في عام 2022، ظهر وجهه العابس في البحر الأحمر. ظهر غاضبًا، مُقطّبًا، مكفهرّ الوجه، مُحتقنًا بلونه الأحمر الداكن، مُعلنًا عن وجوده، على الرغم من تواريه خلف الطحالب، كاشفًا عن مخلوقٍ ربَّما لم يتوقع أحدٌ، من قبل، وجوده في هذا المكان من الكوكب.
سمكة جحور
إنه القزم الغاضب (Sueviota aethon) السمكة التي انكشفت قصتها لفريق باحثين من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وجامعة واشنطن، خاضوا غمار البحر الأحمر، ورصدوا حركة العبوس الغاضب ذي الوجه المنزعج والمظهر العنيف.
نشط الباحثون بين كهوف ونتوءات صغيرة في الشعاب المرجانية في أعماق مختلفة، راوحت بين 10 – 53 مترًا في البحر الأحمر على الجانب السعودي، خلال فترات متفاوتة، ومناطق مختلفة، شملت سواحل اللِّيث، وثُوَل، وشعاب مراس.
لم تكن مهمة الاكتشاف سهلة. الكائن صغير الحجم، يُفضِّل الجحور الضيقة، والنتوءات المغطاة بالطحالب المرجانية الحمراء، المشابهة تمامًا للونه. وهذا كله يساعده على الاختفاء وقتًا طويلًا. كما أسهمت ندرته وفرادته في التخفي، وهذان أمران يشيران إلى التنوع الأحيائي الثري في بيئة البحر الأحمر، الذي يدفع الباحثين فعليًا لمزيد من استكشاف التنوع الأحيائي الذي تزخر به هذه البيئة، وما تخفيه طبيعة التضاريس من أحياء في الأنظمة البيئية، فهو يشتهر بمستويات عالية من الأنواع المتوطنة التي لا توجد إلا في منطقة جغرافية محددة.
تسمية
القزم الغاضب أو الغضوب (Grumpy Dwarf Goby)، المعروف علميًا باسم (Sueviota aethon)، أو يُقال له أيضًا القزم العابس أو العبوس، أو القزم المستاء أو المستاء جدًّا، وكلها أسماء وصفية لهذا النوع الجديد كليًا من سمكة القزم (Gobiidae) التي يبلغ طولها بين 9.2 – 16.7 مم.
وقتئذٍ أعلن الباحثون أخبارًا مثيرة عن اكتشاف هذه السمكة، وذلك خلال مؤتمر صحفي تلا نشر دراسة بحثية في 12 سبتمبر 2024 في مجلة (ZooKeys) العلمية، وهو ما جعل الشبكات الإعلامية تتسابق في نشر وإذاعة هذا الاكتشاف العلمي المثير بشكل واسع جدًا.
الاسم العلمي لهذه السمكة يعود إلى الكلمة اليونانية القديمة (Aethon)، التي تمثِّل اسم أحد الخيول الأربعة لإله الشمس اليوناني هيليوس، وهو النوع الأكثر تشابهًا مع (S. Aethon)، لكن الاسم الشائع (Grumpy Dwarf Goby)، يُشير إلى المظهر الغاضب وغير السعيد لهذه السمكة.
سمات
يرتبط القزم الغاضب ارتباطًا وثيقًا بأنواع أخرى من جنس (Eviota)، حيث يوجد حاليًا تسعة أنواع من (Sueviota)، تتوزع في جميع أنحاء العالم، بدءًا من منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ويمتد نطاقها من اليابان إلى أستراليا، ومن البحر الأحمر إلى جزر بيتكيرن. ويشمل أيضًا أجزاء من إندونيسيا وماليزيا والفلبين وبابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وجزر سليمان.
تتمتع الأنواع الثمانية من (Sueviota)، بالعديد من الخصائص المتشابهة، مثل الشكل والتوزيع والبيئة، والعلاقة التطورية. وإلى حدٍّ كبير يشبه القزم الغاضب شقيقه القزم الناري (Fiery
Dwarf Goby) المعروف علميًا باسم (Sueviota Pyrios)، لكن القزم الغاضب يتميز عن أبناء جنسه وعن القزم الناري بميزات أخرى، من بينها جسمه القوي الذي يخلو من الأشواك الخيطية، مع وجود زعنفة ظهرية مدورة إلى مربعة الشكل، وأشواك متفاوتة الطول، وغشاء زعنفة حوضية متطور يتصل كاملًا بالزعنفة الحوضية.
ويتميز أيضًا بحدقة عين سوداء، وقزحية متطابقة مع تلوُّن الرأس، مع حلقة ذهبية لامعة ضيقة تحيط بالحدقة، وبكثافة الخلايا الصبغية تحت الجلد، وعدم وجود خطوط مميزة على الرأس. في حين تظهر خلفية الرأس والجسم بلون أحمر زاهٍ أو برتقالي أصفر، فيما الرأس وقاعدة الزعنفة الصدرية مرقطتان بكثافة بلون أحمر محترق أو أصفر مرقط يزداد كثافة باتجاه مؤخرة العنق ومنطقة ما قبل الظهر، مع عدم وجود بقع مميزة على قاعدة الزعنفة الصدرية، وغياب كامل للبقع الحمراء على الزعنفة الظهرية والذيلية.
الفم مائل على المحور الأفقي للجسم، والفك العلوي يمتد خلفيًا ليصل إلى منتصف الحدقة، بينما يظهر الفك السفلي بارزًا. وتتوزع في كِلا الفكين أسنان مخروطية غير منتظمة، بالإضافة إلى أنياب مخروطية متضخمة بارزة أيضًا.
يفتقد القزم الغاضب الحراشف على الرأس والصدر، لكن هناك حراشف مشطية على بقية الجسم. كما يفتقد القناة الحسية والمسام الرأسية، المسؤولة عن اكتشاف الحيوانات المفترسة المحتملة، والتقاط الطعام، لكنه – على الرغم من ذلك – قادر على التقاط فرائسه واكتشافها بسهولة.
الموئل والأهمية
يعيش القزم الغاضب في البحر الأحمر بشكل خاص، وذلك بين جدران ونتوءات الشعاب المرجانية المتدلية، المغطاة بالطحالب المرجانية الحمراء، حيث يختبئ في الزوايا والشقوق الصغيرة في انتظار اصطياد فرائسه، مستخدمًا أنيابه الكبيرة المثيرة للإعجاب في التقاط اللافقاريات الصغيرة التي يعتمد عليها غذاءً رئيسًا، وهو ما يجعل من القزم الغاضب إضافة فريدة ومهمة لهذه الموائل، وجزءًا من مجتمع الأسماك القاعية صغيرة الحجم، التي تُسهِم في تنوع الشعاب المرجانية.
كما أن القزم الغاضب فريسة لأسماك مفترسة أكبر حجمًا، وهو ما يساعد في الحفاظ على التوازن والتنوع البيئي. ولهذا، فإن وجود هذه الأسماك يعدُّ مؤشرًا حيويًا يعكس صحة النظام البيئي البحري.
■ اكتشفه فريق بحثي في عام 2022 خلال رحلات استكشافية لكائنات البحر الأحمر.
■ جُمعت عيناته من كهوف ونتوءات في الشعاب المرجانية مغطاة بطحالب حمراء.
■ عمق وجود العينات راوح بين 10 – 53 مترًا.
■ بسبب ندرة السمكة تمكن الفريق من جمع 10 عينات فقط.
■ تم الإعلان عن اكتشافه في عام 2024 بعد إخضاعه لدراسة علمية.
■ لونه ولون الطحالب ووجوده في الكهوف والنتوءات جعل اكتشافه صعبًا.
■ أخذ اسمه من شكله وأصبح أيقونة متميزة في البحر الأحمر.