سادس وعول الكوكب يتوالد في البيئة المحلية
لم تكن ولادة الوعل الجبلي المعلن عنها في مارس الماضي، الحدث البيئي الأخير في محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية، إلا أنها كانت حدثًا نوعيًا في سياق مشروع استعادة هذا الكائن على وجه التحديد.
كانت حالة ولادة ضمن سلسلة متكاملة من مشروع متكامل يرعاه ويشرف عليه المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية؛ للحفاظ على هذا الكائن الذي كان حاضرًا بقوة في البرية قبل تعرضه للتهديد نتيجة عوامل مختلفة.
جاكي جوداس*
تصوير :كمعان
الوعل الجبلي (Capra nubiana) هو أحد أنواع الثدييات ذوات الحوافر الأصلية في المملكة العربية السعودية. كان هذا النوع في الماضي واسع الانتشار في موائل مناسبة في أنحاء المملكة. لكن العقود الأخيرة شهدت انخفاضًا كبيرًا في أعداده.
في أواخر الثمانينيات، أُطلقت برامج الحماية من قبل الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها NCWCD، التي تُعرف الآن بـ NCWبهدف استعادة أعداد هذا النوع في المملكة.
التصنيف وعلم الأحياء
ينتمي الوعل الجبلي (Capra nubiana) إلى رتبة مزدوجات الأصابع (Artiodactyla)، من عائلة البقريات (Bovidae) وتحت فصيلة الوعليات (Caprinae)، مثل الأغنام والماعز.
وعلى مستوى العالم، هناك ستة أنواع من الوعول:
الوعل الآسيوي (Capra sibirica) في جبال الهيمالايا.
الوعل الألبي (Capra ibex) في جنوب أوروبا.
الوعل الأيبري (Capra pyrenaica) في إسبانيا.
الوعل الإثيوبي أو واليا (Capra walie) في إثيوبيا.
الماعز البري (Capra aegagrus) الذي يعدُّ سلفًا
للماعز المحلي، في جبال القوقاز الكبرى وزاغروس.
الوعل الجبلي (Capra nubiana) في شبه الجزيرة
العربية وشمال شرق إفريقيا.
الوعل الجبلي هو أصغر أنواع الوعول الستة، ولأنه قريب جدًا من الماعز البري، فإنه يشترك معه في العديد من الخصائص البيولوجية المشتركة.
يتميز الوعل الجبلي بوجود فروق واضحة بين الذكور والإناث؛ إذ تكون الذكور أكبر حجمًا وأقوى بشكل ملحوظ. ويُراوح وزن الذكر البالغ عادةً بين 50 و75 كيلوجرامًا، بينما وزن الأنثى البالغة ما بين 25 و32 كيلوجرامًا. أمَّا قرون الذكور البالغة، فقد يصل طولها إلى 120سم، في حين أن قرون الإناث نادرًا ما تتجاوز 35 سم.
اهتمام كبير وحرص على تعزيز حضوره
وقد أُطلِقت برامج لإكثار الوعول في الأسر في مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية (KKWRC) في الثمامة، وفي مركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية في الطائف (PSFCWR). وقد جرى إطلاق الحيوانات المُربَّاة في الأسر إلى مواقع مختلفة في المملكة لتعزيز أعدادها أو لإعادة إدخالها إلى مواطنها الطبيعية. وجُلبت مجموعة من الوعول الجبلية 2005م، وأسست نواة إكثار لها في مركز الملك خالد ضمن برنامج إكثار الوعل الجبلي.
ونتيجة هذه الجهود، بدأ الوعل الجبلي يسجل حضوره في كثير من المحميات على مستوى المملكة، وباتت مشاهد قطعان الوعول مألوفة في محمية الوعول، ومحمية العلا، والسودة، وبعض المتنزهات الوطنية ومنها متنزه بلجرشي ومنتزه البيضاء، ويوجد على امتداد جبال مدين والحجاز وجبال السروات، وفي المنطقة الوسطى على امتداد جبال طويق وجبال أجا وسلمى.
