[issue-single-data]

لماذا فطريون.. لا بريُّون.. ولا وحشيون..؟!

لماذا فطريون.. لا بريُّون.. ولا وحشيون..؟!

تتفرّد التسمية السعودية لطبيعة الكائنات الحية التي لم يتدخل البشر في تغيير صفاتها المظهرية والفسيولوجية والسلوكية بـ«الحياة الفطرية»، على غير ما هو معمولٌ به من التسمية الشائعة «الحياة البرية». وهذه التسمية المستخدمة على نطاق عربي واسعٍ؛ مترجمة حرفيًا ـ في الأصل ـ عن التعبير الإنجليزي «Wildlife».

في المملكة؛ تأسس استخدام كلمة «فطرية»، لا «برّية»، لأسباب جوهرية أخذت في اعتبارها المعنى الأكثر دلالةً على الكائن الحيّ كما خلقه الله في الطبيعة المفتوحة على البر والبحر والصحراء والجبال، وسائر النظم البيئية المتنوعة.

كلمة «برّية» ذات دلالة محدودة في اللغة العربية، وتكاد لا تتجاوز دلالة «اليابسة» المقابلة لـ «البحر». كما تدل على «البَرّ ـ الصحراء» التي تُجمع على «براري»، وعادة ما تُقرن بـ«القفر» و «القفار»..!

وبما أن هذه الدلالة لم تتطوّر، ولم يمسّها «انزياح دلالي»، فإن البحث اتّجه إلى البحث عن تعبير أقرب إلى الدلالة العربية في صميمها. وحقيقة الأمر هي أن أسلافنا العرب كانوا يعرفون الحيوانات التي تعيش خارج نطاق الاستئناس والتحكُّم البشري بـ«الوحشية»، والقصد منه هو «الاستيحاش» المقابل «للألفة»، بمعنى الحيوانات التي تعيش «وحدها» دون تدخل الإنسان في رعايتها أو تغذيتها أو تكاثرها.

كانوا يقولون «بقر وحشي»، و «حمار وحشي»، بدلالة «الوحدة» أو «العزلة» عن البشر. بل إن النخلة التي لم يتدخل الإنسان في رعايتها تُصبح «وحشية»، وعلى شكل ربما يكون مخيفًا، لأنها «وحيدة»، وبمعزل عن تدخل الإنسان..!

فلماذا لا يكون تعبير «الحياة الوحشية» مناسبًا للتعريف..؟

واقع الأمر؛ هو أن كلمة «وحش» الأصيلة تمامًا؛ لم تبقَ على حالها في الاستعمال العربي. فقد أدركها ما يُعرَف في العلوم اللسانية بـ«الانزياح الدلالي» الذي يعني انتقال معنى الكلمة من «دلالة» إلى «أخرى»، وهذا طبيعيٌّ جدًا في كلّ لغات العالم.

الانزياح الدلالي ربط كلمة «وحش» بالخوف وطرق القتل والسلوك العدواني. ولم تعد تعني «العُزلة» أو «الوحدة» في الطبيعة. وقد تكون دلالة «وحش» مناسبة لأسد فتّاك، أو «وشَق» لا يرحم فريسته، إلا أنها لن تكون مناسبة مع غزال يعيش حياة الفريسة الخائفة، ولن تكون مع نبتة بريئة من التغذية على كائن آخر..!

وعلى هذا؛ اتجهت التسمية إلى كلمة جامعة تشمل المفترس والفريسة، وتشمل مملكة النبات ومملكة الحيوان، وتشمل النظم البيئية المختلفة، على شرط وجود مغزىً بدائيٍّ في المفهوم.

والكلمة الأكثر قربًا إلى ذلك هي كلمة «الفطرية» التي تعني «الفطرة» التي فطر الخالق ـ سبحانه ـ خلقه عليها.

الأسد مفطور على نمط حياة ثابت في الطبيعة، في التكاثر، والتغذية، والتكيف مع نظامه البيئي، وخوض علاقة المفترس والفريسة، ومفطور على ممارسة سلوك الدفاع والهجوم، مع منافسيه من النُّظراء من الأسود، والحيوانات المفترسة الأخرى.

مقابل ذلك؛ فإن الغزال، أيضًا، مفطور على نمط حياة يتناسب وكونه فريسة من جهة، ومن جهة أخرى كونه متغذيًا على كائنات نباتية مفطورة ـ بدورها ـ على الإنبات والنمو والتكاثر، والاستعداد «الفطري» لتكون غذاءً.

«الفطرة» هي الأساس، وهي تنظيم إلهيٌّ لا دخل للبشر في تفاصيله. وهي نظام متكامل مع الطبيعة والبيئة، كما مع نمط حياة الإنسان واحتياجاته، على نحو يجب أن يكون منظمًا وتحت سيطرة متطلبات الطبيعة ذاتها.

وهكذا؛ استقرّت التسمية على «الحياة الفطرية»، ليس من أجل تحقيق تفرُّد في التعريف فحسب، بل من أجل الوصول إلى تعريف علميّ يؤدي وظيفته، ويمكن ترسيخه في الوعي والفهم العام.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد