كنانة دحلان
تعدُّ الطيور المهاجرة من أكثر الكائنات المدهشة التي تستعرض قدراتها الفريدة في البقاء والتكيف، وهي تمثل مقياسًا دقيقًا لصحة البيئة وسلامتها، حيث تُقدِّم حلولًا للعديد من المشكلات البيئية كمكافحة الحشرات والقوارض، والتخلُّص من الحيوانات النافقة، ودرء مخاطر الأمراض الناجمة عنها، إلى جانب نقل البذور وحبوب اللقاح. وفي ظل ما تقدمه من خدمات للنظام البيئي، فإنها تعزِّز زيادة الإنتاج الزراعي بعيدًا عن مخاطر المبيدات الحشرية، وتكاليف التلقيح الصناعي، بل تعدُّ عنوانًا للجَمال المُلهم الذي يلامس أعماق النفس البشرية.
لذا، يبرز دور الطيور الحيوي في حفظ التوازن البيئي، من خلال ضمان سلامة السلاسل الغذائية، وتعزيز مؤشرات التنوع الأحيائي، وهو ما يجعلها جزءًا من كنوز الطبيعة التي تُثري قطاع السياحة البيئية، ونشاطات المراقبة العلمية، بكل ما يحملانه من قيمة اقتصادية، تُسهم في دفع عجلة النمو والازدهار.
وعلى الرغم مما تحمله الطيور المهاجرة من قيمة كبرى؛ لكونها أحد أبرز مرتكزات التنوع الأحيائي وتحقيق التوازن البيئي، فإنها تتعرض للعديد من المهددات التي تؤدي إلى نفوقها وانحسار أعدادها. ويبرز من بين هذه المخاطر والمهددات: الصيد الجائر، والصعق الكهربائي، والتوسع العمراني، وتدمير الأراضي الرطبة، والرعي الجائر، والتصحر، والتغير المناخي،والتلوث الضوئي والضوضاء، والتلوث بالنفايات البلاستيكية والمعدنية.
وفي ظل ما تتمتع به بلادنا من موقع استراتيجي، واتساع في مناطقها الساحلية، وموائلها الصحراوية عالية الخصوصية، وهو ما يجعلها محطة مهمة في مسار هجرة الطيور العالمية، فقد اضطلعت بأدوار محورية مهمة للحفاظ على الموائل الطبيعية، وحماية الكائنات الفطرية، ومن بينها الطيور المهاجرة؛ إذ برزت جهود المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تنظيم الصيد وأتمتة إجراءاته عبر منصة “فطري”، وتطبيق التشريعات والقوانين الصارمة بشأنه وفقًا للأنظمة البيئية المعتمدة، إلى جانب تركيب عوازل خطوط الكهرباء الواقعة على مسار هجرة الطيور، بالإضافة إلى الاهتمام الكبير بالتوسع في المناطق المحمية التي تعدُّ أبرز البيئات الحاضنة لتلك الطيور.
وما يقوم به المركز من خلال إجراء المسوحات الميدانية ومراقبة مسارات هجرة الطيور وتحديث قوائمها ومعرفة الحالة الوطنية لكل نوع، مع دراسة المناطق المهمة للتنوع الأحيائي والمناطق الرطبة، إلى جانب دعم برامج المراقبة والبحث البيئي، كل ذلك يعكس حجم الجهود التي يبذلها المركز لتحقيق رؤيته في حماية الحياة الفطرية، التي قادت إلى حصول المملكة على جائزة الريادة لتنظيم الصيد والأخذ والإتجار في الأنواع المهاجرة.
وهذا ينادي بضرورة تأكيد أهمية الدور التشاركي الذي يجمع مختلف القطاعات ذات الصلة والمجتمع المحلي؛ لتقديم نموذج ريادي يضع بصمته في العمل البيئي، وذلك من خلال الإسهام في نشر الوعي المجتمعي بضرورة الحد من الأنشطة البشرية المهددة للطيور وموائلها الطبيعية التي تعدُّ جزءًا من تراثنا الطبيعي والثقافي، وإبراز التنظيمات الخاصة بالمحافظة على مساراتها الموسمية، بما يعكس حجم الالتزام بالمحافظة على التنوع الأحيائي وتحقيق التوازن البيئي وضمان استمرارية هذه الطيور كمكوّن أصيل في المنظومة الطبيعية، ورافد رئيس من روافد التنمية المستدامة.