كما يُعرف الوعل الجبلي بطبيعته الاجتماعية، حيث يعيش في قطعان تتألف عادةً من حوالي 20 فردًا (وقد يصل العدد أحيانًا إلى 50). تتكون هذه القطعان من الإناث، والصغار، والذكور الشابة التي لا تتجاوز أعمارها ثلاث سنوات. أمَّا الذكور الأكبر سنًا، فعادةً ما تعيش منفردة أو في مجموعات صغيرة مكونة من الذكور فقط وتنضم إلى القطعان المكونة من الإناث والصغار خلال فترة التزاوج الممتدة من أكتوبر إلى نوفمبر، حيث تخوض معارك شرسة لإثبات قوتها وضمان الوصول إلى الإناث، وهي مواجهات قد تؤدي إلى إصابات خطيرة أو النفوق.
عادةً ما تلد إناث الوعل الجبلي صغيرًا أو اثنين بين شهري مارس ومايو، وذلك بعد فترة حمل تستمر مدة خمسة أشهر. وعلى الرغم من أن الإناث يمكنها التزاوج عند بلوغها عمر ستة أشهر، فإنها غالبًا ما تبدأ التكاثر في عمر يُراوح بين سنة وثلاث سنوات. يمكن للوعل الجبلي أن يعيش حتى 12 عامًا في البرية، بينما قد يصل عمره إلى 18 عامًا في الأسر.
الوعل الجبلي حيوان نهاري يعتمد في تغذيته على الأعشاب وأوراق الأشجار المختلفة، خاصة أشجار الأكاسيا. وهو يفضل العيش في المناطق الوعرة والمنحدرة، التي تكون غالبًا جافة، في شبه الجزيرة العربية وشمال شرق إفريقيا.
التهديدات ومبادرات الحفظ
يُصنف الوعل الجبلي ضمن قائمة “معرض للانقراض” وفقًا للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، نتيجة التراجع المستمر والمقدر في أعداده، حيث انخفضت تجمعاته بشكل ملحوظ بنسبة لا تقل عن %10 خلال العقد الأخير.

توجد تجمعات صغيرة ومعزولة للوعل الجبلي في دول مثل: مصر، والأردن، وعُمان، وفلسطين، والمملكة العربية السعودية، والسودان. أمَّا في لبنان وسوريا، فقد انقرض تمامًا، بينما ما زال وضعه غير معروف في كلٍّ من اليمن، وإريتريا، وإثيوبيا.
كان الوعل الجبلي في الماضي منتشرًا بكثرة في معظم مناطق المملكة العربية السعودية، بدءًا من السلاسل الجافة في الحجاز ونجد، وصولًا إلى أعلى جبال السروات الخضراء.
وتؤكد النقوش الصخرية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، التي يعود تاريخها إلى عدة آلاف من السنين، وجود هذا النوع ودوره التاريخي في المنطقة.
ومن المرجح أن الوعل الجبلي كان يُصطاد لفترة طويلة كمصدر غذائي للبشر الذين عاشوا في شبه الجزيرة العربية، غير أن أعداده لم تبدأ بالانخفاض الكبير إلا في العقود الأخيرة. وقد تزايدت الضغوط على هذا النوع بسبب الصيد الجائر، وتدهور الموائل الطبيعية بسبب الرعي الجائر وفقدان الموائل بفعل انتشار الطرق والتوسع العمراني غير المنظم. هذه العوامل أدت إلى انكماش كبير في نطاق انتشار الوعل الجبلي وحجم تجمعاته.
غياب المفترس
وهناك عامل آخر يخص مملكة النبات، فقد أحدث انتشار الأنواع النباتية الغازية، مثل التين الهندي (Opuntia ficus-indica) القادم من أمريكا الوسطى، تغيرات جذرية في الغطاء النباتي في المناطق التي كان يعيش فيها الوعل الجبلي. هذا التغير قلّل من توافر الغذاء وملاءمة الموائل الطبيعية له.
إضافة إلى ذلك، فإن انخفاض أعداد أو اختفاء الحيوانات المفترسة الكبيرة، مثل الذئب العربي (Canis lupus)، والضبع المخطط (Hyaena hyaena)، والنمر العربي (Panthera pardus nimr)، قد أخلّ بالتوازن الطبيعي للنظم البيئية، وهو ما أثر سلبًا في أعداد الفرائس ومنها الوعل الجبلي.
إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يؤدي تغيّر المناخ إلى التأثير على أعداد الوعل الجبلي، من خلال تغييرات في حالة الموائل الطبيعية، ونقص توافر المياه، وزيادة وقوع الأحداث المناخية المتطرفة.
