[issue-single-data]

فراشــات هجوَل عدسة فوتوغرافيّ فُتنت بذوات الريش وحرشفيات الأجنحة

فراشــات هجوَل عدسة فوتوغرافيّ فُتنت بذوات الريش وحرشفيات الأجنحة

لم يبدأ في تصوير العث والفراشات إلا بعد سنوات طويلة قضاها في ملاحقة الطيور، وهو ما أكسبه خبرة كبيرة في تصوير وتوثيق الحياة الفطرية التي تحتاج إلى صبر وجلد، وبالأخص مع هذه الحشرات الرقيقة الجميلة التي تتعدد أطوارها وتختلف أنواعها.
دافعه لاستهداف هذا النوع من مفصليات الأرجل شغفه في خوض تحدٍّ جديد كفيل بأن يجعله في نشاط مستمر، بوصفه مصورًا محترفًا يلاحق الكائنات المختلفة في البراري. ولهذا انطلق بنشاط جديد وكبير في تصوير وتصنيف العث والفراشات بأنواعها المختلفة في بيئة المنطقة الشرقية، ثم جمعها في كتاب أصبح مرجعًا للباحثين والمهتمين بهذه الكائنات الوادعة.
يقول فيصل: “يهمني إرضاء شغفي بالمعرفة وتوثيق هذه الحقبة التي نعيشها، وآمل أن يحظى هذا التوثيق بأهمية كبيرة ويكون ذا قيمة ومرجعًا مهمًا في المستقبل، فهذه الكائنات الناعمة المتصفة بالسحر والجمال لها أهمية بالغة في التوازن البيئي كونها حلقة مهمة في السلسلة البيئية”.

الوعي البيئي
وُلِد ونشأ فيصل في قرية تحيط بها بساتين النخيل والمزارع، وطالما كانت موئلًا طبيعيًا للعديد من الطيور والحشرات والثدييات، وهذا ما جعله شغوفًا بهذه الكائنات الحرة، والكائنات الأخرى الداجنة منذ نعومة أظفاره، لاحتكاكه المباشر بها، فأصبح ابن البيئة والطبيعة والحياة الفطرية.
يرى فيصل أن الناس كانوا أقل تأثيرًا في منظومة الحياة الفطرية في الماضي، لكنهم حاليًا لا يتعاملون بوعي، مع وجود حملات توعوية مختلفة ووجود أنظمة وقوانين تنظم التعامل مع الكائنات الفطرية وموائلها الطبيعية، ومنهم من يلحق ضررًا بالبيئة ومفرداتها، دون مراعاة للكائنات وموائلها الطبيعية.

اكتشاف الشغف
اكتشف فيصل في أواخر عام 2010 أن لديه توجهًا وحبًا وشغفًا خاصًا بتصوير الطيور، وشعر بأن الكاميرا التي بين يديه قدحت شرارة هذا الشغف للانطلاق بشكل أكثر احترافية في تصوير هذه الكائنات الجميلة، التي كان يشعر بأنه كان يفترض به أن يهتم بها منذ زمن أبكر. ولهذا، وسَّع اهتمامه بالطيور وأخذ يقرأ ويتابع كل ما يتعلق بها، حتى إنه اشترك في دورات علمية ومعرفية في مجال الطيور بشكل عام، والطيور الجارحة بشكل خاص.
جماعة بيئية
في عام 2011، أسس فيصل مع مجموعة من المهتمين والمختصين من راصدي ومتابعي ومحبي الطيور في المنطقة الشرقية، “جماعة رصد وحماية الطيور”، التي هدفت إلى إنشاء سجل علمي يوثق الطيور في البيئة المحلية، سواء المستوطنة أو المهاجرة، ثم توسَّع عمل المجموعة ليشمل الطيور في دول مجلس التعاون الخليجي، وكان دافع المجموعة الأساسي شغفها الرئيسي وحبها للطيور الذي جعلها تعمل بتمويل ذاتي دون أي هدف للربح.
عملت المجموعة على أسس عملية، حتى إنها قدَّمت مجموعة من الدراسات العلمية عن بعض الطيور، شارك فيصل في 3 دراسات نشرت في مجلة علمية متخصصة.

ذوات الريش
رأى فيصل ذوات الريش – كما يسميها – عالمه الملهم الذي يستحق الاكتشاف، وفي الجانب الآخر رأى الكاميرا المحفز الرئيسي لمواصلة المسير. وتصنيف الطيور بأنواعها كان بمنزلة المفتاح والدافع للبحث والقراءة والاطلاع. وبهذا، وجد فيصل نفسه مجبرًا على معرفة أصغر وأقل معلومة عن أي طير يُصوِّره.
يقول فيصل: لقد أخذ مني هذا الشغف أهم ما أملك وهو الوقت، وأبعدني نسبيًا عن العائلة، لكنه أضاف لي الكثير. فالحياة الفطرية ومكوناتها تذكرنا بحقيقة الحياة وضرورة التفاعل معها، فنجد أنفسنا بحاجة للتفكر والاندماج مع الحياة الفطرية التي تخرجنا من إطار العولمة وضجيج الحياة. ولعل أهم ما أضافه لي هذا الشغف هو الرصيد المعرفي بهذا العالم، وكذلك اتساع دائرة المعارف والأصدقاء من مختلف دول مجلس التعاون.

الإصدارات
اهتم فيصل بشكل رئيسي بتوثيق الطيور والفراشات في البيئة المحلية، نظرًا لما تزخر به المملكة من تنوع أحيائي، وكان هذا دافعًا لتقديم إصدارات متخصصة في هذا الجانب بلغت 6 إصدارات.
حمل الإصدار الأول عنوان “الطيور الخواضة”، وقد أفاد فيصل بأن أكثر ما دفعه لهذا النوع من الطيور هو تجاهل المصورين لها بسبب صعوبة تصويرها في أماكن وجودها، وصعوبة استخراج التصاريح اللازمة نظرًا لوجود بعضها في أماكن خاضعة لرقابة أمنية، والجانب الآخر لصعوبة تصنيفها والتفريق بين أنواعها نظرًا لتشابه شكلها الظاهري.
وقد وجد فيصل في هذه الصعوبات تحديات محفزة لخوض تجربة اكتشاف وتوثيق هذه الأنواع على المستوى المحلي في المنطقة الشرقية وعلى مستوى المملكة، وقد لقي كتابه فيما بعد تفاعلًا كبيرًا، وأحدث أثرًا طيبًا، وتموجات لدى كثير من المصورين والراصدين، وكان محفزًا ودافعًا لبعضهم لخوض تجربة مماثلة في التصوير والتصنيف. وعلى الرغم من البساطة التي ظهر بها الكتاب، فإنه قدَّم مادة علمية، وغطَّى مجمل الطيور الخواضة الشائعة، وساعد في التعريف بها.
بعد هذا الإصدار عمل فيصل على مجموعة أخرى من الإصدارات المتخصصة في الطيور، وهي: “طيور من السعودية”، و”الأبالق في شبه الجزيرة العربية”، و”خدوج” وهو كتاب يرصد حياة بومة عقابية، و”الطيور البحرية والساحلية في القطيف” وهو كتاب مشترك مع عبدالله الشيخ حسن.

حرشفيات الأجنحة
أصدر فيصل كتابًا آخر عبر فيه عن تجربته الجديدة في تصوير حرشفيات الأجنحة؛ أي العث والفراشات، حمل عنوان “فراشات القطيف”. هذا الكتاب صدر بعد أكثر من عشر سنوات في ملاحقة ذوات الريش، وبهذا كان فيصل يشعر بأنه خلال هذه الفترة أصبح أكثر خبرة، وقد حاول في هذه التجربة أن يضم المهاجر والمقيم من العث والفراشات في هذا الكتاب، وقد استطاع أن يوثق أكثر من (35) نوعًا من العث والفراشات في بيئة المنطقة الشرقية، وقد وفق في تصنيفها، ووضع الأسماء العلمية والإنجليزية والعربية للفراشات، كما قدَّم بعض التوضيحات والفروق بين العث والفراشات.
ومع أن فيصل تناول العث والفراشات في أطوار مختلفة منذ مرحلة التزاوج إلى وضع البيض، إلى اليرقة، ثم العذراء، ثم التحوُّل إلى حشرة كاملة، إلا أنه تمنى لو أنه صبر قليلًا فترة أطول قبل إصدار الكتاب للحصول على صور أكثر، وربَّما حصل أيضًا على أنواع أخرى، وهو ما يسهم في الإثراء العلمي للكتاب.
أشار فيصل إلى أن الدنماركي، توربن لارسن، أصدر كتابًا عن الفراشات في الجزيرة العربية عام 1983، رصد فيه أكثر من 140 نوعًا، وكان قد جمع مادة كتابه خلال سبع سنوات تخللتها خمس زيارات طويلة. ويؤكد فيصل أنه وثَّق في الكتاب الذي أصدره نوعين جديدين من الفراشات لم يوثقها لارسن من قبل، وبيَّن أن آخر الإحصائيات عن العث والفراشات في المملكة رصدت ما يقارب1150 نوعًا من العث والفراشات. والعث تقريبًا 1000 نوع، والفراشات حوالي150 نوعًا، والمجموع لرتبة حرشفية الأجنحة 1150 نوعًا.

اهتمام عالمي
بذل فيصل هجول جهودًا في رحلات مختلفة لتوثيق الحياة الفطرية، غالبها في دول مجلس التعاون، وبخاصة في الكويت التي أصبح يتردد عليها بين وقت وآخر، باعتبارها خط هجرة بارزًا لطيور متنوعة، ومدخلًا أساسيًا لبقية الحياة البرية والتعرف عليها. فرصد الطيور في نظر فيصل يقدم الأساسيات التي يحتاج إليها أي راصد وأي باحث، وأن ما يحتاج إليه الباحث والراصد من أدوات أغلبه متوفر في رصد الطيور، ويمكن استخدامه في رصد الكائنات الأخرى كالمفصليات والثدييات والزواحف.
ويبرر فيصل اهتمامه بالبيئات الإقليمية والعالمية قائلًا: سلامة النظام البيئي في أي مكان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسلامته في مكان آخر، وأن أي خلل في أي مكان له تأثير على المنظومة بأكملها. لهذا، كانت كينيا على قائمة الرحلات التي قام بها في عام 2015 لتصوير الحياة البرية ومشاهدة الهجرة الإفريقية العظيمة لحيوانات النو والحمر الوحشية، والاستمتاع بالتقاط صور لحيوانات أخرى، مثل: الأسود والنمور والفهود والغزلان وغيرها.

الصعوبات
واجه فيصل العديد من الصعوبات، لكنه عدَّها ممتعة وفيها شيء من الطرافة، سواءً في مواجهة التضاريس أو في مواجهة الطقس. فالأجواء في بعض مناطق المملكة والخليج شديدة الحرارة في الصيف، وغالبًا ما يكون مضطرًا للخروج في هذه الأوقات ليرصد ويوثق الكائنات التي لا توجد إلا في هذا الوقت من السنة كالطيور الزائرة الصيفية. إضافة إلى ذلك، تمثّل التضاريس المتنوعة من جبال وصحارٍ وكثبان رملية، تحديًا كبيرًا للراصد، سواء كان يتحرك راجلًا أو بمركبة رباعية.
وفضلًا عن هذه التحديات هناك صعوبات وتحديات أخرى وجدها فيصل أثناء اهتمامه بالعث والفراشات، فقد كان قادرًا على التمييز والتفريق بين الفراشات، لكنه وجد صعوبة بالغة في التفريق بين أنواع العث.
يقول فيصل: كتاب “العث والفراش” صدر عام 2023 وهو لا يحتوي على جميع الأنواع التي رصدتها، وفي

الحقيقة استطعت التعرف على (18) نوعًا من الفراشات بسهولة كبيرة،
لكنني لم أتمكن من التعرُّف على أنواع العث بشكل دقيق، وكان عدد ما قمت بإحصائه يقارب (100) نوع، ومن الصعب تأكيد الرقم لوجود صعوبة في التصنيف تعود لتشابه الأشكال وصغر حجم بعضها عن الأخرى. ولا شك أنني لو تمهلت قليلًا عن النشر لكان ذلك أفضل من حيث زيادة حصيلة الأنواع المرصودة وفرصة الحصول على صور أفضل وأكثر تنوعًا، ومعرفة أكبر قدر من الأنواع. فقد فتحت هاتان الرُتيبتان من رتبة حرشفيات الأجنحة من الحشرات أمامي بابًا كبيرًا وشغفًا جديدًا للعلم والمعرفة، حتى إن أصدقائي المهتمين بتصوير الطيور يتحدثون لي مازحين بأنني طلَّقت الطيور وفضلت الحشرات عليها.

مشاركات
أقام فيصل معرضًا شخصيًا بطابع فني، وشارك في أربعة معارض جماعية أغلبها كان مع جماعة “رصد وحماية الطيور”، والمعارض هي: “ذوات الريش” و”معًا نحميها” و”سلوك” و”أمم أمثالكم”، ويرغب فيصل في إقامة معرض شخصي متنوع بالحياة الفطرية، مؤكدًا أن إقامة هذا النوع من المعارض يحتاج إلى كثير من الجهد.

عروض
تلقى فيصل عروضًا للعمل على إنتاج أفلام خاصة بالطيور من قبل قنوات عالمية متخصصة بإنتاج الأفلام الوثائقية لنشرها على أبرز المنصات العالمية، سواء القنوات التلفزيونية أو المواقع الإلكترونية، إلا أن ظروفه حالت دون ذلك، لكنه عمل مع أكثر من جهة لتنفيذ مشاريع تهتم بالدراسات البيئية وبالطيور بشكل خاص.

يقول فيصل: بعض الجهات والمواقع العلمية العالمية تستفيد من الصور التي ألتقطها للتعريف بالأنواع، لكنها لا تقدم مقابلًا ماديًا، وإنما أنا وزملائي نقدّم ما لدينا من صور على سبيل التطوع. لكن هناك بعض الجهات التي تقدّم مقابلًا ماديًا عن كل صورة يتم نشرها لنا مثل الصحف والمجلات.

طموح
يطمح فيصل أن يقدم كتابًا من نوع (Coffee Table Books)؛ أي الكتاب الذي تغلب عليه لغة الصورة، ليعرض أجمل ما لديه من صور لأكثر عدد ممكن من الأنواع ووضع تسمية لكل نوع، بحيث يبرز هذا الكتاب ما تملكه المملكة من تنوع أحيائي، ويأمل أن يُقدم هذا الكتاب بقالب فني بحت.

فقدان الموائل
يرى فيصل أن فقدان الموائل من أكثر المهددات التي يمكن أن تؤدي إلى فقد التنوع، ولا يمكن تفسير عدم مشاهدة كائن على أنه انقراض؛ لأن هذا الحكم يحتاج إلى دراسات بحثية وفق أُسس علمية. ولا شك أن الراصد يستطيع ملاحظة تناقص أعداد بعض الأنواع، وقد لاحظ هو وزملاؤه تناقص أعداد طائر القمري، وأردف قائلًا: في الحقيقة معظم الأنواع لا تزال موجودة في البيئة المحلية، وإن بدت قليلة، والجهات الرسمية والمختصون والناشطون البيئيون يبذلون جهودًا كبيرة في الحفاظ على الأنواع والإكثار منها.

“خدوج” قصة البومة العقابية

المشيئة والمصادفة خلقت قصة بين فيصل ونوع من البوم يُعرف بـ”البوم العقابي”، كان ذلك في عام 2015، حينها لم تكن التجربة ناضجة بما فيه الكفاية لدى المصور والراصد فيصل هجول، وكانت مشاهدة هذا النوع من البوم ليس بالأمر الشائع، فضلًا عن أن يُوجد قصة ذات أحداث درامية في توثيق هذه البومة وتوثيق دورة حياتها من البيض والتفريخ إلى الطيران.
استمرت متابعة فيصل لهذه البومة والعمل على توثيقها مدة تزيد على ثلاث سنوات، وهذه المدة كانت كافية لكي تعطي فيصل الفرصة ليحصل على صور مختلفة ومتنوعة حظيت بانتشار واسع فيما بعد على الشبكة العنكبوتية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي. وشارك فيصل القصة مع كثير من المواقع المهتمة، فانتشرت الصور على مواقع عالمية متخصصة، بما فيها مجلة وموقع “ناشيونال جيوغرافيك”، وبهذا أخرج فيصل قصة البومة العقابية “خدوج” من المحلية إلى العالمية.

الطيور الخواضة
طيور من السعودية
الأبالق في شبه الجزيرة العربية
“خدوج” كتاب يوثق حياة بومة
الطيور البحرية والساحلية في القطيف كتاب مشترك مع عبدالله الشيخ حسن
فراشات القطيف

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد