عدسة الطبيعة السعودية
في متحف اللوفر
منذ نعومة أظفاره، كان ينجذب نحو الرمال الذهبية التي تمتدّ بامتداد البصر، ويسحرُه هدوء الصحراء وسكونها، لم يكن يرى في تلك الرمال قسوةً أو جفافًا، بل لوحةً فنيةً رسمها الخالق بألوانٍ ساحرة. وهناك، بين كثبان الرمل، وُلد شغفه بتصوير الحياة الفطرية، ليكبر مع مرور الزمن ويصبح حلمه وشغفه وهوايته ومهنته.
بكاميرا بسيطة، بدأ رحلته في التقاط صورٍ للحيوانات التي تسكن الصحراء، لم يكن هدفهُ مجرّد التقاط صورة، بل تجسيد سحر تلك الكائنات وجمالها في بيئتها الطبيعية. تعلّم الصبر والمراقبة، وفهم سلوكيات الحيوانات، وانتظر ساعاتٍ طويلة للحصول على اللقطة المثالية.
مع مرور الوقت، تطوّرت مهاراته، واكتسب خبرةً واسعةً في مجال تصوير الحياة الفطرية، وشارك صورهُ في المعارض والمسابقات، ونالتَ إعجابَ الجميع.
ضيفنا كمعان الكمعان العجمي، المصور الذي يعرفه عن قرب كل من له علاقة بالحياة الفطرية في المملكة.
لحظة اكتشاف عالم المصور
ردًا على سؤال تقليدي عن بداية دخوله لهذا العالم الساحر، يقول:
“منذ طفولتي المبكرة، كانت صحراء الصمان بمنزلة مسرح طبيعي ساحر، حيث كانت رمالها ووديانها تشكل لوحة فنية خلابة. وهناك، بين إبلنا التي ترعى بهدوء، نشأ شغفي بتصوير الحياة الفطرية، وكانت طيور الحبارى، ذات الألوان الزاهية والتحركات الأنيقة، أولى أهدافي في عالم التصوير. ومع مرور الوقت، توسّعت اهتماماتي لتشمل مختلف أنواع الحيوانات التي تسكن الصحراء، وتعلّمتُ عن الثدييات الصغيرة، مثل الأرانب، وسلوكياتها المُدهشة في التخفّي والبحث عن الطعام”.
التحق بالهيئة السعودية للحياة الفطرية منذ تأسيسها، وما زال يواصل عمله إلى الآن في المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. يضيف: “لم يقتصر شغفي على تصوير الحيوانات في صحراء الصمان فقط، بل سافرْتُ إلى مختلف أنحاء المملكة، مستكشفًا تنوعها البيئي الفريد ومحاولًا التعرف إلى الكنوز الطبيعية التي تُخفيها. التقطتُ صورًا للحيوانات في بيئاتها الطبيعية، من الغابات الكثيفة إلى الجبال الشاهقة، سعيًا لتقديم صورة واقعية عن تنوع الحياة الفطرية في بلدي”.
يتابع: “صقلت مهاراتي في تصوير الحياة الفطرية من خلال تجارب ميدانية في: تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، وكولون بألمانيا. وأنا اليوم ولله الحمد أشارك خبرتي في مجال تصوير الحياة الفطرية من خلال إلقاء محاضرات وتقديم تدريبات عملية في المحميات ومراكز الأبحاث، بهدف تعريف المشاركين بسلوكيات الكائنات الحية في بيئتها الطبيعية”.
استعداد نفسي وبدني
نسأل ضيفنا عن استعداده لرحلة التصوير في المحميات وكيف يجهز لها، فيرد بالقول: “التحضيرات للتصوير في المحمية الطبيعية تبدأ بمعرفة الأحوال الجوية المتوقعة مسبقًا، ثم تحضير الكاميرات والعدسات والسيارة. كما أن الاستعداد النفسي أمر بالغ الأهمية؛ إذ يجب على المصور أن يكون مستعدًا نفسيًا وفي حالة جيدة من الراحة. فتصوير الحياة الفطرية ليس مجرد مهمة روتينية، بل هو عملية إبداعية تتطلب تركيزًا وانتباهًا”.
