المتوّج بالريش وحارس الحقول الذي لا يُملُّ..
يقف الهدهد على شرفة التاريخ، شاهدًا على أساطير وحكايات، يرتدي تاجًا من الريش الملون، يحمل في منقاره رسائل الغابات، ويطير بين فروع الشجر حاملًا معه أنغامًا صادحة، إنه رمز للحكمة والجمال في آنٍ واحد.
طائر أسطوري ارتبط بقصص الأنبياء والملوك، عيناه تتأملان الآفاق، ومنقاره يبحث عن ألذ الأطعمة، يحمل في قلبه أسرارًا لا يبوح بها إلا للحكماء.
تصوير:أحمد المالح
ما هو؟
علميًا يُعرف بكلمتين Upupa epops، ووصفيًا هو طائر متوسط الحجم يمكن التعرف إليه من خلال تاجه البارز من الريش. لديه منقار طويل ونحيف، يستخدمه لفحص الأرض بحثًا عن الحشرات واللافقاريات الأخرى. ريشه مزيج من اللون البني الوردي والأسود والأبيض، وهو ما يمنحه مظهرًا مميزًا وجذابًا للنظر.
يؤدي الهدهد دورًا أساسيًا في النظم البيئية باعتباره من آكلات الحشرات، ويساعد في التحكم في أعدادها، خاصة في المناطق الزراعية؛ إذ يستهلك أنواعًا كثيرة بينها الجراد والخنافس. ويشير وجوده إلى بيئة صحية، حيث يتطلب ظروفًا محددة للتعشيش والتغذية، مثل المناظر الطبيعية المفتوحة مع الكثير من الحشرات الأرضية.
بين الحقيقة والأسطورة
بلونه المميز وشكله الأنيق حرّك خيال البشر منذ فجر التاريخ. وكثيرًا ما ارتبط مظهره وسلوكه الفريد بالجمال والغموض. وفي كثير من الثقافات، يُنظر إلى الهدهد بكونه رمزًا للنعمة والحكمة، ويربطه المتفائلون بالحظ السعيد والازدهار. كما أن قدرته على التكيف مع البيئات المختلفة وصموده في مواجهة التحديات، جعلت منه رمزًا للأمل والمثابرة.
وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور محمد بن يسلم شبراق: «للهدهد دلائل ومعانٍ وأساطير عند معظم الشعوب، فقدماء المصريين كانوا يقتنونه ويربطون بينه وبين عين حورس، لاعتقادهم أنها قادرة على رؤية عوالم لا يراها الإنسان.
أمَّا الإغريق، فلهم اعتقاد أنه يستطيع فتح الأماكن المغلقة. وفي بلاد الأفغان يرمز الهدهد إلى السعادة والثراء وحسن الصيت والسمعة.
وكان أسلافنا العرب يرونه طائرًا بارًا بوالديه. ولذلك تغنَّى به كثير من الشعراء المعاصرين، منهم أحمد شوقي ومحمود درويش. لكن أجمل ما لدى الموروث العربي والإسلامي هو وجود الهدهد في قصة مع نبي الله سليمان، عليه السلام.
وقد ذكر الطائر بالاسم في القرآن الكريم، وقصته مع النبي سليمان، مشروحة ومفسرة في سرديات تاريخية ودينية، ويُصنَّف – عقَديًا – ضمن الطيور الموحدة، ويفسرون ذلك بأنه بعدما رأى عرش الملكة وحّد الله رب العرش العظيم، كما أن موضع هذه الآية فيها سجدة في القرآن.
كما أشار المفسرون إلى أن في هذه القصة عبرة في شجاعة الهدهد، حيث إنه – فور عودته من رحلته – أخبرته الطيور بوعيد النبي سليمان – عليه السلام – له، فذهب إلى النبي دون خوف، وجلس بالقرب منه، كما هو في نصّ الآية الكريمة (فمكث غير بعيد) عن النبي سليمان؛ وهذا فيه شجاعة، وثقة بالنفس».
أنواع
ويشير البروفيسور شبراق، إلى وجود ثلاثة أنواع من طيور الهدهد بحسب تصنيف البيرد لايف أنترناشونال.
الأول: موجود ويُعرف بالهدهد الأوراسي Eurasian Hoopoe وهو أكثرها انتشارًا، حيث يمتد انتشاره في أوروبا وشمال ووسط إفريقيا. وفي آسيا يوجد في منطقة واسعة تمتد من الجزيرة العربية إلى الصين، وصولًا إلى الشمال في وسط آسيا. واسمه العلمي Upupa epops، ويوجد منه سبعة من تحت نوع، معظمها مهاجرة، وهو النوع الموجود في المملكة.
النوع الثاني: موجود في دول الجنوب الإفريقي، ويُعرف بالهدهد الإفريقي African Hoopoe، واسمه العلمي Upupa Africana.
النوع الثالث: هو هدهد مدغشقر Madagascar Hoopoe Upupa marginata، وهو منتشر في جزيرة مدغشقر.
وهناك نوع تذكره بعض كتب التصنيف انقرض عام 1502م، يُعرف بهدهد سانت هيلينا St. Helena HoopoeUpupa antaios، وسمِّي باسم الجزيرة «سانت هيلينا» الواقعة في المحيط الأطلسي بين قارة إفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويُعزى انقراضه إلى إدخال المفترسات والأنواع الغازية للجزيرة.
وفيما يخص الأنواع الحالية، فهي غير مهددة بالانقراض بحسب القائمة الحمراء للاتحاد العالمي لحماية الطبيعة (IUCN Red List).
ابن التجاويف
يعشش الهدهد في جحور، وهو لا ينشئ جحوره الخاصة، ولكنه يستخدم التجاويف الطبيعية والشقوق في الهياكل البشرية، أو الثقوب التي أنشأتها حيوانات أخرى مثل نقار الخشب (Picidae)في بعض الأحيان.
ويمكن القول إنه يختار أماكن غريبة حقًا مثل جحر أرنب، أو سجادة ملفوفة، أو سيارة مهجورة. في معظم أنحاء إفريقيا، يتم وضع 4-7 بيضات داخل العش. ولكن في أوروبا والشرق الأوسط، يكون المتوسط عادةً حوالي 7 بيضات، وتستمر فترة حضانة البيض من 15 إلى 18 يومًا، وعادة ما يبدأ الطائر في الطيران بعد 28 إلى 29 يومًا من الفقس، ويحقق الطائر الصغير استقلاله بعد حوالي شهر من ذلك.
حضوره اليوم
والهدهد منتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وإفريقيا. وتحديدًا في المناطق الطبيعية المفتوحة، مثل: السافانا والمراعي والأراضي الزراعية، حيث يمكنه العثور على الحشرات بسهولة خلال موسم التكاثر.
ويتم العثور عليه بشكل أكثر شيوعًا في المناطق المعتدلة، بينما في الشتاء تهاجر بعض الأعداد إلى مناخات أكثر دفئًا في إفريقيا أو جنوب آسيا.
وعلى الرغم من أن تقدير العدد الدقيق لطيور الهدهد أمر صعب بسبب نطاق وجوده الواسع وعاداته في الهجرة، فإن هناك تقديرًا عالميًا حاليًا يُراوح بين 5 و10 ملايين فرد. مع ذلك، هناك مؤشرات تقول إن أعداده آخذة في التناقص.
وهناك ما يرجّح أن هذا التناقص عائد إلى التغيرات في الغابات، وفقدان تجاويف التعشيش (بسبب قطع الأشجار الميتة والعقبات وكذلك تحديث المباني)، وتكثيف الممارسات الزراعية، بما في ذلك المعالجة الميكانيكية الأكبر للتربة وزيادة استخدام المبيدات الحشرية.
غير مهدد
الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة يضع هذا الطائر الجميل ضمن الأنواع «الأقل إثارة للقلق»، وهو ما يعني أنه ليس معرضًا لخطر الانقراض الفوري. ومع ذلك، يمكن أن تتعرض التجمعات المحلية للتهديد بسبب فقدان الموائل والتغيرات البيئية الأخرى.
ويشير البروفيسور شبراق إلى مؤثرات أخرى تُهدِّد طائر الهدهد، منها انتشار الأنواع الغازية مثل طائر المينا الذي سُجّل له غارات متكررة لأعشاش الهدهد. وهناك، أيضًا، مهاجمة البالغين للاستيلاء على الأعشاش، حيث سُجلت حالات كثيرة لمهاجمة طائر المينا للطيور التي تبني أعشاشًا في التجاويف مثل طائر الهدهد.
ومن المؤثرات الأخرى في طيور الهدهد تدهور البيئات، وبشكل أقل الصيد. مع أن الهدهد من الطيور المحمية والمنهي عن قتلها في الاسلام. وقد ورد في الحديث الشريف عن عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد».
ولذلك، فمن الحلول المحتملة للحفاظ على هذا الطائر ترك مساحات مفتوحة داخل الغابات وبالقرب منها، والحفاظ على العقبات، وتوفير صناديق التعشيش، وتقليل الاعتماد على المبيدات الحشرية الكيميائية.
موطنه المفضل
يوضح البروفيسور شبراق أن الهدهد يستوطن بيئات مختلفة من المرتفعات الجبلية للصحاري والغابات الاستوائية، والحقول الزراعية. والمجموعة الموجودة في المملكة معظمها مهاجر، ويصل بعضه من مناطق وسط آسيا، ومنها من مناطق مجاورة، ويُعرف بأنه مهاجر صيفي، أي يأتي للتكاثر فترة الربيع.
ويتكاثر في الفترة من شهر يناير إلى أغسطس، وتكون ذروة التكاثر بين شهري مارس ومايو. وقد سجل تكاثر الهدهد في جميع مناطق المملكة.
ومن أغرب الأعشاش المسجلة، كانت في داخل تجويف جيفة بقرة قديمة، ويبدأ التكاثر بإصدار الذكور أصواتًا مميزة. ويمكن أن يتكاثر ثلاث مرات في الموسم الواحد، وتتولى الأنثى الحضانة منفردة لمدة 16-18 يومًا، فيما يتولى الذكر مسؤولية جلب الغذاء إليها وللفراخ بعد الفقس.
عاش في التاريخ وأحيط باحترام ديني وسكن أساطير
في الحياة الفطرية
موطنه الطبيعي: من الصحراء إلى المروج الخضراء. يتأقلم مع بيئات متنوعة في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا. إنه طائر رحَّال يبحث عن الدفء والمأوى في المواسم الباردة.
عاداته وسلوكه: يعيش عادة منفردًا، يحفر لنفسه جحورًا في الأرض ليعيش فيها. ويتميز بحركاته الرشيقة، وهو بارع في الطيران. يشتهر بتحريك قمة رأسه المميزة بشكل مستمر.
غذاؤه: يتغذى بشكل أساسي على الحشرات والديدان الصغيرة التي يعثر عليها في التربة. يستخدم منقاره الطويل والحاد للحفر والبحث عن غذائه.
دوره في النظام البيئي: يؤدي دورًا مهمًا في التوازن البيئي، ويُسهِم في مكافحة الآفات الزراعية والحشرات الضارة.
في الأدب
لم يغب الهدهد عن الشعر والنثر العربي منذ القدم. ففي كتاب «الحيوان»، يورد الجاحظ رواية شعبية عنه، حيث كان العرب يعتقدون أن القنزعة (الزينة) على رأسه هي ثواب من الله تعالى على بره بأمه. وقد وجد هذا الاعتقاد صداه في الشعر الجاهلي، حيث عبر أمية بن أبي الصلت في قصيدته المشهورة عن إعجابه بهذا التاج الريشي الذي يعتبره تجسيدًا لجمال صنع الخالق ومكافأة على بر الهدهد بوالديه.
ومما يقوله:
اعلمْ بأنّ الله ليس كصنعهِ
صنيعٌ ولا يخفى على الله مُلحَدُ
وبكلّ منكرة له معروفةٌ
أخرى على عينٍ بما يتعمّدُ
جُددٌ وتوشيمٌ ورسمُ علامةٍ
وخزائن مفتوحة لا تنفدُ
عمن أراد بها وجاب عنانها
لا يستقيم لخالق يتزيّدُ
غيمٌ وظلماءٌ وغيثُ سحابةٍ
أزمان كفّن واستراد الهدهد
يبغي القرارَ لأمّهِ ليُجنّها
فبنى عليها في قفاها يَمهَد
مهدًا وطِيًّا فاستقلّ بحَمله
ِ في الطّير يحملها ولا يتأوّدُ
من أمِّه فَجَرى لصالحٍ حَملِها
ولدًا، وكَلَّف ظهره ما تفقِد
فتراه يدلح ما مشى بجنازة
فيها وما اِختَلف الجديدُ المسندُ
الاسم الشائع
الهدهد
الاسم العلمي
Upupa epops
المظهر
تاج مميز من الريش، ومنقار طويل نحيف، وأجنحة مخططة بالبني والوردي والأسود والأبيض
البيئة المفضلة
المناظر الطبيعية المفتوحة والسافانا والمراعي والبساتين والحدائق
طعامه
الحشرات واليرقات واللافقاريات الصغيرة بشكل أساسي
صوته
معروف بصوته المميز «أوب – أوب – أوب»، والذي يمكن سماعه من مسافة بعيدة
مناطقه
أوروبا وآسيا وإفريقيا ومدغشقر
آلية الدفاع
ينتج إفرازًا كريه الرائحة لردع الحيوانات المفترسة
نمط الطيران
طيران متموج يشبه طيران الفراشة
وضعه الحالي
أقل إثارة للقلق، بعض المجموعات الإقليمية مهددة بسبب فقدان الموائل
التعشيش
تجاويف الأشجار والجدران والمنحدرات
التهديدات
تدمير الموائل، والمبيدات الحشرية، والصيد في بعض المناطق