تناقص أعداد سمك “الطرَباني” يدخل مربَّع الحلِّ
قبل أكثر من 10 سنوات أُعلن عن منع صيده رسميًا في مياه المملكة، لكنّ الالتزام لم يتحقّق على النحو الذي خُطّط له، وهو ما شكّل ضغطًا على هذا النوع النادر والثمين في نشاط صيدٍ جائرٍ حفّزه الطلب على السمك المعروف – محليًا – بـ«الطرَباني»، والرغبة غير المنضبطة في تناول «طعام الملوك» الشهيّ.
غير أن السنوات الثلاث الأخيرة؛ شهدت تحوّلًا جوهريًا في رعاية سمك «الطرَباني»، ووضع مشكلة التهديد الذي يواجهه على أُولى خطوات الحلّ العملي، بفضل منظومة التشريعات البيئية التي شرعتها المملكة، والآليات الرقابية والتنفيذية، ووجود إشارات إلى وعيٍ مجتمعي واعد.
شقيق الحريد
على المستوى المحلّي ينتمي «الطربَاني» إلى الفصيلة نفسها التي ينتمي إليها سمك «الحريد» المعروف في البحر الأحمر. ويقتسمان البيئة نفسها، ويتشابهان في التصنيف ضمن «أسماك الرأس». ولـ«الطرَباني» رأسٌ يعتمر ما يُشبه شكل قبعة القائد العسكري. وربما كان هذا الشكل وراء تسميته بسمكة «نابليون»، تشبيهًا بالقائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت.
سمكة ذات شفتين غليظتين، وفوق رأسها ما يشبه السنام (التحدب) يكبر حجمه كلَّما تقدم بها العمر، ويتميز لون السنام بالأخضر والأزرق لدى الذكور، في حين يميل لون الإناث إلى اللون البرتقالي مع عدم وجود السنام (التحدب). ويمكن لهذه السمكة أن تغير جنسها. والمعلوم هو أن الذكور تكون أكبر من الإناث، ويُراوح وزنها بين 200 و300 كجم. وقد يصل طولها إلى مترين. وحين تبلغ هذا المدى تكون قد عمّرت طويلًا، وناهزت الخمسين سنة، في رحلة عمرٍ أدركت فيه البلوغ في سن الخامسة.
ارتباط هذا النوع من الأسماك بالشعاب المرجانية رسم خارطة واضحة لمواقع وجودها، فهي تنتشر في المحيطين الهادئ والهندي، علاوة على انتشارها – بأعداد غير قليلة – في البحر الأحمر الغني بالشعاب المرجانية، وقد جرت عملية رصدها على أعماق قد تصل إلى 100م في المناطق البحرية الصافية.
ويتركز وجودها في المياه الإقليمية السعودية المطلة على البحر الأحمر، وبخاصة في حقل، وضباء، وينبع، والمناطق المجاورة. وقد رصدت آخر الدراسات أعدادًا غير قليلة في القنفذة وجزر فرسان.
يتغذى على..
تعد أسماك «الطرباني» حلقة مهمة ضمن السلسلة الغذائية، وتؤدي دورًا مهمًا في الحفاظ على التوازن البيئي، فهي تتغذى على المحار وقنافذ البحر ونجم البحر، ويؤدي انتفاخ الشفتين لديها وظيفة تُمكّنها من التغذي على كائنات بحرية ذات أشواك وسموم.
هذه الخاصية منحت سمكة «الطرَباني» دور حماية من كائنات معادية، مثل نجم البحر ذي التاج الشوكي «Crown-of-thorns» الذي يُفرز مادة حمضية على الشعاب المرجانية فيقتلها، قبل أن يتغذى
عليها، إذ يملك أشواكه السامة دفاعًا عن نفسه. هذه المخاوف من نجم البحر تتلاشى مع وجود سمكة «الطرَباني» القادرة على التعامل مع الأشواك وسمومها عبر الشفتين الغليظتين، وتناول الكائن بسهولة.
ولهذا، فهي من الكائنات البحرية ذات الأهمية الكبيرة في المحافظة على بيئة بحرية ذات شعاب مرجانية صحية ومتوازنة، ووجودها الطبيعي مهم في توازن البيئة البحرية، في حين تشكل ندرته عاملًا رئيسًا في تدهور أحد الأركان الرئيسة للنظام البيئي البحري.
أسماك ما قبل التهديد
السبيطي.. الزبيدي
هناك بعض الأسماك التي تندرج في مستوى ما قبل التهديد في الخليج العربي، مثل السبيطي والزبيدي.
والزبيدي من الأسماك السابحة وغير المهاجرة، وهي موجودة في البحر الأحمر أيضًا. وهي من الأسماك الهادئة المستقلة التي تسبح أفرادًا لا مجموعات، إلا في موسم التزاوج، عند الانقلاب الصيفي وبداية موسم الربيع في نهاية مارس وبداية أبريل.
يتم التغذية عليه من قبل!..