كتب ومعارض
- أصدرت عدة كتب ومن أشهرها: “تحت سماء السعودية”، و”جذور التراث السعودي”، برعاية رسمية من قبل وزارات الخارجية، والسياحة، والإعلام.
- أستعد لإصدار كتاب جديد عن الحياة الفطرية في المملكة برعاية المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وكتاب خاص عن محمية عروق بني معارض.
- أقمت معارض عديدة وآخرها كان “معرض سلمان الوفاء” لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث شرفني برعايته وافتتاحه.
- أفتخر بمشاركتي في معرض ومنتدى الفهد الصياد، حيث عرضت صوري وأفلام الفيديو التي التقطتها. كما أعتز باختيار صوري في الملف المقدم لمنظمة اليونسكو لتسجيل محمية عروق بني معارض، طبعًا إلى جانب انتشار صوري في كثير من الأعمال الإعلامية للمركز.
بمزيد من الإيضاح يضيف: “لا أندفع في التقاط الصور فور مشاهدة أي كائن بل أتبع أسلوبًا هادئًا يضمن احترام الحيوان وبيئته، وأبدأ بالسير ببطء شديد نحو الحيوان، مع الحرص على عدم إثارة أي ضوضاء أو لفت انتبـاهه. وأحرص على إصدار أصوات طبيعية حتى أُشعر الحيوان بالأمان، وأستمر في الاقتراب تدريجيًا، مع مراقبة سلوكه عن كثب، وأنتظر اللحظة المناسبة لالتقاط الصورة، عندما يكون الحيوان في حالة طبيعية ومرتاحًا. وأحرص على التقاط الصور من مسافة كافية دون إزعاج الحيوان”.
الشغف أولًا
يلخص ضيفنا تجربته الثرية والغنية التي تمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، قائلًا: “الشغف بالحياة الفطرية ركيزة أساسية للنجاح في هذا المجال، ومن دون شغف حقيقي، يصعب على المصور تحمل صعوبات ومخاطر رحلات التصوير، والاستمرار في التعلم والتطوير. وتصوير الحياة الفطرية رحلة ممتعة ومليئة بالتحديات، تتطلب الصبر والشغف والمهارة. ومع الاستمرار في التعلم والممارسة، سيتمكن المصور من التقاط صور مذهلة للحياة الفطرية تُجسد جمالها وتُسهم في الحفاظ عليها”.
دور المصور في الحفاظ على الحياة الفطرية
يُسهم مصور الحياة الفطرية في إبراز جمال هذه الحياة الفريد من خلال توثيق التنوع البيولوجي الغني في المملكة، ويمكنه جذب انتباه العالم إلى أهمية الحفاظ على البيئات. كما يؤدي دورًا مهمًا في التوعية البيئية من خلال مشاركة صوره وقصصه مع الجمهور، ويمكنه إلهام الناس لاتخاذ إجراءات معينة لحماية البيئة والكائنات الفطرية.
من اللقاء
• أشعر بالفخر والاعتزاز لوجود صوري في معالم بارزة مثل مزرعة سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز في العوجا بالدرعية، وديوان سمو سيدي ولي العهد، ومكتب معالي وزير البيئة، ومكتب سعادة الرئيس التنفيذي للمركز.
• أرتاح في التصوير بجميع المحميات؛ لأنها ملاذ لعشاق الطبيعة والتصوير. غير أن لمحمية عروق بني معارض مكانة خاصة لدي، فهي تُمثل جوهرة نادرة تبهرُ الناظرين بجمالها الاستثنائي، مما يجعلها وجهة مثالية لالتقاط صور تُخلد ذكريات مميزة.
• شاركت بشكلٍ فعالٍ في خدمة بلادي من خلال وجودي كمصور حربي مع الجيش السعودي خلال حرب تحرير دولة الكويت والدفاع عن جنوب المملكة العربية السعودية، وشاركت في العديد من المعارض الوطنية والإنسانية دون مقابل.
• حظيتُ بشرفٍ عظيمٍ عندما أعجب سمو الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، بصورٍ التقطتها للطبيعة السعودية، وقام برسمها وعرضها في معارض سموه.