بتجاعيد وجه يحمل ثمانين سنة؛ يشرح محمد القحص الفهم الذي تربّى عليه، وهو يشاهد الطبيعة من حوله.. «لا أحد يصطاد في موسم التزاوج»، والناس يزدرون من يجرؤ على ترك حلاله في مرعىً لم يُخصب.. وقد يقاطعونه في السوق، ويتجنّبونه في المجالس، إلى أن يشعر بأنه أمام عقاب اجتماعي صارم يؤدّبه، فلا يعود إلى ما فعله..!
تفكير ديني واجتماعي
حماية الطبيعة؛ جزءٌ أصيل في المجتمع العربي، حاضرته وباديته، وفيما ذكره الرجل المسنّ، القحص، إشارة إلى موروث وصل إليه عن أسلافه. وهو جزءٌ من نظام تفكير أقرّه الدين الإسلامي، وكرّسه أيضًا. وكان الالتزام الدينيّ والعُرف الاجتماعي من أسباب انتعاش الحياة الفطرية على مدى قرون متعاقبة.
يرتبط الإنسان بالأرض التي يقيم فيها بما تحتويه من موارد ومواقع لها قيمة مادية ومعنوية في وجدان الناس. وغالبًا عاشت مجتمعات في تلك المناطق أجيالًا متعاقبة، لآلاف السنين. ويحق لهذه المجتمعات بقاء ارتباطها بهذه المواقع والانتفاع المستدام من مواردها.
وفي عالم اليوم؛ تُكرس الممارسات الدولية مشاركة المجتمعات في دور الحماية وبقاء ارتباطهم بالمناطق التي يعيشون فيها، وقد أظهرت التجارب في جميع أنحاء العالم أن انخراط المجتمعات المحلية، يضيف الكثير من الفعالية والنجاح في أنشطة الحماية.
مشاركة المجتمعات الحالية تفرضها حقوق هذه المجتمعات ويحث عليها المردود الكبير لهذه المشاركة في إدارة وتشغيل وحوكمة المناطق المحمية، لأن مشاركتهم في الإدارة والتشغيل تكون أكثر فعالية، وأكثر كفاءة، وتحقق العدالة إذا تم تنفيذها بشكل صحيح.
مبادرات أولى
في المملكة؛ بدأت المبادرات الرسمية الأولى في حماية الطبيعة إجمالًا مع نموّ الدولة، وتطوّرت التشريعات والآليات على فترات متلاحقة، إلى أن جاءت رؤية 20230؛ بمنظومة متكاملة للتعامل مع الثروات البيئية والطبيعية والفطرية، عبر مجموعة أجهزة تنفيذية التي وضعت المجتمع شريكًا أيضًا.
والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية؛ هو واحد من المنظومة التي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ووقف على دعمها المباشر ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله. وهو ما انعكس في مشروع مبادرة «السعودية الخضراء» التي انطلقت في 2021، وتفرّعت إلى 73 مبادرة، بينها مبادرة المحميات الطبيعية.