الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية
المشرف العام على المجلة
نمضي في قطاع الحياة الفطرية في مسيرة تنموية تنطلق من مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية، برؤية نوعية تستشرف المستقبل، وتتعاطى مع الحاضر، في ظل وجود أكثر من عشرات الأنظمة البيئية، عرفنا فيها أكثر من 10 آلاف كائن فطري تُعتبر غيضًا من فيض شركاء البيئة والحياة من مخلوقات الله الحية، مما يؤكد أن هناك الكثير مما يتعيّن علينا فعله تجاه جوهر وجودنا الحيوي على هذه الأرض.
في الحياة الفطرية التي تُعتبر إحدى مكونات المنظومة البيئية، تأسس مفهوم «التنمية» مقترنًا بمفهوم «الحماية»، انطلاقًا من رؤية ريادية قائمة على إيجاد «حياة فطرية، وتنوع أحيائي، ونظم بيئية برية وبحرية مزدهرة ومستدامة»، فجاء دورنا المحوري في العمل على حماية النظم البيئية وإثراء التنوع الأحيائي، وصولًا إلى تنميتهما وإعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض، ومعالجة المخاطر المحدقة بالحياة الفطرية.
في هذه الرؤية، ستة أهداف رئيسة تتفرع منها عشرات الأهداف والبرامج والفعاليات المساعدة على إنجاح مهامه، وتحقيق أداء ينعكس على الحياة الفطرية برًا وبحرًا.
على رأس هذه الأهداف، حماية الحياة الفطرية والتنوع الأحيائي وتنميتها في البيئات البرية والساحلية والبحرية بشكل مستدام.
وفي هذا الجانب، نفذنا العديد من المشاريع والبرامج، برز من بينها برنامج استكشاف الكهوف والدحول والتعرف إلى حيوانات فطرية تعيش فيها، ووقف على دلائل وشواهد لحيوانات عاشت في محيطها سابقًا.
وهناك أيضًا، مشروع استكشاف البحر الأحمر بالتعاون مع منظمة استكشاف المحيطات OceanX، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، إضافة إلى عددٍ من الجامعات والجهات ذات العلاقة.
وهو المشروع الذي نتج عنه العديد من الاكتشافات المبهرة التي تعكس حجم الثراء البيئي والتنوع الأحيائي الفريد في مياه البحر الأحمر.
يضاف إلى ما سبق، برنامج تقييم أضرار تزايد قرود البابون، وتحديد المشكلات وأفضل الحلول، والكثير من البرامج والمشاريع المعززة لمسيرة المركز نحو تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
ومن بين الأهداف أيضًا، إنشاء وإدارة المناطق المحمية ومراكز إكثار الأنواع الفطرية المهددة بالانقراض وإعادة توطينها في بيئاتها الطبيعية. وتحت هذا الهدف، تتنوع البرامج والأنشطة والمهام، وتشمل إعداد خارطة طريق وطنية تهدف إلى تحقيق «رؤية 2030» والالتزام بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، من خلال مبادرة السعودية الخضراء بحماية 30% من مساحة المملكة البرية والبحرية، وتحقيق التزامات المملكة في اتفاقية التنوع الأحيائي، وأهداف التنمية المستدامة.
وقد برز في هذا السياق انضمام محمية فرسان إلى برنامج الإنسان والمحيط الحيوي، كذلك مشاريع محمية عروق بني معارض النموذجية التي توِجت باختيارها ضمن لائحة التراث العالمي الطبيعي في سبتمبر الماضي.
ومن الأهداف، بناء القاعدة المعرفية عن الحياة الفطرية والتنوع الأحيائي في المملكة، عبر سلسلة طويلة من المسوحات الميدانية والدراسات المتخصصة، وبناء قواعد بيانات وإتاحتها لذوي العلاقة. وفي هذا الإطار أنجزنا خريطة النظم البيئية الإيكولوجية للمناطق المهمة بيئيًا، وكذلك الملاذات الإيكولوجية، وعملنا على إنجاز السجل الوطني للمناطق المحمية، إضافة إلى تنظيم العديد من الورش التخصصية التي ركزت على تنظيم محازات الصيد البري المستدام.
وفي مجال تعزيز الوعي المجتمعي في مجال الحياة الفطرية، وضعنا هدفًا واضحًا، وفعّلناه عبر برامج إرشاد وتثقيف وإعلام . وسجل قطاع الحياة الفطرية دوره في الأيام العالمية والإقليمية ذات العلاقة بالحياة الفطرية والتنوع الأحيائي، من خلال عقد ورش العمل والندوات، وإقامة المعارض، وإنتاج المواد الإعلامية الخاصة بكل مناسبة. إضافة للمشاركة في تنظيم العديد من المناسبات والفعاليات المركزة على الجماهير، ويأتي
صدور مجلة الحياة الفطرية باللغتين العربية والإنجليزية لإيجاد منصة منتظمة ومستدامة للتواصل مع الرأي العام المحلي والعالمي.
الأهداف السابقة تتوازى وهدفًا لا يقل أهمية، هو تعزيز التنوع الاقتصادي من خلال الإسهام في تطوير السياحة البيئية المستدامة والاستفادة من الموارد الوراثية وخدمات النظم البيئية. وبناء على ذلك، أسهمنا في إعداد الخطة الاستراتيجية لسياحة المحميات؛ لتقليل التأثيرات المتوقعة من أنشطة السياحة في الخصائص الطبيعية والثقافية للمناطق المحمية. إضافة إلى وضع الضوابط العامة للسياحة المستدامة، إلى جانب تخطيط النطاقات السياحية، وإعداد المخططات الشمولية لتطوير المناطق السياحية، وتحديث الاشتراطات والضوابط الخاصة بالاستثمار في المناطق المحمية؛ وكذلك تنفيذ برامج السياحة البيئية في المناطق المحمية، وإعداد الاستراتيجية الوطنية للسياحة البيئية.
هناك أيضًا هدف سادس لا يقل أهمية عن الأهداف السابقة، هو تشجيع البحث والابتكار في مجال المحافظة على الحياة الفطرية وتنميتها بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث المحلية والعالمية. وقد أنجزنا خلال عام واحد العديد من الأبحاث العلمية المنشورة، وأطلقنا مبادرة ترميز Coding للمناطق المحمية، إضافة إلى الخرائط التفاعلية والحلول الجيومكانية، وخرائط منصة «إحكام»، وتجميع البيانات الجيومكانية؛ توظيف أحدث التقنيات في أعمال الإدارات المعنية، ومنها أعمال التصوير الجوي باستخدام طائرات دون طيار، وغيرها من التقنيات المتطورة .
وما زال العمل مستمرًا في تحقيق التنمية البيئية التي تتواكب مع الدور الرائد الذي تضطلع به المملكة للحفاظ على البيئة وصون مواردها وتعزيز استدامتها وإثراء التنوع الأحيائي فيها في ظل حرصها على دعم الجهود الإقليمية والعالمية التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة.