. ومن بين عدد لا يُحصى من أشكال الحياة التي تسكن هذه العوالم المائية، تبرز الرخويات بسبب تنوعها المذهل وقدرتها على التكيف. وتكشف البعثات الاستكشافية الحديثة والتقنيات المتقدمة عن أنواع جديدة من الرخويات التي ظلت مخفية لقرون، وهو ما يُظهر التنوع البيولوجي الغني في المياه، ويُسلِّط الضوء أيضًا على الحاجة الماسة لحماية هذه البيئات الحساسة.

في إنجاز علمي بارز، نظَّم المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عام 2022م، رحلة استكشافية بحرية مكثفة في البحر الأحمر، استمرت 19 أسبوعًا، بمشاركة 126 خبيرًا. هدفت هذه الرحلة إلى استكشاف المناطق البكر في البحر الأحمر، ورسم خريطة بيئية شاملة لها، ودراسة التنوع الأحيائي الغني في هذه البيئة. وقد أسفرت هذه الجهود عن اكتشافات علمية مهمة، حيث تمكَّن الباحثون من تحديد أنواع جديدة من الكائنات البحرية، وفهم أعمق للتفاعلات البيئية في هذه المنطقة الحيوية.
اكتشاف مذهل
في أعماق البحر الأحمر، تمكّنت الغواصة التابعة لسفينة البحث (ROV OceanXplorer) من رصد وتسجيل ثلاث عينات حية لرخويات نادرة من نوع (Heteropod)، وهي من فصيلة قواقع القطب (Firoloida .desmarestia) وهذا الاكتشاف يمثل أول رصد لهذه الأنواع في هذه المنطقة.
ومؤخرًا، أثار اكتشاف نوع جديد من الرخويات (Firoloida desmarestia)، اهتمام المجتمع العلمي. ينتمي هذا النوع إلى فئة بطنيات الأرجل، وهو نوع من الحلزونات البحرية السطحية، أو الجناحيات، التي توجد في المحيط المفتوح. كان جنس (Firoloida) معروفًا بالفعل بجسمه الرقيق والشفاف وقدراته الفريدة على السباحة، لكن (Firoloida desmarestia) يتميز بخصائص تميزه عن أقاربه.
تم رصد جميع انواع الرخويات عديمة الصدفة (Pterotracheidae) في الطبقات السطحية للمحيطات حول العالم باستثناء المناطق القطبية، وهو ما يشير إلى توزيع جغرافي واسع لهذه الأنواع.

وخلال عمليات البحث، لوحظ اختلاف في سلوك السباحة بين الجنسين، حيث تسبح الذكور في عمود الماء، بينما تفضل الإناث الاقتراب من القاع. وقد تم رصد جميع الأنواع الثلاثة في ساعات الصباح، وهو ما يثير تساؤلات حول سلوك الهجرة الرأسية المحتمل لهذه الأنواع للوصول إلى المياه العميقة خلال النهار.
وخلال رحلة الاستكشاف جرى رصد ثلاثة أفراد بالغة من نوع (F. desmarestia) على أعماق متقاربة (350، 400، 464.5 مترًا)، وكان لافتًا للنظر أن الأنثى تم رصدها في أعمق هذه المستويات، ما يؤكد قدرة هذا النوع على التكيف مع الحياة في أعماق مختلفة، سواء كانت ضحلة أو عميقة.
تُعدُّ (Heteropods) الرخويات الوحيدة التي تكمل دورة حياتها بالكامل كعوالق. وهذه الكائنات البحرية فريدة من نوعها، حيث طورت تعديلات فيزيولوجية تمكّنها من العيش في المياه المفتوحة. وتشمل هذه التعديلات تغييرات جوهرية في شكلها الخارجي ووظائف أعضائها الداخلية، وهو ما سمح لها بالتكيف مع نمط الحياة العائم والسباحة الحرة في البحار والظروف البيئية الخاصة.
شفافة ومفترسة
هي كائنات عائمة ومفترسة، حيث يتم تقليص أو غياب صدفيتها بالكامل في الشكل البالغ، وقدماها عبارة عن زعانف رقيقة ومتموجة لتدفعها عبر المياه، وجسمها شفاف تمامًا باستثناء الأحشاء، وهو تكيف مثالي للحركة

غير المرئية في الماء. أمَّا كتلة الأحشاء، فتحتوي على الجهاز الهضمي، والقلب، والكلى، وجزء كبير من النظام التناسلي. من بين أهم ميزاتها، وجود زوج من العيون الكبيرة الكروية والتعديلات على الأقدام، الذي يكون مضغوطًا من الجانبين وممدودًا مما يعطي زعانف للسباحة.
ومن أبرز السمات المميزة، جسمها الشفاف الطويل، الذي قد يصل طوله إلى 10 سنتيمترات. مع لمعان خافت يجعل من الصعب رصده في بيئته الطبيعية. يفتقر هذا النوع إلى صدفة، وهي سمة مميزة للعديد من الأجنحة، وتسمح له أطرافه الشبيهة بالأجنحة بالسباحة برشاقة عبر الماء.
تسبح (Heteropods) في وضع مقلوب، تدفعها حركات زعانف السباحة السريعة المرفوعة في عمود الماء.
وتُظهر هذه الرخويات قدرة عالية على التكيف، حيث تم تصنيفها في البداية بشكل خاطئ ضمن مجموعات حيوانية مختلفة كدودة عائمة، أو من الجلديات (العضليات)، وحتى من الأسماك نظرًا لتحولاتها التشريحية الملحوظة. غير أن الدراسات الحديثة أكدت أنها تنتمي إلى الرخويات، وتميزت بكونها (سباحة نشيطة وصيادة منفردة).
يلقي اكتشاف (Firoloida desmarestia) الضوء على التنوع البيولوجي المذهل للمحيطات والبحار. وبصفته مفترسًا للعوالق الحيوانية، يؤدي هذا النوع دورًا حاسمًا في شبكة الغذاء البحرية، وهو ما يساعد في تنظيم أعداد الكائنات الحية الأصغر، ويسهم في التوازن العام للنظام البيئي. وبفضل التطور التكنولوجي، سيتم الاقتراب أكثر فأكثر من فهم هذه المخلوقات الغامضة وتأثيرها على الكوكب؛ لأن كل اكتشاف جديد يعزز الإدراك بأهمية الحفاظ على كنوز البيئة المتنوعة.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد