[issue-single-data]

مروج الحشائش.. رئة البحر

مروج الحشائش.. رئة البحر

  • تضطلع بدور كبير في مكافحة التلوث البلاستيكي
  • تمتص الكربون أكثر بـ35 مرة من الغابات المطيرة

د. نحا بنت مقعد العتيبي

أستاذ مساعد في قسم الأحياء، كلية العلوم، جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن


تتمتع المملكة العربية السعودية ببيئة بحرية غنية تمتد على ساحلين رئيسيين: الخليج العربي في الشرق، والبحر الأحمر في الغرب.
تُكوِّن البحار والمحيطات أكبر الأنظمة البيئية المائية في العالم، وتتميز المملكة العربية السعودية ببيئة بحرية ذات ملوحة عالية ودرجات حرارة مرتفعة في الصيف. ومع ذلك، فهذه البيئة فريدة من نوعها، وتضم تنوعًا إحيائيًا فريدًا، حيث يوجد في المياه الإقليمية السعودية أكثر من 1300 جزيرة تدعم الحياة البرية والبحرية، بدءًا بالمانجروف، والسلاحف البحرية، والدلافين، والأسماك الاستوائية والقشريات، وانتهاءً بالشعاب المرجانية التي تنتشر بكثافة في البحر الأحمر والخليج العربي، وتقاوم التغيرات المناخية بشكل كبير.

مروج بحرية
ومن أهم النظم البيئة في البحر الأحمر والخليج العربي، التي أصبحت تُعرف اليوم باسم “رئة البحر”، مروج الحشائش البحرية (Seagrass Meadows)، حيث تؤدي دورًا محوريًا في النظم البيئية للبحر الأحمر والخليج العربي.
تُوفِّر هذه المروج المائية موائل طبيعية للأحياء البحرية، وتُقدِّم مجموعة من الخدمات البيئية المهمة؛ نظرًا لكونها تؤدي دورًا مهمًا في امتصاص الكربون الموجود في المحيط يصل إلى أكثر من 35 مرة من الغابات الممطرة، وتُنتج في المقابل كميات هائلة من الأكسجين، ومن هنا جاء هذا الاسم “رئة البحر”.
كما تُسهم هذه المروج إسهامًا كبيرًا في مكافحة التلوث البلاستيكي، وذلك عن طريق تجميعها فيما يُعرف باسم “كرات نبتون” (Neptune’s balls) التي يُمكن أن تنجرف إلى الشاطئ. ويساعد نظام الجذور للحشائش البحرية على الثبات أمام سرعة التيارات البحرية، وعلى تثبيت قاع البحر، وحماية السواحل من التآكل.

بالإضافة إلى كل ذلك، تؤدي المروج البحرية دورًا محوريًا في الحفاظ على صحة الموائل البحرية، وهي من أساسيات التنوع الأحيائي إذ توفر موائل طبيعية للأحياء البحرية، وتعمل بمنزلة حاضنة لأنواع مختلفة من الأسماك، فضلًا عن توفير الغذاء والمأوى للعديد من الكائنات البحرية المهددة بالانقراض، مثل أبقار البحر والسلاحف البحرية الخضراء، إلى جانب إطلاق الأكسجين، وتثبيت قيعان البحار الرملية.
نباتات مزهرة
توجد هذه النباتات في مناطق مختلفة حول العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية. وفي المملكة العربية السعودية يوجد 12 نوعًا من الحشائش البحرية، وهي النباتات الوحيدة المزهرة في البحر. وتتوفر أنواع الحشائش البحرية في البحر الأحمر بشكل أكبر مما هي عليه في الخليج العربي.
تُسهم مروج حشائش البحر في الحفاظ على التنوع الجيني والأحيائي في البيئة البحرية، وتوفر وظائف بيئية واقتصادية قيمة؛ لأنها مناطق تغذية وحضانة

لمجموعة متنوعة من الكائنات البحرية المهمة تجاريًا. لكن هذه النظم البيئية تتعرض لضغوط متزايدة باستمرار بشكل مباشر، أو غير مباشر من الأنشطة البشرية المرتبطة بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية السريعة، سواء في الخليج العربي أو في البحر الأحمر.
ولقد أولت حكومة المملكة العربية السعودية أهمية قصوى في المحافظة على الحياة البحرية، إلى جانب محافظتها على البيئة البرية والعمل

على الحد من التلوث البحري وتعمل المملكة أيضًا على تعزيز التعاون الدولي في حماية البيئة البحرية، سعيًا لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في الحفاظ على التنوع الحيوي والموارد الطبيعية.
وإدراكًا من المملكة لأهمية حشائش البحر، فقد أطلقت العديد من برامج الحفاظ على البيئة، من بينها مبادرات ومشاريع تُركِّز على إنقاذ مروج الحشائش البحرية واستعادتها، والالتزام بالحفاظ على التنوع الأحيائي

البحري وتعزيزه من خلال الحفاظ على النظم البيئية للحشائش البحرية. مع التأكيد على أهمية تعاون المجتمع المحلي، حيث يلعب دورًا حيويًا في جهود الحماية والتوعية.

كرات نبتون (Neptune’s balls)
تعمل الأعشاب البحرية الموجودة في المناطق الساحلية على حبس التلوث البلاستيكي في حزم طبيعية من الألياف عُرفت باسم “كرات نبتون”.
وبحسب دراسة نشرتها مجلة “ساينتفك ريبورتس”، فإنه من دون أي مساعدة بشرية، جمعت النباتات المتمايلة في قاع البحر الضحل في البحر الأبيض المتوسط وحدَه، ما يقرب من 900 مليون قطعة بلاستيكية في كل عام.
ذلك أن الحطام البلاستيكي في قاع البحر يعلق في بقايا الأعشاب البحرية، ثم ينساب بشكل سلس ليتراكم في نهاية المطاف على الشاطئ، وهو ما يوفر عملية تنظيف مستمر للحطام البلاستيكي من دون أي تدخل بشري. ومن غير الواضح إن كان جمع البلاستيك عبر “كرات نبتون” يضر بأعشاب البحر أو لا.
وتُقدِّم الأعشاب البحرية للأنظمة البيئية المحيطية، وللبشر الذين يعيشون قرب حافة المياه، قائمة طويلة من الخدمات، فهي تُسهم بشكل حيوي في تحسين جودة المياه، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، وإطلاق الأكسجين، إضافة إلى كونها حاضنة طبيعية وملجأ لمئات الأنواع من الأسماك، وأساسًا لشبكات الغذاء الساحلية. كما تعمل على تثبيت التربة في المياه الضحلة، ومنع تآكل الشواطئ، والتخفيف من تأثيرات العواصف المدمرة.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp

مقالات ذات صلة :

ابحث عن مقـــــال داخـــل الأعداد