قمة “المياه الواحدة” و”كوب 16″ تحرّكان الدور السعودي في مواجهة التصحُّر وتدهور البيئات
تحديات المياه بحسب الأمم المتحدة
- يفتقر 2.2 مليار شخص إلى الوصول إلى خدمات مياه الشرب.
- يفتقر 4.2 مليارات شخص إلى خدمات الصرف الصحي.
- يموت 297 ألف طفل دون سن الخامسة كل عام بسبب مياه شرب غير آمنة.
- 80% من مياه الصرف الصحي تتدفق مرة أخرى إلى النظام البيئي دون معالجة.
- 2 مليار شخص يعتمدون على مرافق الرعاية الصحية دون خدمات المياه الأساسية.
- 33% من الأنهار العابرة للحدود في العالم ليس لديها إدارة تعاونية.
- الزراعة تشكل 70% من المياه المستهلكة في العالم.
12 يومًا لا تمثّل إلا 3.3% من مجموع أيام عام 2024؛ إلا أنها كانت أيامًا حاسمةً على صعيد مواقف عُليا تجاه ما يعانيه كوكب الأرض، وما تحتاج إليه النُّظم البيئية حول العالم في البرّ والبحر والجو.
كانت أيامًا استراتيجية بكلّ ما تحمله الكلمة من دلالات، أمام واقع التصحُّر والجفاف وتدهور البيئات، تحت مناقشات أكثر من 24 ألف عقل تجمّعوا في الرياض من 200 دولة، وشاركوا في قمة “المياه الواحدة” التي تحرّكت برامجها برعاية عالية المستوى من لدن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتمثيل رسميّ مرموق حضره رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، ورئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، ورئيس البنك الدولي أجاي بانجا.
إضافة إلى “كوب 16” الذي تشارك وقمة “المياه الواحدة” في أعداد الحضور والمشاركين، وحضره 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني، وشهد 900 فعالية، وأطلق أكثر من 100 مبادرة، وتبنى 35 قرارًا، ورصد أكثر من 70 مليون دولار استثمارًا في دعم أنظمة غذائية مستدامة، فضلًا عن 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفًا حول العالم، و14.6 مليون يورو لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الإفريقي.
كلُّ ذلك حدث في الرياض خلال 12 يومًا فقط، من أصل 364 يومًا أمضاها عام 2024. وخلال تلك الأيام الحاسمة سجلت المملكة حضورًا بارزًا في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر “كوب 16″، وإعلان الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، وافتتاح قمة “المياه الواحدة”.
وفي حفل افتتاح “كوب 16” انتُخِبت المملكة رئيسًا رسميًا لمدة عامين، كي تقود العالم وتدفعه إلى إعادة تأهيل واستصلاح الأراضي، واستعادة خصوبتها وحيويتها، ومقاومة التصحُّر والجفاف.
وفي الموقع الرسمي لها، عدَّت الأمم المتحدة “كوب 16” من أكبر وأهم المؤتمرات العالمية وأكثرها طموحًا في مكافحة الجفاف وتدهور الأراضي والتصحر، ولا سيَّما أنه تزامن مع الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر.
أصبح المؤتمر نقطة تحول تاريخية، ومنطلقًا للعمل الجماعي الدولي المنظّم، لمنع فقدان الأراضي الخصبة، ومعالجة تدهور الأراضي، ومكافحة التصحُّر، عبر حلول فعّالة ترتبط بالطبيعة، وتمهد لعالم أكثر خضرة واستدامة، تحت شعار “أرضنا.. مستقبلنا”.

ونبعت أهمية المؤتمر من خلال موضوعات جدول أعماله، والمبادرات العالمية والمحلية المهمة التي قُدمت فيه، إلى جانب البرامج والفعاليات والأنشطة التي تناولها المؤتمر، من أجل حفظ جميع مكونات التنوع البيولوجي على الكوكب.
قمة “المياه الواحدة”
وكانت قمة “المياه الواحدة”، التي جاءت متزامنة مع هذا المؤتمر، قد أصبحت في قمة المؤتمرات وأرفعها وأبرزها نظرًا للتمثيل الدولي العالي بحضور رؤساء دول. كما تزامن مع المؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، أو ما يُعرف بالتحوُّل الوطني للاقتصاد الأزرق المستدام للتنوع الاقتصادي وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وقد هدفت قمة “المياه الواحدة” لمعالجة تحديات المياه بشكل شمولي، وتبادل الخبرات والتجارب والتقنيات، وتعزيز البحث والتطوير والابتكار لحل مشكلات المياه. كما هدفت إلى جمع قادة الدول والمنظمات والمؤسسات المالية والقطاع الخاص لعقد مناقشات دولية حيال الحلول الممكنة لمواجهة التحديات بقطاع المياه وتمويلها في سياق تغير المناخ.
وتسعى القمة لأن تكون حاضنة للحلول الملموسة لمواجهة تحديات قطاع المياه، استعدادًا لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه في عام 2026.

المملكة وقضايا المناخ
ويوم إطلاق القمة تحدث سمو ولي العهد واصفًا انعقاد القمة بأنه “يعكس اهتمام المملكة بقضايا المناخ”، مشيرًا إلى ما يواجهه العالم من “تحديات متزايدة في قطاع المياه، تؤدي إلى أزمات متعددة تهدد حياة الإنسان”، مؤكدًا أن “المملكة قدمت 6 مليارات دولار لدعم المياه في أكثر من 60 دولة حول العالم”، مشددًا على “ضرورة وضع الخطط المشتركة ومعالجة التحديات لتحقيق أهداف استدامة مصادر المياه”.
كما دعا سموّه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص إلى الانضمام إلى المنظمة العالمية للمياه التي أسستها المملكة، مشيرًا إلى أن المملكة أدخلت الاهتمام بقضايا المياه لمجموعة الـعشرين في عام 2020، وأن المملكة تستعد لاستضافة المنتدى العالمي للمياه عام 2027 بالتعاون مع المجلس العالمي للمياه.
الاقتصاد الأزرق
في المناسبة نفسها، أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أيضًا، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، الهادفة إلى حماية النظام البيئي، وتعزيز أطر التعاون، وتمكين المجتمع، ودعم التحوُّل للاقتصاد الأزرق المستدام، بما يحقق التنوع الاقتصادي، والأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويحقق استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية.
وقال سمو ولي العهد إن “المملكة من خلال هذه الاستراتيجية تعزز مكانة الاقتصاد الأزرق كركيزة أساسية لاقتصادها، وأنها تطمح لأن يصبح البحر الأحمر ومنطقته مرجعًا لأفضل ممارسات الاقتصاد الأزرق، وأن تصبح المملكة رائدًا عالميًا في مجال البحث والتطوير والابتكار في الاقتصاد الأزرق”.
وتضع الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأزرق، إطارًا شاملًا لكيفية الحفاظ على الكنوز الطبيعية في البحر الأحمر وإعادة إحيائها، بما يضمن استمتاع المواطنين والمقيمين والزوار بها واستدامتها لأجيال قادمة، والإسهام في حماية البيئة الطبيعية، وإطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة.
ويقدم التحوُّل للاقتصاد الأزرق فرصًا استثمارية كبيرة للشركات المبتكرة في مختلف القطاعات البحرية، بما في ذلك السياحة البيئية، ومصايد الأسماك، والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والشحن البحري، والصناعة.
وتستهدف الاستراتيجية الوطنية زيادة تغطية المناطق المحمية البحرية والساحلية من 3% إلى 30%، ودعم وصول مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50% من مزيج الطاقة المستهدف، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الأزرق، وحماية استثمارات المملكة في المشاريع السياحية في المناطق الساحلية، مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
وتستند استراتيجة البحر الاحمر إلى 5 أهداف استراتيجية تتمثل في الاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والسلامة والأمن، والحوكمة والتعاون، وتضم 48 مبادرة نوعية تم تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة بها.
ويوضح إعلان الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأزرق الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في حماية الموارد الطبيعية في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يعيشها العالم، وترسم مسارًا جديدًا يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.
ويعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزًا وتنوعًا بيولوجيًا، فهو منطقة طبيعية تبلغ مساحتها 186 ألف كيلومتر مربع، ويتوفر بها خط ساحلي بطول 1.800 كيلومتر، وبها رابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، كما تعد موطنًا لـ6.2% من الشعب المرجانية في العالم، وأرخبيلًا يحتضن مئات الجزر.

الأهداف الاستراتيجية الوطنية الخمس في التحول للاقتصاد الأزرق
- الاستدامة البيئية
- التنمية الاقتصادية
- التنمية الاجتماعية
- السلامة والأمن
- الحوكمة والتعاون
تضم 48 مبادرة نوعية تم تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة بها.
أبرز مستهدفات مبادرة “السعودية الخضراء”
- إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
- زيادة مساحة المناطق المحمية وصولًا إلى 30% في عام 2030.
- رفع نسبة الطاقة المتجددة لتصل إلى 50% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030.
- خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

مسك ختام مؤتمر “كوب 16”
- تحولات كبرى في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف.
- مبادرات والتزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحُّر وتدهور الأراضي.
- تمثيل الشعوب الأصلية والشباب في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف.
ترأست المملكة مؤتمر الأطراف السادس لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر “COP16″، وهو المؤتمر الذي عُدَّ الأكبر والأوسع من نوعه حتى الآن، فقد حشدت له المملكة قرابة 24 ألف شخص من الخبراء والاستشاريين وذوي الاختصاص من أصحاب العقول بينهم 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني.
وتداول المشاركون أكثر من 900 فعالية في المنطقتين (الزرقاء والخضراء)، تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية للوصول لتعهدات وبرامج دولية ممولة لمكافحة تدهور الأراضي والنظم البيئية في العالم.
وصدر عن المؤتمر أكثر من 35 قرارًا حول مواضيع محورية شملت: الحد من تدهور الأراضي والجفاف، والهجرة، والعواصف الترابية، وتعزيز دور العلوم والبحث والابتكار، وتفعيل دور المرأة والشباب والمجتمع المدني، والسكان الأصليين لمواجهة التحديات البيئية، والموافقة على مواضيع جديدة ستدرج ضمن نشاطات الاتفاقية مثل: المراعي، ونظم الأغذية الزراعية المستدامة.
وقد شهد المؤتمر تقدمًا ملحوظًا من خلال تأسيس نظام عالمي لمكافحة التصحُّر وتدهور الأراضي والجفاف، والتركيز على دعم الدول الأشد تضررًا، وإنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية؛ لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وشهد المؤتمر أيضًا أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعمًا لاستراتيجية مشاركة الشباب، الهادفة إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.
وضمن جهودها القيادية، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار “مبادرة السعودية الخضراء”، وبرامجها الهادفة إلى حماية 30% من المساحات الوطنية البرية والبحرية وإدارتها بشكل مستدام، وإعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض وإكثارها، وتقييم الأنظمة البيئية المتنوعة، وإعادة تأهيل المتدهور منها. كما أعلنت عن إطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي. وأعلنت كذلك عن مبادرة أخرى لرصد العواصف الرملية والترابية؛ لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
ولم يختم المؤتمر أعماله إلا وقد حقَّق نجاحاتٍ بارزة بعد أن شاركت فيه نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، وتناولت أكثر من 100 مبادرة عُرضت في المؤتمر، الذي شهد اتفاقيات بإعطاء الأولوية لدعم إعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرات على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية، والتعاون الدولي وفق استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ، والالتزام المشترك لحماية الكوكب وبناء مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
وقد أكد الأمين التنفيذي لـ”اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر”، إبراهيم ثياو قائلًا: الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا، بل أيضًا حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه، وأن هناك تحولًا كبيرًا في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف.
الـمـركز في الأضـــواء
لأنه ثاني أهمّ ملتقى بيئي عالمي وأضخم حدث بيئي من نوعه في تاريخ المملكة، فقد احتشدت المؤسسات البيئية الوطنية لتتشارك في بناء مواقف استراتيجية متعددة.
“كوب 16″، بكلّ ما تحت سقفه من عقول وأفكار ونقاشات، بكلِّ مضامين خطاباته الوطنية والإقليمية والعالمية، بكلّ شراكاته، بكلّ بشاراته الخيّرة تجاه وضع كوكب الأرض، بكلّ قراراته الحيوية، ومشاريع تمويلاته المليارية.
وسجّل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية موقعه بين مئات من الفعّاليات التي شاركت فيها دول ومنظمات مجتمع مدني، من دافع مسؤوليات أوجبت عليها تقديم ما لديها من تجارب وخبرات ومعارف لمواجهة مجموعة من الأخطار، بلا حاجز لغة، أو لون، أو قومية.

خبرة الميدان في الجلسات العلمية
أوراق عمل قدّمت خلاصة الخبرات الفطرية والبيئية
أوراق عمل وجلسات علمية يومية شهدها المؤتمر. وفي اليوم الأول الخاص بالمنطقة الزرقاء، نظم الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) جلسة بعنوان “ربط البحر باليابسة لاستعادة التنوع الأحيائي ومكافحة التدهور”، وقد شارك فيها الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد علي قربان.
إلى جانب ذلك، شاركت الأمينة العامة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة “IUCN” الدكتورة جريتيل أغيلار في جلسة “التنوع الأحيائي والتغير المناخي.. تحديان وحلٌّ واحد”، وتحدثت عن دور المملكة في إعادة التأهيل والحماية والحفاظ على البيئات الطبيعية، وجهود المملكة في تحقيق المستهدفات وصون التنوع الأحيائي واستعادة الأنظمة البيئية في البيئات البرية والبحرية.
وجاء في مشاركتها قولها إن “برامج الإكثار وإعادة التوطين أطلقت أكثر من 7600 من الكائنات الفطرية في موائلها الطبيعية، وهو ما ساعد المملكة على استعادة بعض النظم البيئية، والتقليل من آثار تغير المناخ، فضلًا عن السعي إلى إنشاء المناطق المحمية التي تتمتع بتنوع أحيائي، وإطلاق خطة منظومة المناطق المحمية لتحقيق هدف 30×30”.
مراقبة التنوع الأحيائي
وفي جلسة أخرى حملت عنوان “صون الطيور المهاجرة” شارك الدكتور قربان، أيضًا، وأشار إلى دور مراقبة التنوع الأحيائي، وبالأخص الطيور المهاجرة، وما يمثله من حجر زاوية في جهود استعادة الأنواع المهددة بالانقراض.
وجاء في كلمته تأكيد لـ”متابعة هذه الطيور ودراسة موائلها، من أجل وضع تصور واضح للمبادرات وبرامج إعادة الإكثار”، مؤكدًا أن “المركز يعتمد في عملية مراقبة التنوع الأحيائي على استخدام منهجيات محددة لتمكين برامج إعادة إكثار وتأهيل الأنواع المهددة من الطيور البرية المهاجرة، وأن التقنيات المستخدمة تشمل أجهزة المراقبة والاستشعار عن بعد، إضافة إلى المسوحات الميدانية وتحليل البيانات”.
مرونة النظام البيئي
هناك زاوية أخرى في مسألة التنوع الأحيائي، وهو ما نبّه إليها مدير عام المحافظة على البيئة البرية في المركز أحمد البوق، بقوله: “التنوع الأحيائي يعد عنصرًا أساسيًا لاستعادة الموائل، وضمان مرونة النظام البيئي، ودعم الطيور المهاجرة على طول مسار الهجرة الإفريقي الأوراسي”. وأكَّد “مساهمة مشاريع استعادة الأراضي الرطبة والأراضي العشبية في تعزيز حالة الموائل الحرجة للأنواع المهددة، مثل النسر الشهبي والبجع الأوروبي”.
من أجل تحقيق مزيد من النتائج، أشار البوق إلى فاعلية “التقنيات المتقدمة، كالتتبع عبر الأقمار الصناعية والمراقبة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، من أجل ضمان إدارة فعالة وناجحة للتنوع الأحيائي”.
الاتفاقيات تتآزر
هناك جلسة علمية أخرى حملت عنوان “تآزر الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف لتعزيز الحوكمة البيئية”، وفيها استعرض الدكتور محمد قربان مبادرات رؤية المملكة 2030 المرتبطة بالبيئة، والحلول المتعلقة بالتنوع الأحيائي المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن بينها:
- حماية 30% من مساحة المملكة البرية والبحرية بحلول عام 2030.
- استخدام تقنيات المراقبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لحماية التنوع الأحيائي، والتتبع بواسطة الأقمار الصناعية.
- التعاون على تنفيذ العديد من التوصيات والبرامج وتنسيق الجهود بما يتماشى مع إطار كونمينغ – مونتريال العالمي للتنوع الأحيائي.
- العمل على إجراءات جريئة والتزامات مشتركة وإرادة قوية لحماية أراضي المملكة للأجيال القادمة.
تكيّف الإبل.. نموذجًا
وكان لأحمد البوق ورقة ذات أهمية عالية في جلسة “الإبل والأراضي المشتركة.. استعادة التنوع الأحيائي من تدهور الأراضي”. وفيها تطرَّق إلى قيمة الإبل بيولوجيًا، موضحًا ميزة “تكيُّف الكائنات الصحراوية في بيئاتها”؛ حيث “استأنس الإنسان الإبل في الجزيرة العربية في حقبة مبكرة منذ آلاف السنين”. كما لفت النظر إلى “أن تنظيم مراعي الإبل له تأثير كبير في استدامة الأنظمة البيئية، بوصف الإبل مثالًا نموذجيًا للكائن المستأنس المتكيف مع البيئة الصحراوية في المملكة، وأن تكيف هذا الكائن مع البيئة الصحراوية يتيح فرصة ثمينة لدراسة كيفية تأقلم الكائنات الصحراوية مع تحديات بيئتها كنقص المياه والحرارة العالية للطقس”.
البوق شارك، أيضًا، في جلسة “المفترسات في الصحراء”، متحدثًا عن دور القطط البرية في مكافحة التصحُّر، وأكد أن المملكة تبذل جهودًا كبيرة للمحافظة على أنواع القطط البرية المهددة بالانقراض؛ نظرًا لما تحدثه من أثر إيجابي في التوازن البيئي، وصون النظم البيئية، واستدامة التنوع الأحيائي، والحد من تدهور الأراضي والتصحُّر. ونوَّه بنجاح خطة إعادة توطين الفهد الصياد بعد مضي 40 عامًا على انقراضه في المملكة، موضحًا أن الاكتشافات التي نتجت عن برنامج التوطين وفَّرت بيانات قيمة لتاريخ الحياة الفطرية للقطط البرية في المملكة العربية السعودية.

صقور الغروب
أمَّا مستشار المركز البروفيسور محمد شبراق، فقد شارك في جلسة “المحافظة على صقور الغروب في المملكة”، وفيها أكَّد أن هذه الصقور “تشكل إرثًا ثقافيًا وكنزًا فِطريًّا”، مشيرًا إلى “رصد 11 نوعًا من الصقور في البيئات السعودية، بينها صقور الغروب، والسوداء، وغيرها من الأنواع المهددة بالانقراض، ودعم المركز للخطة الدولية لحماية الصقور ودراسة موائلها ورصد المهددات المحيطة بها”.
