أحمد إبراهيم البوق
رئيس التحرير
للتنوع في المفاهيم البيئية الأحيائية ثلاثة مستويات: مستوى النظم البيئية، ومستوى الأنواع، والمستوى الجيني. وبينها تناغم عجيب لإستمرارية سمفونية الحياة دون نشاز. وهي سمفونية مكونة من ملايين الأنواع وأشكال التنوع، بعضها مكتشف وأغلبها لازال مجهولا إلى أن تصل إليه طلائع الاستكشاف.
هذا على مستوى النغم / النوع أو الجين، أما الجُمَل الموسيقية في سمفونية الخلق العجيبة، فهي العلاقات التي تربط هذه الأنغام لتكوين هذه الجُمَل الموسيقية، ليبدو إعجاز الخلق فيها. أغمضوا أعينكم وتخيلوا أنفسكم في غابة، لا بد أن تغمركم روائح الاشجار والنباتات والأعشاب العطرية، أن يغمركم كل منها بشذاه الخاص ثم يغمركم مزيج عطري تحاول أن تحاكيه العطور، كلما تنقلتم من مكان لآخر غمركم عطر جديد.
تخيلوا تغريد العصافير بأنواعها الكثيرة وأصوات الكائنات الأخرى حين يشكل كل منها وفي مجملها مقطوعات لموسيقى الطبيعة، تخيلوا ألوان الأزهار وأوراق الأشجار وريش الطيور وألوان الفراشات والكائنات الحية كيف تبث في نفوسكم إحساس بالغنى،تخيلوا ملمسها، حتى حفيف الاشجار يختلف من نوع لآخر حسب شكل وكثافة أوراقها وتفرعات أغصانها وشدة تيارات الهواء المار بها، تخيلوا كل هذه المقطوعات الموسيقية الطبيعية التي تدركونها بحواسكم. حتى الصحارى رغم قلة التنوع فيها، إلا أن لها سحرها الخاص، شذى أزهارها على ندرتها أكثر أريجاً، خضرة نباتاتها الباهتة مزيج لوني خففه ضوء الشمس لتعزف أنغامها اللونية الهادئة، طيورها وكائناتها متماهية في ألوانها وأصواتها مع ألوان الرمال وصوت الريح فيها، إنها سمفونيات رهيفة تحتاج لحساسية مفرطة لإلتقاط منابع البهجة فيها. لا غرو أن يولد في هذه الصحراء الشعراء والحكماء الذين تمكنوا بمواهبهم من التقاط أسرارها، والاستمتاع والإمتاع بسمفونيات الحياة فيها، وحولوها لقصائد وحِكَمٍ وأمثال.
ولكن متى يحدث النشاز في سمفونية الحياة ؟! يحدث حين نفقد نغما أو نضيف آخر من تلقاء أنفسنا. الفقد رهين الجهل: إما أنها أنغام / أنواع وتنوع لم نكتشفه، وهي خسارة شيء لم ولن نعرف قيمته، أو أنغام / أنواع وتنوع اكتشفناه ثم أسأنا التعامل معه بقصد أو بغير قصد، حتى تدهور ووصل إلى حافة الهاوية / الانقراض. فأنقذه بعض العارفين لإعادته ليلعب دوره في السلّم الموسيقي للحياة، أو ترك ليلقى المصير المحتوم بالفناء.
أما النشاز الناتج من إضافة نغم من تلقاء أنفسنا، فيتجلى في إدخال أنواع غريبة على النظام البيئي مما يحدث خللا في النسق، فيتحول النوع / النغم النشاز إلى آفة تتسيد الجمل الموسيقية فتضعف الأنغام الأخرى وتؤدي لإختفائها أو الخلط معها فتذهب أصالتها. وفي كلتا الحالتين يكون الإنسان موعودا بنشاز سمعي وبصري وأكثر من ذلك، يفقده هبات الخلق في أنساقها الموزونة. هذه السمفونية هي الحياة بكل تجلياتها في البر والبحر، هي مكونات النظم البيئية غير الحية من تربة وماء وهواء وكل ما فيها من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة، هي وعينا بضرورة الحفاظ عليها كما خلقها الله لإستدامة الحياة على الأرض، هي كل ما يجعل حياة الإنسان على الأرض ممكنة وممتعة، هي كل ما نأكل ونشرب ونلبس ونرى.
هي ما نحتاج لبعض المعرفة والإحترام، وكثير من الهدوء لنستمتع بكل معزوفاتها بكامل حواسنا، وتأخذنا الدهشة مع استكشاف كل سر من أسرار الحياة .