- خفض نفوق السلاحف وأسماك القرش والراي والثعابين والإسفنج الكبير
- عزل المخلفات الثقيلة والصخور والعجلات عن شباك الصيد
- ممارسة عالمية قياسية للحفاظ على بيئة بحرية مستدامة
جعفر البحراني – الجبيل
فيما كان المدربون يشرحون، كان الصيادون الآسيويون يحملقون. ومع الصيادين شيوخ صيد، وربابنة مراكب. والقاعة ملأى بالأسئلة والإجابات.
القصة جديدة كليًا على الصيادين، والتجربة التي طرحها فريق من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية جادة. إنها حلٌّ لمشكلة عويصة يقع فيها الصيادون من دون أن يقصدوا، فيختلط فيها صيدهم بصيدٍ لا يريدونه ولا يحتاجون إليه.
يرمون شباكهم من أجل الربيان والأسماك، ثم تأتي الشباك وفيها سلاحف، وأسماك قرش، وكائنات ليست داخلة في حساباتهم التجارية، بل تدخل في حسابات بيئية سلبية جدًا.
وقد حضر المدربون من أجل أن يكون الصيد آمنًا وسليمًا وخاليًا من شوائب الاعتداء على البيئة البحرية.
طوق نجاة
الفكرة ليست جديدة، فقد عرفتها مؤسسات بيئية منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم تطوّرت فنيًا، فصارت حلًّا مثاليًا. وتعتمد الفكرة على وضع ما يمكن وصفه بـ”طوق نجاة” داخل شباك الصيد. الطوق يتكوّن من إطار معدني مستدير ذي قضبان غير قابلة للصدأ، يُعرف باسم “أداة استبعاد السلاحف البحرية” ويُشار له اختصارًا بـ(TEDs)، ويتم تركيبه بزاوية 45 درجة مئوية داخل عنق شبكة الجر القاعية، ليسمح بمرور الروبيان والأسماك الصغيرة إلى مؤخرة الشبكة، ويعطي فرصة الخروج من الشباك للسلاحف والكائنات البحرية الأكبر حجمًا، مثل أسماك القرش والدلافين والسلاحف البحرية وأبقار البحر (الأطوم)، وكذلك المخلفات من الصخور والعجلات.
يعمل الإطار على صدّ المكونات الكبيرة فتكون في مأمن من النفوق، وهو
ما يُسهم في معالجة مشكلة الصيد العرَضي في مصايد شباك الجر القاعية، وحماية الكائنات المهددة بالانقراض، وجعل الصيد التقليدي مهنة مستدامة.
مبادرة عالمية
كان فريق المركز يشرح للصيادين وللحضور في الجبيل، وهي جلسة تدريب واحدة، بين عشرات الجلسات والورش، ضمن مبادرة وطنية تشمل العديد من سواحل المملكة. وقد بذل المركز جهوده من أجل الذهاب إلى الصيادين، حيث يعملون، لتوعيتهم باستخدام الطريقة. وقد وضع فريق العمل خطة متكاملة لتقديم فكرة المشروع ومناقشتها بشكل علمي وعملي مع شيوخ الصيادين وربابنة السفن والصيادين، وقد أثمرت نتائج إيجابية عن ورش التدريب والمناقشات.
مبادرة TEDs
- اسم المبادرة: أداة استبعاد السلاحف البحرية.
- بدأت في أواخر عام 2023.
- تتكوَّن من ورش تدريب وتطبيقات لتركيب الأداة في الشباك وفتح بوابة الخروج.
- أقيمت المبادرة في: المنطقة الشرقية، ومنطقة مكة المكرمة، ومنطقة جازان.
- حضر الورش التدريبية 920 بحارًا، منهم 480 في المنطقة الشرقية، و440 في منطقة جازان ومنطقة مكة المكرمة.
- تم خلال المبادرة لقاء 200 شخص من ربابنة السفن.
- تم توزيع 200 أداة للبحارة لتخدم 200 قارب صيد.

مرحلة اختيارية
المبادرة ليست إجبارية في المرحلة الحالية، لكن تنفيذها مهم جدًا للصيادين وللبيئة البحرية بشكل عام. وعالميًا أثبتت جدارتها في استبعاد السلاحف البحرية، في دول كثيرة، من بينها الولايات المتحدة وأستراليا وكوستاريكا ونيجيريا وماليزيا. إذ أسهم إدخال هذه الأداة في خفض الصيد العرضي ونسبة نفوق السلاحف بشكل كبير، إلى جانب انخفاض ملحوظ في نسبة نفوق أسماك القرش والراي والثعابين والإسفنج الكبير، وهو ما عزَّز من استدامة قطاع صيد الأسماك، وساعد في جودة الصيد، وذلك بسبب استبعاد الأجسام الكبيرة من الأحجار والمخلفات التي قد تُلحق الضرر بالربيان المصيد، وهو ما جعل إمكانية تطبيق
هذه التقنية على مستوى العالم واعتبار استخدامها واحدة من الممارسات القياسية المهمة للحفاظ على بيئة مستدامة.
تتكون المبادرة من زيارات ميدانية تُقدم فيها محاضرات، وتُطرح نقاشات، وتُمارس تجارب عملية على كيفية استخدام “طوق النجاة”. وقد حرصت المبادرة على مخاطبة الصيادين والعاملين في الصيد بثلاث لغات: العربية والإنجليزية وإحدى اللغات الهندية.
كما تتضمن المبادرة إعطاء الصيادين الأدوات مجانًا، وتدريبهم على تركيبها، وإزالتها، ثم إعادة تركيبها، بحسب الحاجة.
في عام 1981، أطلق برنامج لتشجيع الاستخدام الطوعي لأداة (TED)، لكن الحجم الكبير للأداة جعل استخدامها محدودًا من قبل البحارة. ولهذا، عملت (NOAA) عام 1982 على تقليص الأداة لمعالجة المشكلة، إلا أنه لم يحظَ بالقبول أيضًا. وفي عام 1987، أجرت (NOAA) وجهات أخرى حليفة تعديلات كبيرة على الأداة جعلتها مصنوعة من لوح مائل لأعلى. وفي عام 1989، استمر تطوير وتقييم أدوات استبعاد السلاحف البحرية،
وطرح نماذج محدثة، سواء على الإطار أو على فتحة الهروب. وفي عام 2003، جرى تعديل على فتحات الهروب بجعل غطاءين مزدوجين لها وتوسيع الفتحة نفسها أكثر لتساعد السلاحف البحرية كبيرة الرأس والسلاحف الخضراء من الهرب بشكل سلس. ولم يقتصر الأثر الإيجابي على إنقاذ السلاحف فحسب، بل امتد ليحسّن من كفاءة احتجاز الروبيان.
ابتكار قديم
وفقًا للموقع الرسمي الإلكتروني لمصايد الأسماك التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (Noaa Fisheries)، فقد تم ابتكار أداة TEDs لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، وذلك للحد من صيد السلاحف البحرية العرضي بالتعاون مع العديد من المنظمات، وقد جرى تطوير نوعين من الألواح وتركيبها على أنواع مختلفة من شباك الجر، فقلل النوع الأول نسبة %30 من صيد السلاحف. أمَّا الثاني، فقلل نسبة %79، ومع ذلك أظهر النوعان عدم فعالية في احتجاز الربيان، وكلاهما كان عرضة للانسداد بسبب الحطام الكبير.
في مطلع الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، شرعت إدارة مصايد الأسماك التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، في تطوير نمط جديد لهيكل صلب شبيه بالصندوق يُثبت داخل شباك الصيد، ويزن حوالي 100 رطل، وقد حقق نسبة عزل للسلاحف بلغت %89. وبعد مجموعة من الدراسات والأبحاث عملت (NOAA) على تعديل الأداة بعد أن لاحظت أن السلاحف تميل إلى السباحة للأعلى عند اصطيادها أو إطلاقها. ولهذا، أُجرِي مزيد من الاختبارات على أداة (TED) والفتحة العلوية، لتُثمر هذه الجهود نتائج باهرة، حيث حققت انخفاضًا في صيد السلاحف بنسبة تصل إلى %97 مع أدنى حد من الخسائر في صيد الروبيان.
الصيد العرضي
يشير مصطلح “الصيد العرضي” إلى اصطياد حيوانات لا يرغب الصيادون في صيدها، أو لا يستطيعون بيعها؛ لأن صيدها وتربيتها محظوران بموجب الأنظمة، ومن ثمََّ، لا يجد الصيادون سبيلًا سوى التخلص منها.
كما يدل مصطلح “الصيد العرضي” للصيد المُهمَل من الأنواع البحرية، والنفوق غير المُلاحظ، نتيجةً للاصطدام المباشر بالسفن ومعدات الصيد، وغالبًا ما تُصاب هذه الحيوانات بجروح أو تنفق.
ويشمل الصيد العرضي مجمل الحيوانات، ومنها الأسماك والدلافين والحيتان والسلاحف والطيور البحرية التي تعلق في أدوات الصيد، وهو ما يؤدي إلى مشكلة بيئية واقتصادية واجتماعية، تخلف آثارًا سلبية على الصيادين وعلى البيئة البحرية، فالحيوانات غالبًا ما تموت أو تُصاب بالعجز عن التكاثر، وهذا يؤثر سلبًا في النظم البيئية البحرية، ويُسهم في إبطاء وعرقلة الجهود المبذولة في عملية إعادة بناء المخزونات التي تعرضت للصيد الجائر، ويُعرّض الأنواع المحمية، مثل السلاحف البحرية وغيرها من الكائنات، لمزيد من الخطر، وقد يُلحق الضرر بأحد الأنواع مثل الإسفنج والسلاحف للإضرار بالشعاب المرجانية وموائل الأسماك المهمة.