منذ الـ9 من شهر يناير لعام 2021، سجَّل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية 5023 كائنًا فطريًا في مركز الإيواء التابع له، من بينها 435 حيوانًا مفترسًا.
هذه الكائنات حصلت على الإيواء من المركز، في سياق تصحيح أوضاع اقتناء الكائنات الفطرية في المملكة، وإيجاد حلٍّ جذري للاتجار بها، وكذلك التعامل مع الكائنات السائبة.
والمغزى من كل ذلك، هو أن يحظى كلُّ كائنٍ فطريٍّ بحقه الطبيعي في الحياة في بيئته الأصل داخل المملكة أو خارجها.
ومن أجل ذلك يعمل المركز على تنفيذ سلسلة من الإجراءات، ضمن التزام وطني عالمي، مُفعَّل عبر مجموعة من الاتفاقيات الدولية، أبرزها اتفاقية «سايتس».
تهديد الاتجار
برز الاتجار بالكائنات الفطرية بوصفه واحدًا من أكثر التهديدات إلحاحًا للتنوع البيولوجي على كوكبنا. وهذه التجارة غير المشروعة، التي يحركها الطلب المتزايد على الكائنات وأجزائها ومنتجاتها الثانوية، لها عواقب مُدمِّرة على عدد لا يُحصى من الأنواع والنظم البيئية.
ونظرًا لما يشهده العالم من تسارع مطَّرد في النمو والتطور خلال القرن الماضي، ازداد حجم التجارة العالمية والمحلية بالكائنات الفطرية مثل: الببغاوات والصقور والظباء والزواحف وغيرها، أو بمنتجاتها ومشتقاتها كالسلع الجلدية، وأنواع الأخشاب التي تدخل في صناعة الأثاث والتحف السياحية، وعود البخور، والكافيار، وغيرها.
وقد دعت الحاجة لحماية هذه الأنواع إلى إيجاد وسائل وآليات يمكن من خلالها تنظيم ومراقبة الاتجار بالكائنات الفطرية ومنتجاتها لضمان استدامتها. وصدرت في عام 1975م، اتفاقية الاتجار الدولي بالأنواع الفطرية المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات التي تُعرف باتفاقية «سايتس» CITES (Convention on International Trade in Endangered Species of Wild Fauna and Flora).
ما هي اتفاقية سايتس (CITES)؟
الاتفاقية الدولية هي إحدى أهم الاتفاقيات التي تهدف إلى الحفاظ على الحياة الفطرية، وقد انضمت إليها 184 دولة.
و«سايتس» (CITES) هي اختصار لاتفاقية الاتجار الدولي بالأنواع الفطرية المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات. وجرى إعداد مسودة هذه الاتفاقية بناء على قرار صادر عن اجتماع الاتحاد الدولي للحماية (IUCN-The World Conservation Union) في عام 1963م. وجرى التوقيع على الصيغة النهائية للاتفاقية في واشنطن في الثالث من مارس لعام 1973م من قبل (80) دولة، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يوليو عام 1975م. وهي الآن تعدُّ واحدة من أكبر الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمحافظة على الحياة الفطرية من حيث عدد الأعضاء؛ إذ وصل عدد أعضائها إلى 184 دولة. وتعدُّ هذه الاتفاقية واحدة من الاتفاقيات التي تندرج تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (united nations environment programe -UNEP).
كيف تعمل «سايتس»؟
تعمل الاتفاقية على تنظيم التعامل مع الكائنات الفطرية ومنتجاتها المهددة بالانقراض، أو التي قد تتعرض للتهديد بالانقراض بسبب نقلها بين الدول بغرض التجارة أو الاستخدام الشخصي أو غيرها من أوجه الاستخدامات الأخرى، وذلك بهدف المحافظة على هذه الكائنات ومنع تهديدها. وتُلزم هذه الاتفاقية أعضاءها بإصدار تراخيص لكل عملية استيراد أو تصدير أو إعادة تصدير لأي كائن فطري أو منتج من كائنات فطرية سيجري نقله عبر حدودها الدولية. وتقوم كل دولة عضو في الاتفاقية بإصدار تقارير سنوية بهذه التراخيص، يجري تحليلها ومقارنتها مع بقية تقارير الدول الأعضاء لمعرفة حجم الاتجار في كل نوع من أنواع الكائنات الفطرية، ومدى تأثيره على مستويات وجود هذا النوع في الطبيعة.
وتعتمد هذه الاتفاقية بشكل أساس على القوائم التي يُصدرها ويُعدِّلها مؤتمر الأطراف، الذي يُعقد كل 3 سنوات أو إذا دعت الحاجة، والتي تُصنِّف أكثر من 40 ألف نوع حيواني ونباتي في ثلاث فئات ملحقة بالاتفاقية.
ويتضح من هذه الملاحق أن الجزء الأكبر من الكائنات المدرجة في قوائم الاتفاقية يوجد ضمن الملحق الثاني للقوائم، الذي يسمح باستخدام هذه الأنواع استخدامًا تجاريًا، وهو ما ينفي المفهوم الخاطئ عن أهداف وتوجهات هذه الاتفاقية، الذي يزعم البعض بأنها تمنع الاتجار بالكائنات الفطرية. والصحيح هو أن أهداف هذه الاتفاقية تتلخص في تنظيم ومراقبة الاتجار بهذه الكائنات لضمان عدم تهديدها، ولوضع استراتيجيات تهدف إلى الوصول للاستخدام المستدام لهذه الكائنات ومنتجاتها.
أهمية الأذونات والتراخيص
تعدُّ «سايتس» اتفاقية دولية وتضم في عضويتها كثيرًا من الدول. ولضمان استمرارية عملها، تعمل بتناغم ومن دون أي معوقات قد تحدث عند نقل الكائنات أو المنتجات بين الدول. ولذلك، أصدرت الاتفاقية نموذجًا للتراخيص التي يجب العمل بها وإصدارها عند الموافقة على الاستيراد أو التصدير أو إعادة التصدير لأي كائن فطري أو منتج. ويحتوي هذا النموذج على المعلومات والرموز والشعارات الرئيسة التي يجب أن يحتويها أي ترخيص يصدر عن أي سلطة تنفيذية في الدول الأعضاء. كما يمكن للدول العمل بهذا النموذج، أو أن تقوم كل دولة باعتماد نموذج خاص بها على أن يحتوي على المعلومات والرموز والشعارات الرئيسة المعتمدة في النموذج المصدر من قبل الاتفاقية.
وتجري متابعة حجم الاتجار بهذه الكائنات ومدى تهديده لها، وذلك خلال السنوات الثلاث التي تكون بين كل اجتماع لمؤتمر الأطراف، والاجتماع الذي يليه، والرفع للجنة الدائمة بمدى الحاجة إلى اتخاذ إجراءات خاصة بأي نوع قد يتعرض للتهديد، وذلك خلال التقرير الذي يُعِدّه رئيسا لجنتي الحيوان والنبات.
ويجري انتخاب أعضاء اللجنتين خلال مؤتمر الأطراف، بحيث يُنتخب ممثلان أو ثلاثة من الأقاليم الست الرئيسة (إفريقيا، آسيا، أوروبا، أمريكا الشمالية، أمريكا الوسطى والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي، أوقيانوسيا). ويمكن للدول الأطراف في الاتفاقية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية المشاركة في هذا الاجتماع بصفة مراقب. وقد عُقد حتى الآن (24) اجتماعًا للجنة الحيوان، و(18) اجتماعًا للجنة النبات.
تعاون وتنسيق
تتداخل اتفاقية «سايتس» مع كثير من الاتفاقيات البيئية الأخرى، وهو ما يعزِّز جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي على مستوى العالم كاتفاقية التعاون البيولوجي، واتفاقية رامسار، واتفاقية الأنواع المهاجرة، وغيرها من الاتفاقيات. وقد يتضمن هذا التداخل التعاون في قرارات عامة أو جزئية من مؤتمر الدول الأطراف، وأنشطة عمل مشتركة مثل: تدريب ضباط الجمارك، والتنفيذ القانوني، وتنسيق التقارير السنوية، وتكامل التشريع، وغير ذلك.
