مع المجتمع المحلّي يتكامل العمل، ومع المجتمع المحلي، أيضاً، يُصبح تفعيل التشريعات الحكومية أقلّ صعوبةً وتحدّياً. ومن أجلِ ذلك؛ تستمرّ الأفعال على تقديم قيمة مضافة إلى جهود أربعة عقود في العمل السعودي، وبالذات في مسألة المحميات الطبيعية، بوصفها إحدى العلامات الحيوية في البيئة المحلية والإقليمية.
منصّة أممية في الرياض لتعريف خبراء العالم بالمنجز السعودي
في الميدان
ومنذ قرابة 40 سنة؛ تشغل المحميات الطبيعية حيّزاً واضحاً من اهتمام القيادة السعودية. بدأ العمل في الميدان منذ تأسيس الهيئة الوطنية لتنمية الحياة الفطرية وإنمائها التي تطوّرت هيكلياً وتنظيمياً، حتى عام 2019؛ وفي 2021 تم إطلاق أعمال المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. وبدوره؛ جدّد المركز آلياته وجنّد طاقاته، ضمن منظومة المراكز البيئية التي أسستها الدولة.
وُضعت الأهداف المنظورة لهذا المراكز، لتتكامل في العام 2030؛ والسعي متواصل لتحقيق مبادرة “السعودية خضراء”، بكامل مشروعاتها. وفي العام نفسه؛ يجب أن تصل نسبة مساحات المحميات الطبيعية إلى 30%، من إجماليّ مساحة المملكة.
هذا يعني أن المحميات الطبيعية تدخل في صُلب الصلبِ من عمل المركز اليوميّ والاستراتيجي، وأصبح تعبير 30×30 معادلةً لا بدّ من تحقيقها على أرض الواقع.
منصة أُممية
ومن هنا؛ جاء منتدى “حمى” ـ في أبريل الماضي ـ ليكون الحدث الأبرز بيئياً في العام الجاري حتى الآن، ليس في موضوعه وتخصصه فحسب، بل في تنصيب منصّة مشتركة لقيادات أممية ومحلية، طرحت أفكارها وتطلّعاتها على المستوى الدولي والإقليمي والوطني. وكانت مسألة المشاركة المجتمعية محوراً رئيساً في المنتدى.
وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي؛ كان على رأس الحضور مُفتتحاً وراعياً للمنتدى. وبالطبع؛ كان الرئيس التنفيذي للمركز الدكتور محمد قربان في صُلب المشهد الذي استمرّ أربعة أيام.
أهمية المنتدى كانت واضحة؛ بحضور مدير مركز مراقبة
الحماية العالمي في برنامج الأمم المتحدة للبيئة نيفيل آش، ومدیر مناطق الحماية في البرنامج نفسه جيمس هاردکاسل. إضافة إلى مستشار التنظيمات الاجتماعية في الاتحاد العالمي لصون الطبيعة جونزالو أوفيديو، والمدير الإقليمي للاتحاد العالمي لصون الطبيعة لغرب آسيا الدكتور هاني الشاعر.. علاوة على شخصيات بيئية بارزة وكبيرة، دولياً ووطنياً.
وزن القصة يتزايد بفعل وزن المحميات الطبيعية نفسها، وموقعها البيئي الحساس حول العالم. وأتاحت منصة المنتدى الفرص لجلسات رئيسة وورش عمل واجتماعات جانبية، بالإضافة إلى زيارات ميدانية لمحميتي الوعول ومحمية الملك خالد الملكية، لاستطلاع الجهود التي تبذلها المملكة في هذا الإطار، بما في ذلك معالم المحميتين وما تحويانه من كنوز ثمينة.
من المجتمع.. إلى التنظيم
بالمجمل؛ فإن رعاية المحميات متأصلة في المجتمع السعودي، وهي ضمن ممارسات في الثقافة العربية القديمة، كتقاليد متوارثة، وبالذات في المراعي الخضراء وفي مواسم التزاوج والولادات التي تخضع لها الكائنات الفطرية المطلوبة للغذاء قديماً .
في العام 1986م؛ بدأ مشروع تخصيص محميات طبيعية في مناطق متفرقة من المملكة، مع تأسيس الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها. وهنا بدأ العمل. ثم تطوّر عبر المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على تنفيذ خطط للتصدي للأخطار المحدقة بالحياة الفطرية البرية والبحرية، انطلاقاً من رؤيته التي يسعى من خلالها الى الوصول الى “حياة فطرية وتنوع أحيائي ونظم بيئية برية وبحرية مزدهرة ومستدامة”، حاملاً رسالة تتضمن “الحفاظ على الحياة الفطرية والتنوع الأحيائي والنظم البيئية وتنميتها من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية في برامج شاملة وفاعلة لتحقيق الاستدامة البيئية وتعظيم الفوائد الاجتماعية والاقتصادية”.
المركز في رسالة
هذه الرسالة فصّلها الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية ، صبيحة افتتاح المنتدى، حول أدواره في مراقبة قطاع الحياة الفطرية وتطوير معايير وسياسات المناطق المحمية ضمن نظام المناطق المحمية في المملكة التي تشكل التوجه العام للمملكة للسنوات المقبلة لحماية المواقع الطبيعية المهمة للتنوع الأحيائي، مع إشراك كافة الجهات الحكومية والقطاعات الأخرى.