في ديسمبر 2021، جرى نقل خمسة عشر من الوعول الجبلية (خمسة ذكور وعشر إناث) من مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية (KKWRC) إلى مسيج ما قبل الإطلاق الذي يمتد على أربعة هكتارات في متنزه الملك عبدالله الوطني في السودة. وقد أتاح ذلك للوعول التكيف مع بيئتها الجديدة التي تختلف بشكل كبير عن البيئة الصحراوية الجافة التي تربت فيها في شمال الرياض. يقع المسيج على ارتفاع 2700 متر مربع، ويضم نباتات طبيعية مهيمنة عليها أشجار العرعر والشجيرات عريضة الأوراق من نوع الشث (Dodonaea viscosa)، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأعشاب المحلية. توفر الحجرة منظرًا طبيعيًا للمشهد الذي سيجري فيه إطلاق الوعول، وهو ما يعرضها للظروف المناخية المحلية.
كان العديد من الإناث التي نُقلت من مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية (KKWRC) حوامل، ووضعت ثمانٍ منهن مواليدهن داخل مسيج التكيف بين منتصف أبريل وأوائل يونيو 2022، وهو ما رفع العدد الإجمالي للمجموعة إلى 23 فردًا. في فبراير 2023، أُطلِقت جميع الوعول البالغ عددها 23 بعد قضاء 14 شهرًا في مسيج التكيف مع بيئتها الجديدة. ثم جرى إطلاقها مباشرة من مسيج التكيف، مع توفير الطعام
والماء خلال الأيام الأولى لمساعدتها على التأقلم مع الظروف الطبيعية المحيطة.
وفرت البيئة الطبيعية في متنزه الملك عبدالله الوطني موارد كثيرة، شملت غطاءً نباتيًا كافيًا، ومصادر غذاء متنوعة، ومياهًا عذبة متاحة في الأودية المجاورة، وهو ما ساعد الحيوانات على التأقلم بسرعة. بعد الإطلاق، توزَّعت الوعول بشكل طبيعي في أرجاء بيئتها الجديدة، التي تمتد على مساحة حوالي 15 كيلومترًا مربعًا، وهي منطقة مغلقة مع وجود سياج جزئي يحدُّ من الوصول السهل، لكنه يسمح بحركة الحيوانات بحرية.
ولضمان تتبع الوعول ومراقبة حالتها، زُوِّد عشرة منها (خمس إناث بالغات وخمسة ذكور بالغين) بأطواق تحتوي على أجهزة إرسال تعمل بالبطاريات، تزن هذه الأطواق بين 350 و660 جرامًا، وهي مجهزة بتقنيات متقدمة لتسجيل المواقع باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ومستشعرات لرصد درجة الحرارة، والنشاط، وحالات النفوق، بالإضافة إلى أجهزة إرسال (VHF) لتعقبها عبر الراديو الأرضي. تُسجل مواقع الحيوانات كل ست ساعات (أربع مرات يوميًا)، وتُرسل عبر الأقمار الصناعية باستخدام شبكة إيريديوم، وهو ما يتيح مراقبة دقيقة لتحركاتها وحالتها بعد الإطلاق.
• رئيس إدارة ترميم الطبيعة والنظام البيئي – السودة للتطوير
موقع جهود الحفاظ على الوعل الجبلي وأنواع رائدة أخرى في مشروع تطوير السودة كجزء من مشروع استعادة النظام البيئي المستمر.
تعزيز تعداد الوعل الجبلي في السودة
في عام 2021، أُسِّست شركة تطوير السودة، وكان من بين برامج عملها مشروع لاستعادة النظم البيئية بهدف المساهمة في تطوير وجهة جبلية فاخرة، وهي قمم السودة.
تضمنت جهود الاستعادة زراعة أنواع الأشجار المحلية لإعادة تأهيل الموائل المتدهورة، بالإضافة إلى إعادة إدخال الأنواع البارزة مثل الوعل الجبلي. تُركز الجهود على مساحة 630 كيلومترًا مربعًا تشمل السودة ورجال ألمع، مع إيلاء اهتمام خاص للمتنزهات الوطنية الممتدة على هضبة تبلغ مساحتها 15 كيلومترًا مربعًا.
في إطار هذا المشروع، يُنفَّذ برنامج لاستعادة الطبيعة والنظام البيئي، ويشمل استعادة أعداد الأنواع الرائدة، ومن
بينها الوعل الجبلي. ويُنفَّذ برنامج إعادة توطين الكائنات الفطرية الرائدة بالتعاون الوثيق مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية (NCW).