وفي الاتجاه المعاكس، يقع «الطرباني» على قائمة الطعام لمجموعة من الكائنات البحرية، فهناك من يتغذى عليه في كل مرحلة من دورة الحياة. ففي مرحلة البيض، هناك آكلات البيض، وإذا ما سلم البيض منها، فإنه ينتقل إلى مرحلة ما بعد الفقس ليتحوّل إلى «الهائمات»، ليكون فريسة لأسماك وكائنات كثيرة.
وحين يتخطّى اختبار «الهائمات» ويصبح حجمه مثل الإصبع، يكون وجبة مثالية لدجاج البحر. وإذا نجا منها، يأتي دور الأسماك الكبيرة، مثل الهامور، لتلتهمه وهو في مثل حجم كف يد الإنسان أو أكبر من ذلك بقليل. ويستمر التهديد يلاحقه حتى في مرحلة البلوغ، لتتربص به أسماك القرش وأسماك البركودا السابحة حول الشعاب المرجانية.
.. ويُصطاد جَورًا!
بين كونها آكلة ومأكولة في البيئة البحرية الطبيعية، ظهر تهديد من خارج مياه البحر وخارج دورة حياته الطبيعية، على يد الإنسان الذي جاء من اليابسة وتدخّل متجاوزًا الحدود التي يمكن للطبيعة أن تحتملها. ويمثّل الصيد الجائر خطرًا على موقع «الطرباني» من السلسلة الغذائية، ومن ثَمَّ على عملية التوازن البيئي.
في المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، اهتمام بالغ بسمك «الطرَباني». ونظرًا لارتباط التصنيف العالمي بالتصنيف المحلي للكائنات المهددة بالانقراض، عمل المركز على مراقبة هذا الكائن وإجراء الدراسات البحثية العلمية بشأنه، وذلك ضمن مشروع متكامل يشمل جميع الكائنات الحية المهددة بالانقراض في المملكة العربية السعودية، و»الطرباني» قيد الدراسة في هذا المشروع، ويخضع لنظام المحميات للكائنات البحرية المهددة بالانقراض.
وصيد «الطرباني» محظور منذ 10 سنوات، ومؤشرات حماية هذا الكائن جيدة حتى الآن، ولا سيما مع اللائحة التنفيذية لوزارة البيئة التي رفعت قيمة المخالفة إلى 50,000 ريال، مع فرض عقوبة السجن في حال تكرار المخالفة. وحتى تعود أعداد «الطرباني» إلى المستوى الطبيعي، فإن هناك مشروعًا لتقنين الصيد ووضعه ضمن نظام الصيد المستدام، كأحد مشاريع المركز المستقبلية.
نموٌّ بطيء
ما يُفاقم الخطر على سمك «الطرَباني» هو دورة حياته، فهذا الكائن البحري بطيء التكاثر، إذ لا يصل إلى سن البلوغ إلا بعد 5 سنوات من العمر، ويكون وزنه كيلوجرامين فقط. وحين يبلغ تضع الأنثى في مرحلة التكاثر 100,000 بيضة، ولكن هنالك ما لا يتم تلقيحه من قبل، وهنالك ما يُفترس، أو أن يكون بيضًا فاسدًا؛ مما يعني أن الفاقد كثير، وقد ينجو من الفقد ما نسبته 1% من هذا البيض.
فإذا أُضيفت صعوبات دورة الحياة الأخرى، فإن المهدّدات تتضاعف على «الطرباني».
مستقبل الطرَباني
على المستوى العالمي، فإن مستقبل «الطرباني» لا يبشر بخير، إذ تبين من الإحصاءات العالمية أن المعدل الطبيعي العام لوجود هذا الكائن؛ هو حوالي 240 سمكة في الهكتار الواحد (10,000 متر مربع)، وفي شرق آسيا وخليج المكسيك تناقصت أعداد المخزون لأسماك الطرباني ليصل هناك حوالي 56 سمكة/ هكتار، وهذا يعنى أن المخزون فقد ما يعادل 65% إلى 75%.
أما في المملكة العربية السعودية، فلم تحدد نسبة المخزون بالضبط، إلا أن مراقبته واقعة ضمن الاستراتيجيات والمخططات المستقبلية؛ من أجل المحافظة على هذا النوع من الانقراض.
ما يدعو إلى التفاؤل هو التخطيط المستقبلي الذي سوف يحوّل 30% من مساحة المملكة إلى محميات طبيعية. وحتى تحقيق ذلك، فإن الرهان الآن مرتبط بالوعي العام وتحديث التشريعات. وقد اتخذت المملكة، ممثلة في جهات حكومية متخصصة، مجموعة من التدابير بشأن حماية سمكة «الطرباني». ونظرًا لعدم توفر المعلومات الكافية عن هذا الكائن، فقد وضع هذا الكائن البحري – كخطة احترازية – في نطاق النظام البيئي، وأُقرّت المخالفات بشأنه.
وفي المستقبل المنظور، هناك خطة متكاملة تبدأ خطواتها الأولى بين الربع الرابع من 2023م وبداية 2024م، بمشاركة جهات عالمية، ومنها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست»، فضلًا عن خطط مستقبلية عالية المستوى تتضمن برامج توعية وإعلامية تحقق الأهداف المنشودة في المحافظة على توازن البيئة البحرية وحماية «الطرباني» وغيره من الكائنات البحرية المهددة بالانقراض.