المهندس وائل بن عدلي بوشه
الرئيس التنفيذي
مؤسسة تنمية الغطاء النباتي الأهلية – مروج
في خضم التحديات البيئية المتسارعة التي تواجه كوكبنا اليوم، والتي تتجلى في صور شتى من تغير المناخ وتدهور النظم الإيكولوجية وفقدان التنوع الأحيائي، تتعاظم أهمية الشراكة المجتمعية في صياغة الحلول الفعالة وتعزيز الأثر الإيجابي، ولا سيَّما في مجالات صون التنوع الأحيائي واستدامة البيئة. ويبرز المجتمع المدني، بما يضمه من جمعيات ومؤسسات ومبادرات تطوعية، كشريك فاعل ومؤثر في تحقيق هذا الهدف الوطني والعالمي النبيل، بل وكقوة دافعة للتغيير الإيجابي المنشود.
لقد أدركت مؤسسة تنمية الغطاء النباتي الأهلية “مروج” منذ انطلاقتها، أن العمل البيئي الحقيقي والمستدام لا يُبنى فقط على الدراسات والخطط النظرية، ولا يقتصر على القرارات الحكومية والإجراءات الرسمية، بل يتطلب حراكًا مجتمعيًا واعيًا يشارك بفعالية في التصميم والتنفيذ والمتابعة، ويقود دفة التغيير، ويحرص على استدامة النتائج على المدى الطويل. ولهذا، وضعت المؤسسة على رأس أولوياتها بناء جسور متينة وقنوات تواصل فعالة مع القطاع غير الربحي، وتمكين الجمعيات البيئية المتخصصة، وتحفيز العمل التطوعي المنظم، وتعزيز ثقافة الانتماء البيئي والمسؤولية المشتركة في كافة شرائح المجتمع، إيمانًا منها بأن حماية البيئة هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الجميع.
لقد أثمرت هذه الرؤية الطموحة وهذه الجهود الدؤوبة عن مشاريع نوعية رائدة نعتز بها، كان فيها المجتمع المدني طرفًا أصيلًا لا مكملًا، وشريكًا فاعلًا لا مجرد متلقٍ للتوجيهات. فمن مبادرات التشجير الكبرى التي غطت آلاف الهكتارات في أنحاء المملكة، وأسهمت في استعادة الغطاء النباتي المتدهور ومكافحة التصحر، إلى مشاريع نثر البذور المبتكرة التي اعتمدت على تقنيات حديثة لزيادة فعالية الإنبات وتنوع الأنواع النباتية؛ ومن مشاريع توسيع الغطاء النباتي في المحميات الطبيعية التي هدفت إلى حماية النظم الإيكولوجية الهشة والحفاظ على التنوع الأحيائي الفريد، إلى مبادرات تشجير
المساجد التاريخية التي جمعت بين البعدين الروحي والبيئي، وأضفت لمسة جمالية على هذه المعالم الثقافية العريقة؛ ومن مشاريع تعزيز استخدام المياه الرمادية في ري الحدائق المنزلية والمساحات الخضراء العامة، التي أسهمت في ترشيد استهلاك المياه العذبة وتخفيف الضغط على الموارد المائية الشحيحة، كلها شواهد حيّة وقصص نجاح ملهمة على ما يمكن أن يحققه التكاتف المجتمعي حين يتلاقى مع رؤية واضحة وإرادة مؤسسية صلبة.
ولأن التنوع الأحيائي يمثل إحدى الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، والضامن لاستقرار النظم الإيكولوجية، والأساس لرفاهية الإنسان، فقد عملت “مروج” على إدماج مفاهيمه وقضاياه في كافة مبادراتها وبرامجها، وربط حماية الأنواع النباتية والحيوانية والنظم البيئية المتنوعة بالتنمية المحلية المستدامة، إيمانًا منها بأن التنمية الحقيقية هي التي تراعي البعد البيئي وتحافظ على حقوق الأجيال القادمة. ونحن نؤمن في “مروج” أن صون التنوع الأحيائي ليس ترفًا بيئيًا أو شعارًا نخبويًا، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأجل في الأمن الغذائي والمائي والصحي لوطننا، ومصدر لتنويع مصادر الدخل، وأساس لتعزيز قدرتنا على التكيف والصمود في وجه التغيرات المناخية المتسارعة والآثار البيئية السلبية.
لقد أثبتت التجارب العالمية الرائدة والقصص الملهمة من مختلف أنحاء العالم، أن المجتمعات المحلية الواعية بأهمية التنوع الأحيائي، والمُمكنة بالمعرفة والأدوات والمهارات اللازمة، والقادرة على التأثير في السياسات والقرارات المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية، هي الأقدر على حماية تنوعها الأحيائي الفريد، والحفاظ على نظمها الإيكولوجية الثمينة، وتحقيق التنمية المستدامة التي تلبي احتياجاتها وتطلعاتها. ونحن في المملكة العربية السعودية، في ظل دعم قيادتنا الرشيدة وتوجيهاتها السديدة، وفي إطار رؤية 2030 الطموحة التي تضع الاستدامة البيئية في صميم أولوياتها، نمضي بخطى واثقة وثابتة نحو إعادة بناء علاقتنا المتوازنة والمتناغمة مع
الطبيعة، واستنهاض الحس الجماعي تجاهها، وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التنوع الأحيائي كموروث طبيعي وثقافي يجب صونه للأجيال القادمة.
ومن هنا، نوجِّه دعوتنا الصادقة والملحة لكافة أفراد المجتمع ومؤسساته ومنظماته: البيئة مسؤوليتنا جميعًا، والحفاظ عليها واجب ديني ووطني وإنساني. ومهما عظمت الجهود الرسمية والمبادرات الحكومية، فإن نجاحها وفعاليتها على المدى الطويل مرهون بشراكة صادقة وفعَّالة مع المجتمع المدني، وبمشاركة واسعة من كافة فئات المجتمع وشرائحه. فكل شتلة نغرسها في أرضنا، وكل متر مربع نعيد تأهيله من بيئتنا المتدهورة، وكل نوع نباتي أو حيواني نحميه من خطر الانقراض، إنما هو لبنة أساسية نضعها بأيدينا في بناء مستقبل بيئي أكثر استدامة وازدهارًا لوطننا الغالي، ومساهمة قيمة نقدمها في الجهود العالمية الرامية إلى حماية كوكبنا والحفاظ على ثرواته الطبيعية.
وختامًا، نؤكد في “مروج” التزامنا الدائم والراسخ بتوسيع آفاق الشراكة والتعاون مع المجتمع المدني، وتعميق قنوات التواصل والتنسيق مع كافة الجمعيات والمؤسسات والمنظمات البيئية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي والمعرفي اللازم لها لتمكينها من أداء دورها الفاعل في حماية البيئة، وتوفير بيئة ممكنة ومشجعة للتطوع البيئي، واستقطاب المزيد من الشباب والنساء والروَّاد والمبتكرين في هذا المجال الحيوي، وتزويدهم بالمهارات والقدرات التي تعينهم على إحداث التغيير الإيجابي المنشود. فنحن نؤمن في “مروج” أن البيئة لا تستقيم ولا تزدهر إلا بمجتمع يؤمن بها، ويدافع عنها، ويصونها للأجيال القادمة، ويجعل من الحفاظ عليها أسلوب حياة وثقافة راسخة.