داخل منطقة تطوير السودة، توفر منطقة الجرف، والغابات المليئة بأشجار العرعر على ارتفاعات عالية، بالإضافة إلى الأودية والصخور المنتشرة، موائل مثالية للوعول. مع ذلك، وفقًا لتقارير حراس الطبيعة المحليين في محمية جرف ريدة، فإن أعداد الوعول البرية المتبقية في منطقة عسير قليلة جدًا. ولذلك، أُطلِق برنامج لإعادة توطين الكائنات الفطرية في عام 2021 وفقًا لإرشادات الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) لإعادة الإدخال والانتقال البيئي للحفاظ على الأنواع (IUCN/SSC 2013).
الوعول.. حضور متجذر في الذاكرة والتراث
تُعدُّ الوعول من أبرز الحيوانات التي ظهرت في النقوش القديمة، حيث احتلت نسبة %66.9 من مجموع الرسوم الصخرية في وادي “ضم” بالمملكة العربية السعودية. وقد ورد اسم الوعل في هذه النقوش بصيغة “وعل”، وهي الصيغة نفسها المستخدمة في اللغة العربية الفصحى.
وتُعرف النقوش الحسمائية بأنها كتابات منقوشة بلهجة عربية تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وقد انتشرت في صحراء حسمى خلال القرون التي سبقت الميلاد. وتتضمن بعض هذه النقوش مشاهد لصيد الوعول؛ إذ استُخدمت فيها الكلاب السلوقية. كما تشير بعض النقوش إلى أسماء الصيادين، مثل النقش رقم KJA 51 الذي يذكر قيام شخص يُدعى سعد باصطياد وعل. ويعود تاريخ هذا النقش إلى القرن الأول قبل الميلاد.
وقد ظهرت الوعول بشكل متكرر في النقوش النبطية التي عُثر عليها في مناطق تمتد من مدائن صالح جنوبًا إلى تدمر شمالًا. وقد أجرى الباحثون دراسات مستفيضة على هذه النقوش. وتُعدّ الوعول من أكثر الحيوانات ظهورًا في النقوش الثمودية والنبطية والصفائية التي انتشرت في شمال الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام والنقب وسيناء.
وبحسب دراسة متخصصة للدكتور حمود الدغيشي، وُجد الوعل مرسومًا في أحد عشر منظرًا من الرسوم الصخرية في وادي “ضم” بمنطقة تبوك، شمال السعودية. وقد “وجد كذلك مرسومًا مع مناظر طقوسية، وهو ما يدلّ على تقديس الوعل
عن سائر الحيوانات. ووجدت رسوم الوعل في مناطق عدة في الجزيرة العربية تنتمي إلى فترة العصر الحجري الحديث، ووعول بقرون طويلة ومعكوفة، ورسوم تنتمي إلى فترة العصر الحجري النحاسي، ورسوم للوَعِل أيضًا بقرن واحد وقَرْنَيْن، وبقرون ملتوية، كما عُثر على منظر صَيد الوعل بالرمح تعود إلى العصر الحديدي”.
وحظي الوعل بمكانة مميزة في الشعر العربي، خاصة في العصر الجاهلي، حيث كان يُنظر إليه بوصفه رمزًا للقوة والمنعة، ونسب بعض الشعراء أماكنهم إلى الوعول، يقول امرؤ القيس:
وتَحْسَبُ سَلْمَى لَا تَزَالُ كَعَهْدِنا
بِوَادِي الْخُزَامَى أَوْ عَلَى رَأْسِ أَوْعَالِ
وأطلقوا على جبل بين الشام والعراق “وعال”، يقول النابغة الذبياني:
أمِنْ ظَلَّامَةَ الدِّمْنُ البَوَالي
بمُرْفَض الْحُبَيِّ إِلَى وُعَالِ
ويقول أوس بن حجر:
أَمْ مَنْ لِعَادِيَةٍ تُرْدِي مُلَمْلَمَةً
كأَنَّها عَارِضٌ مِن هَضْبِ أَوْعَالِ
وقال الشاعر أمية بن أبي الصلت:
ليْتَني كنتُ قَبلَ مَا قد بدا لِيَ
رَاعِيًا فِي الجِبَالِ أرْعَى الوُعُوْلا