وقد أعد المركز خارطة وطنية للمناطق المحمية 30×30 التي تم الإعلان عنها في العام 2021م خلال مبادرة السعودية الخضراء، وكان من ركائزها الرئيسة حماية 30% من مساحة المملكة البرية والبحرية بحلول عام 2030، وكان ذلك قبل إعلان اتفاقية التنوع الأحيائي التابعة للأمم المتحدة للنسبة نفسها، لتصبح هدفًا عالميًا لجميع الدول الأعضاء في الاتفاقية.
وكان عقد المنتدى تأكيداً لالتزام المملكة بتحقيق اتفاقية 30 ×30 بطريقة فعّالة، ومرتبطة بالإطار العالمي للتنوع الأحيائي، والاستراتيجية الوطنية للبيئة ومبادرة السعودية الخضراء، إذ إن التوسع في المناطق المحمية وإدارتها إدارة فعالة ومتكاملة يشكل ركيزة أساسية في التنمية البيئية، ويُسهم ذلك في إثراء التنوع الأحيائي، والحد من التدهور البيئي، وإعادة تأهيل المناطق المتدهورة، كما يُسهم في امتصاص وتخزين الكربون بمعدل أعلى، إضافة إلى حماية الأراضي الرطبة والحد من فقد المياه وزيادة المياه الجوفية، وتعزيز التنوع الأحيائي.
ذلك أن العائد من المناطق المحمية لا يقتصر على الجانب البيئي، بل يتجاوز ذلك إلى الجانب الاجتماعي والاقتصادي، حيث تعزز المحميات الطبيعية الأمن الغذائي بتحقيق التنوع الأحيائي البري والبحري، وتوفر فرصًا سياحية وفرص عمل.
وشهد المنتدى توقيع مذكرات واتفاقيات، وخرج بقائمة من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية، كما تضمن المنتدى معرضًا مصاحبًا شاركت فيه المراكز البيئية والمحميات الملكية والمشروعات الكبرى والجمعيات والمنظمات البيئية الدولية.
المجتمع المحلي شريك في حماية المحميات ورعايتها.
اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم
مما شهده المنتدى توقيع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية اتفاقية تعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية لغرب آسيا IUCN لتعزيز التعاون بينهما في مجالات المحافظة على الحياة الفطرية وتنميتها وحماية التنوع الأحيائي.
كما وقّع المركز مذكرة تفاهم مع جامعة إكسفورد لتنظيم العلاقة بينهما في مجالات التعاون الخاصة بحماية الحياة الفطرية والمحافظة عليها في المملكة، من خلال البحث العلمي المشترك واللقاءات العلمية وتبادل الزيارات بهدف اكتساب المعرفة، وإثراء التنوع الأحيائي في المحميات بشكل خاص، وفي المملكة بوجه عام، بما يحقق الأهداف المشتركة للجانبين.
وقد وقع الاتفاقية كل من الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد علي قربان، والمدير الإقليمي للاتحاد العالمي لصون الطبيعة لغرب آسيا الدكتور هاني الشاعر، فيما وقع مذكرة التفاهم الرئيس التنفيذي للمركز، ورئيس قسم الأحياء في جامعة إكسفورد أ.د. تيم كولسون.
ووقع المركز مذكرة تفاهم مع جمعية رحمة للرفق بالحيوانات لتوفير إطار تنظيمي لتعزيز التعاون بينهما في مجالات البيئة والحياة الفطرية والتنوع الأحيائي من خلال استثمار امكانياتهما وخبراتهما المتاحة بما يحقق أهدافهما المشتركة.
كما وقع المركز مذكرة تفاهم أخرى مع جمعية أصدقاء الحياة الفطرية لوضع إطار لتنظيم التعاون بينهما في مجالات المحافظة على الحياة الفطرية وتنميتها واستدامتها وحماية التنوع الأحيائي وتوعية المجتمع بأهمية المحافظة عليها.
وقد وقع المذكرتين كل من الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية د. محمد علي بن بهاء الدين قربان، ورئيس مجلس إدارة جمعية رحمة أ. عبد العزيز عبد الله العقيل، ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء الحياة الفطرية أ. صالح بن عبد العزيز الحميدي.
توصيات المنتدى
• تفعيل المشاركة المجتمعية من خلال ممارسات الحماية التراثية لدورها المهم في فعالية إدارة المحافظة وتوزيع الموارد الطبيعية، وتوفير الحماية المتكاملة على المستوى الوطني والإقليمي.
• تنويع مصادر تمويل المحميات لتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي.
• أهمية تقييم الخدمات البيئية التي تقدمها المحميات، مع العمل على توحيد التشريعات الوطنية بما يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية.
• التذكير بالحاجة للمبادرات الزرقاء المتعلقة بالبيئات البحرية لتعزيز حماية النظم البيئية البحرية.
• التسريع في إعلان المناطق المحمية البحرية والبرية لتحقيق هدف 30X30 بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
• ضرورة استثمار انشطة السياحة البيئية في الرقابة والرصد البيئي واتساق التخطيط الحضري مع البيئة الطبيعية المحيطة.
• الحماية تبدأ بالحد من المخاطر، ثم وضع الحلول المناسبة، بالإضافة لتطبيق النمذجة البيئية، إضافة إلى الرصد المستمر والإدارة التكاملية كوسائل مهمة لنجاح إدارة المحافظة.
• تفعيل العمل المجتمعي التطوعي للمساهمة في المحافظة على الحياة الفطرية.
• تكريس إنجازات المملكة في المحافظة على الحياة الفطرية كتجربة إقليمية بارزة.