دور رائد للمملكة
إدراكًا من المملكة العربية السعودية لأهمية التنوع الأحيائي الغني من ثروات بيولوجية متنوعة، سواء من حيوانات أو نباتات، فإنها تسعى جاهدةً إلى الحفاظ على هذا الموروث الطبيعي على المستويين المحلي والعالمي، وذلك من خلال تبني سياسات وبرامج حماية فعالة تُسهم في تعزيز دور المملكة في صون البيئة المحلية والعالمية.
وانضمت المملكة إلى اتفاقية «سايتس» عام 1996م. ولمَّا كان أحد متطلبات الاتفاقية هو وجود تشريع وطني يُسهم في تطبيق الاتفاقية بأفضل الطرق، فقد أصدرت المملكة تشريعات وطنية واضحة ومتكاملة تُنظِّم الاتجار بالكائنات الفطرية ومنتجاتها ومكافحة الاتجار غير المشروع بها، وكان آخرها نظام البيئة الذي صدر بموجب مرسوم ملكي وقرار لمجلس الوزراء في عام1441هـ، وانبثقت منه اللائحة التنفيذية لحماية الكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها التي تُوضِّح الإجراءات المتعلقة بالاتجار بالكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها، وما يتعلق بالتراخيص الخاصة بها، والمحظورات التي يجب عدم الوقوع بها، والمخالفات التي ستُفرض في حال المخالفة لأي من أحكام النظام واللائحة.
ويتولى المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية تطبيق كل ما يتعلق بتنظيم الاتجار بالكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها في المملكة، وفقًا لاختصاصاته، بداية من وضع الاشتراطات والمتطلبات المتعلقة بهذا النشاط وإصدار التراخيص والتصاريح، وانتهاء بضبط المخالفات لأحكام النظام واللائحة والاتفاقية في حال وقوعها ورصدها بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة مثل وزارة الداخلية بكافة قطاعاتها (القوات الخاصة للأمن البيئي، وحرس الحدود، والشرطة، وغيرها)، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك فيما يتعلق بالتطبيق في المنافذ الحدودية (البرية والبحرية والجوية)، والنيابة العامة، وغيرها من الجهات ذات العلاقة في هذا المجال.
ويبيِّن نظام البيئة ضرورة اتخاذ إجراءات لحماية الكائنات الفطرية، سواء من خلال إعادة تأهيلها، أو من خلال حماية البيئة من أي أضرار قد تسببها أنواع معينة ضارة.
وأنشأ المركز وحدات متخصصة لإيواء ورعاية الكائنات الفطرية المضبوطة. وتقوم هذه الوحدات بتقييم كل حالة على حدة، بهدف اتخاذ القرار الأمثل سواء بإعادة تأهيلها وإطلاقها في بيئتها الطبيعية، أو نقلها إلى مرافق مناسبة، بما يتوافق مع المعايير الدولية.
نتائج كارثية على البيئة والإنسان
التجارة غير المشروعة في الكائنات الفطرية لها عواقب مُدمِّرة على كل من الأنواع والنظم البيئية. فهي تدفع كثيرًا من الأنواع إلى حافة الانقراض؛ إذ يستهدف الصيد الجائر والاتجار الحيوانات المهددة بالانقراض مثل: وحيد القرن، والفيلة، والنمور، من أجل قرونها وأنيابها وجلودها. ويؤدي فقدان الأنواع الرئيسة إلى تعطيل النظم البيئية، فيتسبَّب في اختلال التوازن الذي يؤثر في الحياة البرية والنباتية الأخرى. على سبيل المثال، تؤدي الأفيال، التي تساعد في الحفاظ على النظم البيئية للغابات، دورًا حاسمًا في تشتت البذور. وتؤدي إزالتها إلى تدهور الموائل وفقدان التنوع البيولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن التجارة تسبِّب الأمراض، وتهدِّد التنوع الجيني للسكان، وتقوِّض جهود الحفاظ على البيئة. كما أنها تُغذِّي الجريمة المنظمة، وتزعزع استقرار المجتمعات التي تعتمد على الموارد الطبيعية.