«الخَيثمة» عائدة إلى موئلها

مشروع سعودي رفيع المستوى لاستعادة النمر العربي

أكبر وأقوى أنواع القطط العربية، وبالمقابل هو الأصغر حجمًا بين سُلالات النمور جميعها. إنه النمر العربي، الواقع ضمن قائمة أندر حيوانات الكوكب.. هذه الندرة حدثت خلال القرن الماضي، بعد تزايد الصيد الجائر وتدمير الموائل، إلى حدّ أنه أصبح اليوم مهددًا بالانقراض، وعلى نحو خطير، لولا تدارك الأمر في برنامج إعادة التوطين للحيوان الذي ما زال رمزًا للثقافة والتراث في شبه الجزيرة العربية، وتمثّلاته في أساطير وحكايات شعبية.

وقد عُثر على صور النمر العربي المنقوشة في الفنون الصخرية القديمة في المملكة، كما شاع ذكره في التعبيرات اليومية الشائعة على ألسنة الناس والشعراء، ومنها التعبير التقليدي عن شخص ما بعبارة «نمر» بل وتسمية الأبناء بهذا الاسم.
ما هو..؟
من الناحية العلمية يُعرّف النمر العربي بأنه من الحيوانات الثديية اللاحمة (آكلة اللحوم) التي تندرج ضمن فصيلة السنوريات، وهو نوع فرعي من النمر، وموطنه الأصلي شبه الجزيرة العربية، ويبلغ طوله حوالي متر و80 سم، وارتفاعه 90 سم، فيما يصل وزنه إلى 35 كيلوجرامًا.
وميزته اللونية هي فراؤه الأصفر الفاتح، والبـقع السـوداء التي تنتشر على جسمه، كما أن له ذيلًا طويلًا يصل إلى 120 سم.

وهو حيوان انعزالي، ينشط نهارًا وليلًا، ولكنه يفضل التحرك ليلًا لتجنب الوجود البشري، ويعتمد في غذائه على الحيوانات البرية مثل الوعول والغزلان والأرانب والثعالب، كما أنه قد يهاجم المواشي في بعض الأحيان.
تتزاوج إناث النمور العربية مرة واحدة في السنة، بعد فترة حمل تستمر حوالي 100 يوم، وتلد الأنثى من شبل إلى 4 أشبال في كهف أو شق صخري، وتكون الأشبال عمياء عند الولادة، مثل القطط المنزلية، وتفتح أعينها بعد حوالي 10 أيام.
ولا تغادر الأشبال العرين وحدها حتى تصل إلى عمر 4 أسابيع على الأقل. وخلال هذه الفترة تستمر الأمر في نقل الأشبال من عرين إلى آخر مرات عديدة، لتقليل فرص عثور الضواري الأخرى عليها.
ويعيش النمر العربي في البرية حوالي من 10 إلى 13 سنة، بينما قد يصل عمره في مراكز الإكثار حتى 20 عامًا.

يوم وطني.. يوم عالمي
أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ علي النمر العربي وبذلت جهودًا كبيرة لتحقيق هذا الهدف من خلال مجموعة من المبادرات لضمان استمراريته في البرية والعمل على إعادة اطلاقه في مواطنه الطبيعية المعروفة.
وفي 18 يناير 2022م؛ أصدر مجلس الوزراء قرارًا تضمّن تحديد يوم العاشر 10 من شهر فبراير من كل عام يومًا للنمر العربي، وتتويجًا للجهود الوطنية؛ فقد صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة جعل اليوم نفسه يومًا عالميًا للنمر العربي.
الاهتمام السعودي وصل إلى قمة الهرم السياسي حين صدر توجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة

الهيئة الملكية لمحافظة العلا، بإنشاء الصندوق العالمي لحماية النمر العربي في فبراير 2019م، ضمن إطلاق مشروع محمية شرعان الطبيعية بمحافظة العلا.
ويهدف الصندوق إلى «المحافظة على النمر العربي وحمايته من الانقراض وزيادة أعداده في الطبيعة في مناطق انتشاره الطبيعي، ودعم الجهود الوطنية والدولية وحث المجتمعات على الإسهام في الحفاظ على النمر العربي، وعلى النظم البيئية التي يعتمد عليها، باعتباره أكثر حيوانات الجزيرة العربية تهديدًا بالانقراض، تماشيًا مع رؤية المملكة العربية السعودية نحو تحقيق استدامة بيئية».
تعاون مشترك
هذا الاهتمام العالي؛ وصل إلى تأسيس تعاون مشترك بين المركز الوطني

لتنمية الحياة الفطرية والهيئة الملكية لمحافظة العلا؛ شملت مجالات البحث العلمي، وتبادل الخبرات العلمية، وتعزيز التنوع الأحيائي في المناطق المحمية.
ويشمل التعاون توفير الحيوانات الفطرية التي يتم إكثارها في المراكز التابعة للمركز التي تحتاجها الهيئة لإطلاقها في المحميات الطبيعية، ودعم برنامج الإكثار التابعة للهيئة، والتنسيق بينها في عمل المتابعات والدراسات البيئية المشتركة، والتنسيق لبرنامج المحافظة على النمر العربي، والدراسات الحقلية المشتركة في مناطق التوزيع الجغرافي للنمر العربي في المملكة. ويتضمن التعاون كذلك التنسيق لإجراء مسوحات التنوع الأحيائي في المناطق التابعة للهيئة، والتعاون في مجال المحميات الطبيعية وتكاملها وتعزيز النظم البيئة والممرات الطبيعية للحياة الفطرية.