وفي جلسة نظّمها جناح مملكة البحرين في المؤتمر، تناول البروفيسور شبراق “التطبيق الفعال للخطة الدولية لصون الصقور السخامية، وتعزيز مستويات الحماية لمواقع التكاثر، والسيطرة على الأنواع الغازية، وتبادل الخبرات والمعرفة، وتعزيز الرصد والبحث والمتابعة، بما يدعم استدامة هذا النوع المهدد بالانقراض من الصقور”.
المحميات
المدير العام للمناطق المحمية في المركز عبدالله الطلاسات، قدّم ورقة عمل في جلسة “المناطق المحمية والقائمة الخضراء”، وتناول فيها تعاون “المركز مع الاتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN) على تنفيذ ورش عمل متخصصة حول آليات ترشيح المناطق المحمية للقائمة الخضراء”.
وفي هذا الصدد، أشار الطلاسات إلى “تسجيل محمية الوعول ضمن القائمة الخضراء”، وما يعنيه ذلك من تأكيد “أن إدارة المناطق المحمية في المملكة تتم وفق أفضل الممارسات العالمية”. وكشف عن أن “أكثر من 95% من محميات المملكة المعلنة تسعى للحصول على الاعتراف العالمي بتطبيقها أفضل الممارسات البيئية”.
وفي ورقة عمل أخرى للطلاسات في جلسة “الابتكار والتقنية في التشجير”، استعرض “ثراء التنوع الأحيائي في المناطق المحمية بالمملكة، وفرادة أنظمتها البيئية”.
وخلال مشاركة ثالثة له في جلسة “القائمة الحمراء للأنظمة البيئية” التي نظّمها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، أكد الطلاسات أهمية وجود القائمة الحمراء كمعيار عالمي لتقييم مخاطر الأنظمة البيئية، مشيرًا إلى التعاون المشترك لحماية هذه الأنظمة الحيوية.
تقنيات خضراء
مستشار المناطق المحمية في المركز الدكتور ستيوارت ويليامز، شارك في جلسة “المسارات نحو الاستخدام المستدام للأراضي.. المناظر الطبيعية متعددة الاستخدامات والتقنيات الخضراء وتمويل المناخ”. وركز ويليامز على تبادل الخبرات والمعرفة، وأفضل الممارسات الإدارية المستدامة للأراضي، والتقنيات الخضراء، وتمويل المناخ، لتحقق الأثر الإيجابي على مجالات التصحر وأزمة تغير المناخ.
أمل سعودي للعالم
في إطار المعرفة والاطلاع والوقوف الميداني على الخبرات والأفكار والتجارب العلمية الناجحة، زارت مجموعات من الوفود المختلفة مراكز الأبحاث والمحميات التابعة للمركز. ومن بين أهم الزيارات، زيارة مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية بالثمامة في العاصمة الرياض.
الزيارة شارك فيها نائب مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مع عدد من ممثلي معهد الموارد العالمية، وذلك للاطلاع على برامج الإكثار وإعادة توطين الكائنات المهددة بالانقراض.
كما نظّم المركز زيارة لمحمية الوعول لمجموعة من قيادات الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، وكذلك لمركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية. وقالت الدكتورة جريتيل أغيلار الأمينة العامة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، إن الحياة الفطرية في المملكة تحمل الأمل للعالم، وأن المملكة تقدم تجربة ثرية وملهمة تؤكد إمكانية تعايش البشر مع الطبيعة بانسجام وتناغم من أجل كوكب أكثر استدامة.
لقاءات تشاورية
في إطار اللقاءات العلمية والتشاورية، التقى الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد علي قربان، عددًا من الخبراء والعلماء والأكاديميين والسلك الدبلوماسي لأعضاء الدول المشاركة في “كوب 16″، ولأعضاء منظمات دولية متخصصة ومعنية بالحفاظ على البيئة والحياة الفطرية.
من ضمنهم وزيرة البيئة والمناخ والحياة الفطرية في جمهورية زمبابوي بحضور سفير زمبابوي في المملكة، وناقش خلال اللقاء التحضير لمؤتمر الأطراف الخامس عشر في اتفاقية “رامسار” بشأن الأراضي الرطبة الذي تستضيفه جمهورية زمبابوي في يوليو القادم.
كما التقى قربان الأمينة العامة لاتفاقية الأراضي الرطبة “رامسار” الدكتورة موسوندا مومبا، وناقش معها القضايا المتعلقة بالحفاظ على البيئة وتعزيز التنمية المستدامة.
والتقى قربان، أيضًا، مديرة برنامج المناظر الطبيعية الأرضية في إفريقيا التابع للمعهد الدولي للموارد، واستعرض معها مجالات التعاون وتبادل الخبرات في مجال الحماية والمحافظة على الطبيعة.
جناح ومعرض متنوع
على هامش “كوب 16” قدَّم المركز العديد من تجاربه وإنجازاته، في جناح خاص ضمّ معرضًا شاملًا للجهود الوطنية المبذولة في مجال حماية الحياة الفطرية.
الجناح والمعرض حظيا بحضور كثيف ونوعي طوال أيام مؤتمر “كوب 16″، وعرض المشاريع والبرامج التي نفذها المركز للحفاظ على التنوع البيولوجي، مثل إنشاء المحميات الطبيعية، وإعادة تأهيل الأنواع المهددة بالانقراض، وتطبيق تقنيات الرصد والمتابعة.
وتعرَّف الزوار في الجناح والمعرض المصاحب على معلومات تفصيلية حول الاستراتيجية المستقبلية لحماية الحياة الفطرية وتعزيز التوازن البيئي.
اتفاقيات عمل
شهد مؤتمر الأطراف لمكافحة التصحُّر “كوب 16″، أيضًا، توقيع مجموعة كبيرة من الاتفاقيات المحلية والإقليمية والدولية الداخلية والخارجية.
وفي هذا الجانب، وقَّع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عددًا من الاتفاقيات الداخلية، من بينها اتفاقية مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحُّر تهدف إلى إعادة تأهيل الأنظمة البيئية المتدهورة ومشاريع التشجير، وتطوير مواقع الرعي، ودراسات الحمولة الرعوية داخل المناطق المحمية، وتوحيد الجهود في المشاريع البحثية المشتركة، وتبادل البيانات والربط الإلكتروني لدعم تخطيط الأراضي المتكامل.
كما وقَّع المركز اتفاقية مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تهدف إلى تبادل الخبرات والبحوث العملية فيما يتعلق بحماية الحياة الفطرية والنظم البيئية البرية والبحرية، وتطوير مشاريع التنوع الوراثي، وتنفيذ برامج مراقبة لتقييم صحة النظم البيئية وفق معايير عالمية، وإنشاء قواعد البيانات لدعم الأبحاث المستقبلية.
بينما تهدف الاتفاقية الموقعة مع الشركة السعودية للكهرباء إلى حماية الطيور المهاجرة من تأثير خطوط الكهرباء، وتنفيذ برامج وآليات للمحافظة على النظم البيئية والتنوع الأحيائي، وتطوير خرائط GIS”” للمحميات التابعة للمركز، وتنفيذ برامج توعوية وتدريبية مجتمعية مشتركة، والتنسيق فيما يخص تنمية الغطاء النباتي.
أمَّا الاتفاقية مع “وقف مجتمع أوان”، فتهدف إلى التعاون في الحفاظ على الحياة الفطرية وتنميتها، وتعزيز جودة الحياة، وإبراز دور المملكة عالميًا في حماية الحياة الفطرية والنظم البيئية واستدامتها، ودعم التعاون الدولي للحفاظ على البيئة البرية والبحرية للبحر الأحمر والخليج العربي، ودعم البرامج التطوعية للمجتمعات المحلية والمساهمة في جهود الحفاظ على الحياة الفطرية.