مسابقة قصة النمر العربي

أعلنت وزارة الثقافة عن إطلاق مسابقة قصة النمر العربي خلال الفترة من 26 ديسمبر الماضي إلى 10 فبراير 2024م، استهدفت الجيل الجديد.
المسابقة رقمية موجهة للأطفال واليافعين، وذلك تزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي للنمر العربي الذي يوافق

العاشر من فبراير في كل عام، ومن المخطط له أن يقوم المشاركون في المسابقة بإكمال قصةٍ قصيرة ورسوماتٍ وفقًا لنموذجٍ مُعدٍّ مسبقًا من قِبل وزارة الثقافة؛ لتحكي عن النمر العربي، وأهمية الاحتفاظ به، وتعزيز مكانة موطنه في المملكة.

النمر.. شاعرًا
عرف العربُ القدماء حيوان النمر، وصوّره شعراؤهم. ومن أقدم الإشارات إلى النمر في الشعر العربي؛ ما قاله امرؤ القيس (ت 540م) عندما وصف من يحبهم بأن مساكنهم رؤوس الجبال حيث يعدو النمر على شياههم:
أَحَبُّ إِلينا مِن أُناسٍ بِقِنَّةٍ يَروحُ عَلَى آثَارِ شائِهِمُ النَّمِرُ
وحين رثت الخنساء (ت 645م) أخاها صخرًا؛ فإنها قرنته بشجاعة النمر:
مَشْيَ السَّبَنْتَىْ إِلى هَيجاءَ مُعضِلَةٍ لَهُ سِلاحانٍ أَنْيابٌ وَأَظفارُ
ويقول دريد بن الصمة (ت 630م) رائيًا صديقه معاوية أخا الخنساء:
بِشِكَّةِ حازِمٍ لا عيب فيهِ إِذا لَبِسَ الكُماةُ جُلودَ نَمِرِ
حتى شاعر الغزل الأموي الشهير عمر بن أبي ربيعة؛ استخدم تعبر «التنمُّر» المعروف اليوم، بقوله:
إِذَا زُرتُ نُعمىً لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ لَها كُلَّما لا قَيتُها يَتَنَمَّرُ
لبس جلود النمور كناية عن الاستعداد للحرب، وهذا المعنى صوره الشاعر العباسي ابن الرومي في قوله:
سرى إليه عداة الله فانصلتوا مستأسدين علیهم جلدة النمرِ
ويستمر المعنى في السياق ذاته عند اللغوي أبي منصور الثعالبي (ت 1038م) الذي يقول:
والدهر من جفائهِ يلبسُ لي جلد النمِرْ
العدوُّ المحترم
وهناك قصة قمر شاعرية سردها القتال الكلابي (ت 690م)، وهو من الشعراء الصعاليك الذين فروا إلى جبال المدينة المنورة، وآخى فيها نمرًا له في كهف يتردد عليه، ولونه (جون)، وهذا من التضاد أي الأسود والأبيض رغم أن ظاهره يدل على السواد. وقد وصف النمر بالصاحب في أجمل صور الأنسنة.
ولكنه صاحب لا يعلّل، والحديث معه صمت دائم وله نظرات حادة كالرماح، وهو يصف النمر وصفًا دقيقًا في شكله وسلوكه ويقول إن عيونه « طحلاء» وهو اللون الترابي المائل للصفرة، كما هو بالفعل، وإن طعامهم (الأروى) أنثى الوعل.
وكأن القتال يعرض مشهدًا سينمائيا في وصف النمر. وأن لهما مجمع ماء جبليًا «قلت» يختلفان إليه، يشرب منه من يبتدره أولًا. وإن عداوته مع النمر عداوة مكللة بالاحترام.
ولي صاحبٌ في الغارِ هدَّكَ صاحِبًا هُوَ الجَونُ إِلَّا أَنَّهُ لا يُعَلَّلُ
إذا ما التقينا كانَ جلُّ حديثنا صِماتٌ وَطِرفٌ كَالمْعَابِلِ أَطحَلُ
تَضَمَّنَتِ الأروى لَنا بطعامنا كِلانا لَهُ مِنها نَصِيبٌ وَمَأْكَلُ
فَأَعْلِبُهُ فِي صَنعَةِ الزادِ إِنَّني أُمِيطُ الأَذِى عَنهُ وَلَا يَتَأَمَّـلُ
وَكانَت لَنا قَلتٌ بِأَرضِ مَضِلَّةٍ شريعتنا لأيِّـنا جـاءَ أَوَّلُ
كِلانا عَدُوٌّ لَو يرى في عَدُوِّهِ مَحَزًِّا وَكُلٌّ فِي العَدَاوَةِ مُجمِلُ

المصدر: دراسة (النمر العربي ..من حافة الانقراض إلى إعادة التوطين)
أحمد البوق ـ نوفمبر 2022